- العراق
منذ سنتين

الكرامات في المشاهد

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . سماحة السيد العلامة المحقق حفظه الله . لدي سؤال طالما كان يجول في خاطري ، وأرسلته لكم علني ألقى الجواب الذي يشفي الصدور ، كما عوّدتنا بالإجابة الوافية على الإشكاليات الموجهة ضد أهل البيت عليهم السلام وما يتصل بهم . لماذا نسمع عن الكثير من الكرامات التي تحدث في مشاهد الأئمة عليهم السلام ، ومرقد السيدة زينب عليها السلام ، بينما لا نسمع عن كرامات حدثت في قبر الرسول صلى الله عليه وآله ، أو حتى في بيت الله الحرام ؟ نسألكم الدعاء . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن التوسل بالأنبياء والأئمة عليهم السلام هو الأمر الطبيعي ، المتوقع خصوصاً من الناس المذنبين الذين لا يجدون - عادة - في أنفسهم الجرأة للطلب مباشرة ممن سبق لهم أن أذنبوا معه ، أو تجرأوا على مقامه وتمردوا عليه وعصوا أوامره ونواهيه . . بل قد يكون حالهم في تهيبهم من الطلب المباشر منه تعالى ، حال الطفل الذي يتوسل بأمه لنيل مطالبه من أبيه ، مع علمه بحبه له ، وعطفه عليه ، ورأفته به ، رغم أنه قد لا يكون ذلك الطفل قد أساء لأبيه أصلاً . . ويستجيب الله تعالى طلبهم إذا كانت لهم مصلحة في هذه الاستجابة ، ولا يكون في ذلك أي أثر سلبي عليهم ولا على غيرهم . . وإذا كان دعاؤهم وطلبهم جامعاً لشرائط الإجابة من الإخلاص والخلوص ، وغير ذلك . . ومن الواضح : أن الوهابيين الذين يسيطرون على بلاد الحجاز هم من أكثر الناس تشدداً في المنع من التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله ، والتبرك بقبره الشريف ، وبأي من الأماكن المقدسة الأخرى ، ويعتبرون ذلك شركاً ، وكفراً ، ويمارسون ضد من يحاول الاقتراب من القبر الشريف ، أو غيره من الأماكن ، أشد أنواع الإذلال ، والإهانة ، وإذا عرفوا أنه شيعي ، فإنهم يبادرون إلى البطش بهم بقسوة بالغة ومن دون شفقة أو رحمة . . ولأجل ذلك . . فإنه قلما يجرؤ أحد على الاقتراب من تلك الأماكن ، أو حتى على إظهار أنه يعتقد بأنها مما يمكن أن يكون لها أي تأثير في الشفاء ، أو في قضاء الحاجات فإن من يفعل ذلك سيكون مجازفاً بحياته أو بكرامته على أقل تقدير . . وبعد هذا . . فلو أن الكرامة والمعجزة قد حصلت لبعض الناس بالفعل ، فهل تراه يجرؤ على إظهارها ، أو على التحدث عنها ؟ ! . . إنه لا بد أن يتوقع في هذه الصورة أن تنصب على رأسه أعظم الدواهي ، وأشد المصائب ، وأعظم النكبات . . وأما بالنسبة للوهابيين أنفسهم ، فإنهم لا يستحقون إظهار الكرامة لهم ، وهم في موقع العناد واللجاج ، والرفض والتحدي ، وسيبادرون إلى تكذيب أية كرامة أو معجزةٍ تحصل أمامهم لأي كان من الناس ، لأنها تبطل معتقداتهم وتحرجهم وتجعلهم في موقعٍ لا يحسدون عليه . . ولو شفي مريضهم ، أو قضيت حاجاتهم بالمعجزة والكرامة لصاحب القبر الشريف ، فإنهم سوف لا يفهمونها في سياقها الصحيح ، بل هي ستضيع سدى . . وربما يكون ضررها أعظم إذا ما استفيد منها في غير سياقها الطبيعي . . على أنه قد تحصل لكثير من المؤمنين ببركات قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، وسائر قبور الأئمة صلوات الله عليهم كرامات وألطاف . . وقد يتناقلها الناس في حدود ضيقة ، وقد تصل إلى مسامعنا ، وقد لا تصل ، فإن عدم معرفة أكثر الناس بها ، لا يدل على عدم حصولها . . بل إننا نلاحظ أن الكرامات التي تحصل في مقامات الأئمة لا يكون لها ذلك الانتشار المناسب ، خصوصاً إذا كان المهتمون بها هم فئة قليلة من الناس . وهم أولئك الذين يكونون قريبين من الحدث ، والذين يتيسر لهم اليقين به أكثر من غيرهم . . ويتأكد هذا المعنى ، إذا لاحظنا : أن ما يصدر من كرامات لا يكون غالباً مما يراد له أن يتخذ صفة العموم والشمول للناس جميعاً ، بل هو لطف إلهي يتوجه غالباً إلى فرد بخصوصه ، لإخراجه من شدة ، أو تلبية لحاجة ماسة ، يحس بها الداعي ، وينقطع إلى الله تعالى من أجلها ، بعد أن أعيته الحيل ، وانقطعت به السبل ، وتكون الاستجابة له من موجبات زيادة يقينه ، وترسيخ إيمانه . وربما يستفيد من ذلك أيضاً آخرون ممن يكونون في أجواء ذلك الحدث ، حيث يحفظ به إيمانهم ، واعتقادهم أيضاً . . وربما يكون من فوائد ذلك تعريف الناس بمقامات أهل البيت عليهم السلام ، وتأكيد الشعور لديهم بلزوم طاعتهم ، حيث يتضح لديهم : أنهم موضع عناية الله ، وهم صفوته من خلقه . . وقد يختلف الأمر بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث إنه قد لا تكون في كثير من الأحيان أية ضرورة لإظهار المعجزة عنده ما دام أن جميع المسلمين يؤمنون بنبوته ، ويعتقدون بعلو درجته ، ولزوم طاعته ، إلا إن كان ثمة ضرورة لإزالة آثار تشكيكات الجاحدين ، وإبطال شبهات أهل الأهواء ، أو غيرهم من الجاهلين . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .