- العراق
منذ سنتين

ما المقصود بالقِدَم

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . عن أمير المؤمنين « عليه السلام » أنه قال في خطبة له يوم الغدير : « وأشهد أن محمداً عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه ، انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمراً وناهياً عنه ، أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه الخ » . . وفيها أيضاً عن الإمام علي عليه السلام متكلماً عن الأئمة من آل البيت الأطهار : « وإن الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه صلى الله عليه وآله من بريته خاصة ، علاهم بتعليته وسما بهم إلى رتبته وجعلهم الدعاة بالحق إليه والأدلاء بالإرشاد عليه ، لقرن قرن ، وزمن زمن ، أنشأهم في القدم قبل كل مذروء ومبروء أنواراً أنطقها بتحميده وألهمها شكره وتمجيده » الخ . . [1] . السؤال : ما هو المقصود من القدم الوارد في أمثال هذه الخطب الشريفة والكلمات النورانية ؟ هل المقصود به المعنى العرفي ؟ أم المعنى الفلسفي بمعنى القدم الزماني أو الإمكاني ؟ ؟ الرجاء التفصيل والتوضيح بشكل لا يترك شبهة في الأذهان لأن بعض الناس اشتبه عليهم الأمر . . دمتم عزاً للإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . إن لفظ « القديم » ليس الأزلي ، والأبدي ، والباقي ونحوها : إن أطلقت على الله ، فليس المقصود أن الزمان محيط به تعالى ، بحيث يتقدم منه جزء عليه فيكون ماضياً ، ويتأخر عنه ، فيكون مستقبلاً ، وهو تعالى مقارن لجزء خاص منه . . فإن هذا المعنى محال عليه تعالى ، لأن الواجب سبحانه لا يتقدم عليه شيء ، ولا يحيط به ممكن . . وليس المراد به أيضاً مقارنته تعالى لزمان ما ، من دون إحاطة للزمان به ، فإن هذا لا يصح في حقه تعالى أيضاً . . وذلك لأن الزمان ممكن ، ولا يمكن مقارنة الواجب بالممكن ، لأن كل ممكن حادث . . كما أنه ليس المراد : أنه تعالى « قديم » وأزليّ أنه زماني ، فإنّه وإن كان صحيحاً أن له تعالى مع الزمان معية قيومية ، هي مثيلة لقيوميته مع الزمانيات ، حيث إنه حين يكون الزمان أمراً موجوداً حقيقة ، ويحتاج إليه كل ممكن حدوثاً وبقاء ، فإنه لا بد أن يكون الله معه لا بمقارنة ، بل بمعية قيومية إلهية . . نعم ، إن هذا الكلام وإن كان حقاً في نفسه ، لكنه لا يصحح القول بأن الله « قديم » وأزلي بمعنى أنه تعالى زماني ، ولا أن يقال : إنه تعالى قديم وأزلي بمعنى أن له معية مع القدم ، ومع الأزل ، أو نحو ذلك . . بل المراد بوصفه بالقدم ، والأزل ، هو عدم مسبوقيته بالغير أو بالعدم . فالمراد نفي المسبوقية عنه . . حتى إذا وجدت الممكنات والموجودات الزمانية ، فإنه يكون له معها ، معية قيومية كما قلنا . . هذا كله . . إذا كان وصف « القدم » مرتبطاً بالله تعالى . وأما إذا كان الموصوف بلفظ القديم هو غير الله تعالى ، كما ورد في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ، وكما ورد في كلامه أيضاً في وصف أهل البيت عليهم السلام حسبما ورد في السؤال . . فيكون المراد به هو المعنى العرفي للقدم ، أي بملاحظة تقدم وجوده ، إما على سائر الممكنات ، كما ورد في كلام الإمام علي عليه السلام ، بناء على تعميم تفسير المذروء والمبروء . . أو على الممكنات المسانخة له ، كما ورد في خطبة الغدير . . ومما يؤكد هذا المعنى ما روي : من أن الله تعالى خلقهم عليهم السلام أنواراً قبل خلق الخلق . . وما روي من أنه خلقهم قبل خلق الخلق بألف دهر ، ثم أشهدهم خلق كل شيء . . وورد تقدير القبلية في بعض الروايات بأربعة آلاف سنة تارة ، أو باثني عشر ألف سنة تارة أخرى . . وهناك أيضاً الروايات التي تقول : إنه صلى الله عليه وآله قال : أول ما خلق الله نوري . وروي أنه صلى الله عليه وآله قال : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين . . فالمقصود في جميع هذه الأخبار وسواها ، هو المعنى العرفي للقدم ، وليس المقصود القدم ، بمعنى عدم المسبوقية خارج دائرة الزمان ، فإن ذلك مختص بالله تعالى كما أوضحناه . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .