بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين . .
السلام عليكم . . سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي .
أ - هل صحيح أنه ورد في حديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وآله ، رأى حقيقة - لا على وجه التشبيه أو التمثيل - من يعذب في النار أو ينعم في الجنة ؟ !
ب - كيف أمكن له ذلك مع أن القيامة لم تقم للحساب وبالتالي فيفترض أن يكون أهل الجنة والنار ما زالوا في البرزخ ولم يدخلوا الجنة أو النار ، ليخلدوا فيهما ؟ !
والسلام عليكم . .
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإنه قد عرج برسول الله صلى الله عليه وآله جسداً وروحاً ، حتى
بلغ سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى . . وقد دلت ظواهر الآيات والأخبار ، وعليه إجماع أهل الشرع ، والآثار ، أن الجنة والنار مخلوقتان في هذا الوقت . .
وقد خالف في هذا القول المعتزلة ، والخوارج ، وطائفة من الزيدية : فزعم أكثر هؤلاء أن خلقهما جائز عقلاً ، وليس بواجب ، وتوقفوا فيما ورد من الآثار . .
وقال الباقون منهم : بإحالة خلقهما . . [1] .
وقد دلت الأحاديث على أنه صلى الله عليه وآله ، قد رأى أناساً يعذبون في النار ، أو ينعمون في الجنة . . وظاهر الأخبار أنه رأى ذلك على نحو الحقيقة ، لا التشبيه أو التمثيل . .
وربما يمكن أن يوضح لنا ذلك : ما ذكرناه في كتابنا « تفسير سورة هل أتى » من أن هناك ما يدل على أن الله سبحانه يتصرف في المكان وفي الزمان على حد سواء ، فهو يطوي الأرض لأوليائه ، ويعرج بنبيه إلى سدرة المنتهى ، وغيرها . . ويرجعه في جزء يسير من ليلة مباركة ، ويطوي السماء كطي السجل للكتب ، ويقارب بين مكاني عرش بلقيس ، وعرش سليمان ، حتى يجر آصف بن برخيا عرشها إليه ، ويصبح في بيت المقدس ، بعد أن كان في اليمن ، كما أن الله تعالى يمد الأرض ، ويسطحها ، ويجعل الجبال كالعهن المنفوش و . . و . . الخ . .
كما أنه تعالى يجعل خمسين ألف سنة في الآخرة ، أخف على المؤمن من صلاة مكتوبة ، يصليها مخففة ، ويمكن أن يجعل من لحظة من الزمان بمقدار مليارات من السنين وكذلك العكس ، ويمكن أن يلغي الزمان بالكلية أيضاً . .
فإذا أخذنا ذلك كله بعين الاعتبار ، وعرفنا أن حضور الأشياء في حضرته تعالى ليس زمانياً . . فالماضي والحال والمستقبل حاضر لديه بالفعل . .
فأهل الجنة ينعمون بالجنة لديه تعالى ، ويولدون ، ويعيشون الحياة الدنيا ، وحضورهم لديه في جميع حالاتهم مجرد عن الزمان ، وإن لم نستطع نحن أن نتعقل ذلك بالفعل ، لأن تعقلنا له مقترن بالزمان ، ولا نستطيع أن نخرج أنفسنا من دائرته . .
فلماذا لا يطلع الله نبيه على ما هو حاضر لديه تعالى ، في حال إفراغه من المحتوى الزماني ، فيرى المخلوقات مجردة عن ذلك . . على نفس حالة حضورها بين يدي الله تعالى . .
وقد مثل بعض العلماء هذا الأمر بإنسان جالس أمام نافذة ، وهو يرقب مرور القوافل ، وقد مرت قبل ساعة قافلة رآها من تلك النافذة ، فهذا هو المثال للماضي . . وها هو يرى قافلة أخرى تمر الآن بالفعل فهذا مثال الحاضر . . ثم هو ينتظر أن يرى بعد ساعة قافلة لم تصل بعد . . فهذا مثال للمستقبل . .
فلو أنه ترك موقعه ، وصعد على سطح ذلك البيت ، فسوف يرى القوافل الثلاث في آن واحد . .
وعلى كل حال : فإن نفس عروجه صلى الله عليه وآله ، ووصوله إلى الجنة والنار - والذي إنما أمكن بعد فرض التصرف في المكان وفي الزمان معاً - لهو خير شاهد على إمكان مشاهدة النبي عذاب أهل النار في النار ، ونعيم أهل الجنة في الجنة ، بل على حصول ذلك له فعلاً . .
وبذلك يعلم : أن السؤال المذكور غير وارد أصلاً . . ولا مجال لطرحه من أساسه . .
والله هو العالم بحقائق الأمور . .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .