- العراق
منذ 3 سنوات

علي « عليه السلام » ومبايعوه

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي المحترم . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . هناك مسألة - استعصى علي حلها - طرحها أحد دعاة الوحدة الإسلامية في كتاب له تحت عنوان : « حل الاختلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة » . فآثرت اللجوء إليكم كونكم من أهل الاختصاص . قال هذا الداعي للوحدة : « . . ثم من ناحية أخرى ، نعلم جميعاً أن الذين قاتلوا تحت راية أمير المؤمنين تأييداً لحكومته ودفاعاً عنها ضد من خرجوا عليه ، وقُتلوا في هذا السبيل ، في معركتي الجمل وصفين ، يُعدون ، باتفاق الشيعة الإمامية ، وسائر فرق الشيعة ، شهداء من أهل الجنة ، هذا ، مع أن أغلبهم كانوا من أهل السنة الذين بايعوا راغبين ، الخلفاء الراشدين السابقين ، قبل أن يصل الدور لعلي عليه السلام ، فيبايعوه ، وهذا يقيني ، لأنه لو كان كل هذا الجمع العظيم من الأنصار ، منذ البداية ، من الشيعة المعتقدين بأن علياً هو خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل ، لكان علي عليه السلام ، قادراً من البداية بالاستعانة بهذه الأكثرية من الصحابة ، على أن يصرَّ على منصب خلافته ، ويستعين بهم للوصول لحقه المشروع ، مع أن شيئاً من هذا لم يحصل . وبالتالي ، فليس هناك من شك في أن أغلب أولئك المقاتلين مع علي كانوا من أهل السنة والجماعة ، وقد أشار علي عليه السلام ، نفسه لهذا الأمر في رسالة من رسائله لمعاوية التي قال فيها : « إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه » [1] . ومع ذلك ، فإن الشيعة والسنة ، اليوم ومن قبل ، متفقون ومجمعون على أن شهداء صفين والجمل ، من أهل النجاة . وعدَّهم علي حسبما نقل عنه في نهج البلاغة وغيره ، من أهل الجنة ، حيث قال : « ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ، ويشربون الرنق ، قد ، والله لقوا الله ، فوفاهم أجورهم ، وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم » [2] . سيدنا الكريم : هل ما ذكره واستدل به هذا الداعي للوحدة الإسلامية صحيح ؟ الرجاء إيفاء الموضوع حقه من النقاش العلمي ، لأن كثيراً من السنة الذين أناقشهم على الإنترنت يستدلون بمثل هكذا كلام .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن ما قاله هذا الداعية للوحدة الإسلامية غير صحيح ، بل هو يتضمن خداعاً ومكراً يمقته الله ، ونحن نوجز ملاحظاتنا على كلامه بما يلي : الشهداء مع الإمام علي « عليه السلام » : بالنسبة لقوله : إن الذين قاتلوا مع أمير المؤمنين عليه السلام ضد أعدائه وقتلوا في هذا السبيل هم شهداء ومن أهل الجنة . نقول : إن هذا كلام صحيح . . لكن قوله : « مع أن أغلبهم من أهل السنة ، الذين بايعوا راغبين ، الخلفاء الراشدين السابقين ، قبل أن يصل الدور لعلي » ثم استشهاده بكلام الإمام علي عليه السلام حول نجاة شهداء الجمل وصفين . . غير صحيح ، لأكثر من سبب . . فأولاً : من الذي قال : إن الذين استشهدوا مع الإمام علي عليه السلام في حرب الجمل . قد بايعوا طائعين لمن سبقه عليه السلام ، فإن الإكراه على البيعة كان هو الأساس في بيعة من سبقه عليه السلام ، خصوصاً في البيعة لعثمان ، التي أمر عمر بن الخطاب نفسه بقتل من يعارضها من أصحاب الشورى أنفسهم ، فهل يجرؤ غيرهم على رفضها أو التشكيك فيها بعد هذا ؟ ! فقد كان أصحاب الشورى ستة ، وقد أمر أن يجتمعوا في بيت ، فلا يخرجوا حتى يبايعوا أحدهم ، فإن خالف واحد قتل ، وإن خالف اثنان قتلا ، وإن خالف ثلاثة ، أمضي رأي الذي من بينهم عبد الرحمن بن عوف ، وقتل الثلاثة الآخرون . . [1] . ثانياً : إنه حتى لو كان ثمة من بايع طائعاً ، فمن الذي قال : إنه لم يتراجع عن موقفه ، ولم يتب إلى الله مما كان منه ، وقد ورد : أن كثيرين ممن بايع أبا بكر قد رجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وتاب وندم وأناب ، وكان الراجعون إليه أولاً اثنا عشر ، وقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم ومنهم الطبرسي في الإحتجاج وغيره أنهم احتجوا على أبي بكر ، حتى استقال أبو بكر ولكن من معه عادوا فقوَّوه وثبتوه وشدوا من أزره . . ثم إن أبا بكر لم يجرؤ على جعل الأمر شورى من بعده بل عهد بها إلى عمر ، كما أن عمر حصرها في ستة علي سادسهم ، ولم يكن يحبه من الخمسة أحد ، كما أظهرته الوقائع . . ثالثاً : إنه حتى لو لم يتب الذين بايعوا الخلفاء السابقين على علي عليه السلام ، فلماذا لا يقال : إن الحصول على درجة الشهادة يمحو ذلك الذنب الذي صدر من ذلك الشهيد ؟ ! رابعاً : إن مجرد بيعتهم للخلفاء الذين سبقوا أمير المؤمنين عليه السلام لا تجعلهم من أهل السنة ، فلعلهم بايعوا بسبب شبهة حصلت لهم ، أو طمعاً في الدنيا ، أو لغير ذلك من أسباب . . ونحن نرى في أيامنا هذه : أن هناك سنة وشيعة ، يبايعون من يخالفونهم في الاعتقاد ، والمذهب ، ولا يقول أحد : إن البيعة قد جعلت الشيعي سنياً ، والسني شيعياً . . ولا يفرزون الناس على أساس بيعتهم ، فيعرفون السني ببيعته ، والشيعي بامتناعه ، أو العكس . . بل يصنفونهم وفق ما يصرحون به من اعتقادات . . خامساً : إن المراد بنجاة المقتولين في الجمل وصفين هو أن رايتهم راية نجاة ، وليس بالضرورة أن يكون كل من قتل تحتها يكون ناجياً ، فإن بعضهم قد يقاتل من أجل الدنيا وحطامها ، وقد يقاتل حمية وعصبية ، ومنهم من يقاتل على الأحساب ، أو من أجل منصب ، أو لأي سبب آخر وهناك شواهد كثيرة في تاريخ الصحابة الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهناك من قتل معه ، وقد صرح بأنه إنما يقاتل على الأحساب ! ! ، وهناك شهيد الحمار ، وغير ذلك . سادساً : إنه لم يكن في تلك الحقبة شيعي وسني ، بل كان هناك موال للإمام علي عليه السلام ، وموال لغيره . وأما العبادات ، والاعتقادات ، فكانت واحدة ، وإنما حدثت الاختلافات والمذاهب بعد ذلك ، وذلك حينما ظهر من يتعمد مخالفة علي عليه السلام ، وأهل بيته عليهم السلام ، في كل ما قدر عليه من قول أو فعل . . فهذا التصنيف باطل من الأساس . . وهذا يؤكد أن البيعة والولاء قد كانت لهما أسباب أخرى ، ليست هي التسنن أو التشيع بمعناه المعروف في هذه الأيام . . لو كان الأنصار شيعة : وحول قوله : « لأنه لو كان كل هذا الجمع العظيم من الأنصار منذ البداية من الشيعة المعتقدين بأن علياً هو خليفة النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل ، لكان علي عليه السلام ، قادراً من البداية بالاستعانة بهذه الأكثرية من الصحابة ، على أن يصر على منصب خلافته » . . إن هذا القول غير صحيح أيضاً ، وذلك لما يلي : أولاً : لا شك في أن أكثر الناس يحبون السلامة ، فإذا رأوا الأعين محمرة على أمر ، ولم تكن لديهم حوافز للدفاع عنه ، تفوق في أهميتها عندهم ما سوف يقدمونه من أجله من خسائر ، وتضحيات فإنهم سوف ينصرفون عن التصدي للمطالبة به ، والدفاع عنه . . والأمر في هذه القضية من هذا القبيل تماماً . . فقد رأينا أن هؤلاء الأنصار أنفسهم لا يعترضون ولا يحركون ساكناً حينما قال قائلهم للرسول صلى الله عليه وآله : إن النبي ليهجر ( أو نحو ذلك ) ، وحينما هوجم بيت السيدة الزهراء عليها السلام ، وجاؤوا بقبس من نار لإحراق ذلك البيت ، رغم معرفتهم بخطورة ما صدر من ذلك القائل ، وبخطورة ما يجري على السيدة الزهراء عليها السلام . . كما أنهم سكتوا عن المتخلفين عن جيش أسامة ، وسكتوا عن الذين نفَّروا برسول الله صلى الله عليه وآله ناقته في ليلة العقبة ، وسكتوا على الذين رفعوا أصواتهم فوق صوت النبي في يوم عرفة ، حتى ليقول جابر بن سمرة - كما في صحيح مسلم وغيره - : فقال كلمة أصمَّنيها الناس . . وفي نص آخر : فضج الناس . . وفي نص آخر : أو فصاروا يقومون ، ويقعدون ، ونحو ذلك . . وقد أشفق هؤلاء الأصحاب أيضا أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة ، وقد لامهم الله تعالى على تثاقلهم عن الجهاد في سبيل الله ، بل إنهم كانوا إذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها ، وتركوا النبي صلى الله عليه وآله قائماً . . * ( قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ) * [1] . ثانياً : إن هؤلاء الأنصار قد رأوا بأم أعينهم : كيف أن بني أسلم قد ظهروا فجأة في بلدهم الصغير جداً والذي قد لا يصل عدد سكانه إلى بضعة آلاف . وكان هؤلاء الذين ظهروا من الكثرة بحيث تضايقت بهم سكك المدينة ، وقوي بهم أبو بكر ، كما يقول المؤرخون ، ويقول عمر : إنه لما رأى قبيلة أسلم أيقن بالنصر ، بل في بعض النصوص : إن أكثر من أربعة آلاف مقاتل ، قد ظهروا فجأة في المدينة ، وكان خالد على ألف منهم ، وغيره على ألف ، وهكذا . . وتذكر نصوص تاريخية وروائية : أنهم صاروا يسحبون الناس للبيعة ويهينونهم ، ويجبرونهم على مبايعة أبي بكر ، شاؤوا أم أبوا ، ثم صاروا يذهبون إلى من جلسوا في بيوتهم ، وتغيبوا ، فيستخرجونهم منها قهراً ، ويأتون بهم إلى المسجد ليبايعوا . . وماذا ينفع الجمع العظيم من الأنصار في مثل هذه الحالة ؟ ! ما دام أنه لا يقدر أحد منهم على الوصول إلى الإمام علي عليه السلام ، وهو محاصر في بيته لنجدته ، وقد كان بيته في داخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، مقابل المنبر الذي يبايع الناس عليه أبا بكر . ولا يفصل المنبر عن بيت الإمام علي عليه السلام سوى بضعة أمتار قد تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة بيسير . . وعن بني أسلم نقول : لقد كانت هذه القبيلة تعيش في أطراف المدينة هي وقبيلة أشجع ، وغفار ، وكانت هذه القبيلة أعرابية بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، ولعل قوله تعالى : * ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُم ) * [1] . قد جاء ليشير إلى هذه القبيلة بالذات . فإذا كان النفاق مستشرياً إلى هذا الحد في نفس المدينة وفيما حولها . . وقد أعلم الله رسوله بحقيقة هؤلاء المنافقين ، ربما من أجل الإشارة إلى هذه الأحداث المؤلمة التي كان الرسول صلى الله عليه وآله يحمل همها قبل وفاته صلى الله عليه وآله ، وسيعاني منها أمير المؤمنين عليه السلام بعد ذلك . . والخلاصة : أنه قد ظهر : أن تقسيم الناس في زمن الرسول إلى شيعة وسنة تقسيم غير دقيق ، بل هم إما مطيع لأوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وإما عاص . وإما مؤمن صحيح الإيمان ، وإما منافق . . وقد ظهر : أن الذين يرغبون في مخالفة أمر الرسول ، يملكون قوة ، ولهم مؤيدون . . وأما سائر الناس العاديين ، فكانوا يخضعون للترغيب وللترهيب ، وكان حبهم للسلامة ، والابتعاد عن المصادمات هو الأقوى ، والأكثر ملاءمة لهوى نفوسهم . . ثالثاً : هل وجد الإمام علي عليه السلام فرصة ليدعو الناس إلى نصرته ؟ ! أليس قد حوصر بيته وهوجم ، وهوجمت زوجته ، واعتدي عليها بالضرب المبرح ، بمجرد أن فرغ من غسل وتجهيز ، رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم الصلاة عليه ، وحفره قبره ودفنه . فإنهم بمجرد أن استشهد رسول الله صلى الله عليه وآله منعوا من إعلان موته ، حتى انضم بعضهم إلى بعض ، ثم ذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة ، وألقوا الخلاف بين الأنصار ، وبايع أفراد قلائل منهم أبا بكر ، ثم عادوا سراعاً إلى الإمام علي عليه السلام ، وكان قد فرغ من دفن النبي لتوه ، فهاجموه ، ثم حاصروه . . حتى جاءت بنو أسلم ، وجرى ما جرى حسبما بيَّناه . . فما معنى قولهم : إنه عليه السلام : « كان قادراً منذ البداية بالاستعانة بهذه الأكثرية من الصحابة » . . إن الصحابة الذين يتحدث عنهم هؤلاء هم الضعفاء ، والمستضعفون ، الذين حاصرهم الغزاة في بيوتهم ، وفرضوا عليهم ما أرادوا ، والذين كاثروهم بني أسلم ، وأرهبوهم ، وأهانوهم ولم يكن يمكن للإمام علي عليه السلام ، أن يتصل بأحد منهم ، ولا كان يمكن لأحد منهم أن يصل إلى الإمام علي عليه السلام . . والذي أكد هذه الرهبة وعمقها هو أن مكة كانت قد فتحت ، وأن القبائل كانت قد أعلنت الإسلام طوعاً في الظاهر ، وكرهاً واستسلاماً للأمر الواقع في الباطن . . وهؤلاء - أعني أهل مكة ، ومن أعلن الإسلام قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله - حين يرون أن الخلافة تزوى عمن يكرهون ، ومن قتل أحبَّتهم ، وتصل إلى من هو أحب وأقرب إليهم منه ، فلماذا لا يكونون معه ، وإلى جانبه ، وإذا ما كان النصر حليف هؤلاء ، فإن على الأنصار والضعفاء والمستضعفين ، أن يحسبوا للعواقب ألف حساب . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .

1