الله هو الخالق والرازق
أريد أن أسأل بعضاً من الأسئلة: 1 - هل الأئمة (عليهم السلام) هم الذين خلقوا عالم الوجود بإذن الله؟ وبمعنى آخر، هل صفة الرازقية والخالقية « الخلق والرزق » توكل إليهم بإذن الله سبحانه وتعالى؟ 2 - هل صحيح أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو المدبّر والمنظّم لهذا الكون بإذن الله في هذا الزمان؟ 3 - هل الأئمة (عليهم السلام) هم الذين يقسّمون الرزق؟ أي: هم المسؤولون عنه في ليلة القدر لأنهم حجج الله؟ أو هل يوجد شيء مثل هذا القبيل حتى تتضح لنا الحقيقة؟ 4 - أرجو التعليق على الروايات التالية: - ماجيلويه، عن علي، عن أبيه، عن ياسر الخادم، قال : قلت للرضا (عليه السلام): ما تقول في التفويض؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) أمر دينه، فقال: * (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )، فأما الخلق والرزق فلا. ثم قال عليه السلام: إن الله عز وجل خالق كل شيء، وهو عز وجل يقول: * ( الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ). - أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي، قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة (عليهم السلام) أن يخلقوا ويرزقوا؟ فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله عز وجل؛ لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل، وقال آخرون: بل الله عز وجل أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك تنازعاً شديداً. فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه؛ فإنه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألون فيرزق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم. إن المستفاد من الروايتين أن صفة الرازقية والخالقية « الخلق والرزق » لا تخوّل إلى الخلق والله العالم. 5 - ما معنى كل من العلّة الفاعلية والمادية والصورية والغائية بالتفصيل؟ وكيف يكون نبيّنا محمّد والأئمة الأطهار (عليهم السلام) هم العلة الغائية؟ وما معنى أنهم « وسائط الفيض الإلهي »؟ 6 - ما هو حد الغلو؟ أريد من سيادتكم أن تكون الإجابات طويلة، وبالتفصيل الممل، وبالأدلة والبراهين من القرآن الكريم والروايات الشريفة؛ لأنني فعلاً أريد إجابات على تساؤلاتي هذه، وهي مهمة جداً بالنسبة لي، ويا حبذا لو ترشدونني إلى بعض الكتب، ولكن أجيبوا عن هذه التساؤلات.
الإجابة على أسئلتكم: ١- بالنسبة إلى السؤال عن أنه هل الأئمة (عليهم السلام) هم الذين خلقوا عالم الوجود بإذن الله تعالى، نقول: إن القول بخالقية الأئمة (عليهم السلام) لعالم الوجود يتناقض مع صريح آيات القرآن الكريم، وما أكثرها، ومع الأحاديث المتواترة أيضاً، وما أغزرها، مما صرح بأن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، إلا أن يكون المقصود هو الوجه الأول من الوجهين الآتيين في الجواب على السؤال التالي، فانتظر. ٢- وأما بالنسبة إلى السؤال عن أنه تعالى أوكل إلى الأئمة (عليهم السلام) صفة الخلق والرزق بإذنه تعالى. ٣- وأما بالنسبة إلى السؤال عن تدبير الإمام القائم (صلوات الله وسلامه عليه) لهذا الكون، وتنظيمه بإذن الله في هذا الزمان، أقول: أ- إنه إذا كان المقصود بالتفويض للإمام هو الإذن له بالتصرف، بمعنى أن الله سبحانه هو الذي يفيض الوجود حين إرادة المعصوم، فتكون إرادة المعصوم واقعة في سلسلة المبادئ والعلل التي توجب تعلق الإرادة الإلهية، فلا إشكال في صحة ذلك ثبوتاً، إذ إن العقل لا يمنع من أن يكون الله تعالى قد عرَّفهم (عليهم السلام) ما يصلح به نظام الكون، فإذا أرادوا شيئاً، فإنما يريدونه في نفس الوقت الذي لا بد أن تتعلق به إرادته تعالى، فيخلقه الله مقارناً لإرادتهم ومشيئتهم (عليهم السلام). لكن المهم هو أن يدل الدليل على ذلك في عالم الإثبات أيضاً، ولا نرى فيما بين أيدينا ما ينهض للدلالة على حصول ذلك بالفعل، إلا بعض أحاديث لا تصلح للاعتماد عليها؛ لوجود شبهة في سندها، أو في دلالتها، أو فيهما معاً. ب - وإن كان المقصود هو أن يوكل الله أمر الخلق إليهم، وينصرف هو تعالى عن أمر التدبير والخلق، ولا يبقى له سبحانه أي دور سوى أنه يجري ما يريدونه، ويخلق ما يقررونه، فذلك باطل بالضرورة، ومردود أيضاً. ج - وإن كان المقصود بالتفويض هو أن يفعلوا ذلك بقدرتهم وبإرادتهم الذاتية، والتي هي في عرض قدرة الله تعالى، وليست ناشئة عنها، ومن دون حاجة إلى قدرة الله وإرادته، فذلك مرفوض ومردود أيضاً، ولعله هذا وسابقه هو محط نظر الأخبار التي تدين القائلين بالتفويض، وتقبح مقالتهم. وما ورد في خطبة البيان وأضرابها مما روته كتب الغلاة -على فرض صحة تلك الخطب والأقوال- إن لم يمكن حمله على الوجه الأول، فلا بد من رده، وعدم الاعتناء به. ٤- وأما بالنسبة إلى الأحاديث التي أوردتموها في رسالتكم، نقول: لا حاجة إلى التعليق عليها، فإنها واضحة الدلالة، بيِّنة المقصود؛ إذ هي لا تخرج عن السياق الذي ذكرناه، ولعلّ ما قلناه آنفاً يصلح بياناً لها. ٥- وحول قسمة الأرزاق في ليلة القدر نقول: إن الوارد عندنا في الأحاديث هو أن كل شيء يمر من خلالهم (عليهم السلام)، ومن هذه النصوص ما يلي: جاء في تفسير علي بن إبراهيم قوله: «.. ومعنى ليلة القدر أن الله تعالى يقدر فيها الآجال والأرزاق وكل أمر يحدث، من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر، كما قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا )، قال: قال: تنزل الملائكة، وروح القدس على إمام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور». وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «..( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم )، أي: من عند ربهم على محمد وآل محمد بكل أمر سلام». وقال القمي أيضاً: «فيها يفرق كل أمر حكيم، يعني في ليلة القدر، كل أمر حكيم، أي: يقدر الله كل أمر من الحق والباطل، وما يكون في تلك السنة، له فيه البداء، والمشيئة، يقدّم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء، وينقص ما يشاء. ويلقيه رسول الله إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويلقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان الخ .. ». ٦- وأما بالنسبة للسؤال عن حدّ الغلو، فنجيبكم بما قاله العلامة المجلسي (رحمه الله) وهو: «الغلو في النبي والأئمة إنما يكون بالقول بألوهيتهم، أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية، أو في الخلق، والرزق، أو أن الله تعالى حلَّ فيهم، أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي، أو إلهام من الله تعالى، أو بالقول في الأئمة إنهم كانوا أنبياء، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي»، إلى أن قال: «وإن قرع سمعك شيء من الأخبار الموهمة لشيء من ذلك فهي إما مؤولة، أو هي من مفتريات الغلاة. ولكن أفرط بعض المتكلمين، والمحدثين في الغلو، لقصورهم عن معرفة الأئمة عليهم السلام، وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم، وعجائب شؤونهم، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات ..». إلى أن قال أيضاً: «فلا بد للمؤمن المتدين أن لا يبادر بردِّ ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم، ومعالي أمورهم، إلا إذا ثبت خلافه بضرورة الدين، أو بقواطع البراهين، أو بالآيات المحكمة، أو بالأخبار المتواترة». ٧- وأما سؤالكم عن العلة الغائية ، والفاعلية ، والصورية ، والمادية ، فيراجع فيه كتاب شرح المصطلحات الفلسفية، إعداد قسم الكلام في مجمع البحوث الإسلامية في مشهد إيران.