- العراق
منذ سنتين

الإحباط والتكفير

بسم الله الرحمن الرحيم العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . أحب أن أشكركم على جوابكم عن رسالتي السابقة ، وأرجو منكم أن تتفضلوا عليّ وتشرحوا لي باختصار معنى « الإحباط والتكفير » مع تبيين رأي علمائنا الأبرار في ذلك ورأي الأشاعرة والمعتزلة بأسلوب سهل وبسيط لأنني قرأت حول هذا الموضوع لكنه بقي غامضاً عندي ولعل ذلك لدقة هذا المطلب الكلامي .


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد . . فقد قال تعالى : * ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) * [1] . وقال تعالى : * ( حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) * [2] . وقد عرَّفوا الإحباط بأنه خروج فاعل الطاعة عن استحقاق المدح والثواب إلى استحقاق الذم والعقاب . وعرَّفوا التكفير للذنوب ، بأنه خروج فاعل المعصية عن استحقاق الذم والعقاب إلى استحقاق المدح والثواب . غير أننا نقول : إن هذه التعريفات غير وافية بالمراد ، إذ إن الإحباط يطلق أيضاً على مجرد سقوط مثوبة فعل الطاعة . . وإذا استحق عقوبة بعد ذلك ، فإنما يستحقها على فعل آخر غير فعل الطاعة الذي سقطت مثوبته وذهبت . . كما أن المراد بالتكفير هو إسقاط ما تقتضيه السيئة من عقوبة ، وستره ، وإن لم يستحق مثوبة جديدة ، ولا يمكن أن يستحق المثوبة على فعل تلك المعصية التي سقطت عقوبتها . . بل هو إن استحق مثوبة ، فإنما يستحقها على فعل آخر . ومع غض النظر عن هذا وذاك نقول : إن الارتداد عن الدين يوجب الحبط ، ويمحو الحسنات ، ويجلب للكافر سيئات كفره لو مات على تلك الحالة . أما لو عاد إلى الإيمان فإن تلك الحسنات تبقى تحسب له ، ولا يجب عليه إعادة عباداته التي كان قد فعلها أيام إيمانه . وقد روى الشيخ في التهذيب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر « عليه السلام » ، قال : « من كان مؤمناً وعمل في إيمانه ، ثم أصابته فتنة ، فكفر ، ثم تاب وآمن . قال : يحسب له كل عمل صالح في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء » . قال تعالى : * ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) * [1] . ومن موجبات الحبط ؛ التكذيب بالآيات ، ولقاء الآخرة أيضاً . . قال تعالى : * ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) * [2] . ومن موجباته الجهر بالقول للرسول صلى الله عليه وآله ، قال تعالى : * ( وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) * [1] . والكفر ، والصد عن سبيل ، والمشاقة للرسول ، ومعصية الرسول من موجبات ذلك أيضاً ، قال تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) * [2] . وأما التكفير فإن أجلى مصاديقه هو الإيمان اللاحق للكفر ، والتوبة اللاحقة للمعصية . . وأما القول بأن كل لاحق من الطاعات يسقط السيئات السابقة ، أو كل لاحق من المعاصي يحبط ما سبقه من حسنات ، فهو غير صحيح على إطلاقه . بل الصحيح هو أن مثوبة بعض الحسنات قد تكون هي إسقاط عقوبة السيئة أو السيئات السابقة ، كالإيمان الذي يوجب سقوط العقوبة عما اقترفه في حال كفره من شرب خمر ، وأكل ميتة ، وكذب ، وترك صلاة وصوم و . . و . . الخ . . وكالتوبة عن ذنب بعينه ، فإنها تزيل أثر ذلك الذنب ، كما أن التوبة النصوح عن جميع الذنوب . . حسنة تزيل آثار السيئات السابقة إذا جاءت على وجهها الصحيح . . ومن جهة أخرى ، فإن عقاب بعض المعاصي قد يكون إسقاط ثواب سابق ، وقد تكون عقوبةً من نوع آخر . . قال تعالى : * ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) * [1] ، وقال : * ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) * [2] والآيات في ذلك كثيرة . وقد قال جمهور المعتزلة : إن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات . وقال أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم : من زادت معاصيه على طاعاته أحبطت معاصيه تلك الطاعات وبالعكس . وقال المرجئة : لا عقاب على زلة مع الإيمان ، لأن الأيمان يحبطها . كما لا ثواب لطاعة مع الكفر . والأشاعرة قالوا : لا يستحق العبد مثوبة على الطاعات ، فإن أثابه فبفضله ، وإن عاقبه فبعدله . . بل قالوا : إن له إثابة العاصي ، ومعاقبة المطيع . والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله .

2