بسمه تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
اللهم صل على محمد وآل محمد . .
السلام عليكم سماحة آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم الله وأيدكم بتوفيقه . .
هل اغتيل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟
نرجو الإجابة من سماحتكم بأسلوب سلس سهل بسيط . . الله يحفظكم ويعطيكم الصحة والعافية ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
بالنسبة للسؤال عن اغتيال الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) نقول :
قال الله تعالى : * ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) * ( 1 ) . .
فهذه الآية الكريمة قد بينت إمكانية ارتكاب جريمة قتل في حق
الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك يزيف أي ادعاء يهدف إلى تضليل الناس عن حقيقة موت الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، بدعوى أن استشهاده غير ممكن . . أياً كانت دوافع أو مبررات ادعاءات كهذه . .
وقد جاءت الأحداث لتؤكد هذه الحقيقة ، فبينت أنه ( صلى الله عليه وآله ) قد تعرض للاغتيال أكثر من مرة ، ومن أكثر من جهة : من المشركين ، ومن اليهود ، ومن المتظاهرين بالإسلام أيضاً . .
وقد يمكن القول أيضاً : بأن الفئات المختلفة - أحياناً - قد تعاونت على ذلك ، بعد أن رأت أن مصالحها تلتقي على هذا الأمر . فبذلوا المحاولة ، وربما فشلت مرة أو أكثر ، ولكنهم استطاعوا في نهاية المطاف أن يصلوا إلى مبتغاهم ، فمات ( صلى الله عليه وآله ) شهيداً بالسم ، كما سيأتي . .
نماذج من محاولات اغتياله :
وفي جميع الأحوال نقول : إنه قد بذلت محاولات كثيرة لاغتياله ( صلى الله عليه وآله ) ، نذكر منها ما يلي :
1 - ما روي من تهديدات قريش لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بدء الدعوة ، وعرضهم على أبي طالب أن يقتلوه ، وأن يعطوه بعض فتيانهم بدلاً عنه . . وقد ذكرنا ذلك في كتابنا : الصحيح من سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فراجع . .
وذكرنا أيضاً : أن أبا طالب ( عليه السلام ) حين حصر المشركون المسلمين في شعب أبي طالب ، كان ينيم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في موضع يراه الناس ، ثم إنه حينما تهدأ الرِّجل يقيمه ، وينيم ولده الإمام علياً ( عليه السلام ) مكانه ،
حذراً من أن تغتاله قريش .
فقال له الإمام علي ( عليه السلام ) ، إني مقتول ؟ ! . .
فقال له أبو طالب ( عليه السلام ) :
< شعر > اصبرن يا بني ، فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب قدر الله والبلاء شديد * لنداء الحبيب وابن الحبيب < / شعر > [ الأبيات ] [1] . .
2 - محاولة اغتياله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الهجرة ، حيث بات الإمام علي ( عليه السلام ) في فراشه ( صلى الله عليه وآله ) . . وكانوا قد انتدبوا عشرة من الرجال من عشر قبائل في قريش ليقتلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . فأنجاه الله سبحانه منهم . وتتبعوه إلى الغار ، فصرفهم الله عنه .
3 - محاولة اغتياله من قبل بني النضير [2] . .
4 - تنفيرهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة العقبة [3] . .
وقال " يعني ابن حزم " : إن حذيفة لم يصل على أبي بكر ، وعمر ،
وعثمان . . " وكان لا يصلي على من أخبره ( صلى الله عليه وآله ) بأمرهم " .
5 - محاولة قتله ( صلى الله عليه وآله ) في خيبر بالسم ، وسنذكر بعض نصوص هذه الحادثة . . فيما يأتي إن شاء الله تعالى . .
6 - محاولة قتله ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة بالسم أيضاً ، وسنذكر النصوص المرتبطة بذلك أيضاً .
وبعدما تقدم نقول : إننا إذا أردنا الاقتراب من الإجابة على السؤال الوارد ، فلا بد لنا من إيراد النصوص ، والنظر فيها ، ولذلك ، فنحن نتابع الحديث على النحو التالي :
نصوص مأثورة عامة :
1 - روي عن ابن مسعود أنه قال : لأن أحلف تسعاً : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة .
وذلك أن الله سبحانه وتعالى ، اتخذه نبياً ، وجعله شهيداً [1] . .
2 - روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه : أن الإمام الحسن ( عليه السلام ) قال لأهل بيته : إني أموت بالسم ، كما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . .
قالوا : ومن يفعل ذلك ؟ ! . .
قال : امرأتي جعدة بنت الأشعث [1] . .
3 - عن الشعبي قال : لقد سم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وسم أبو بكر الخ . . [2] .
ومن أقوال العلماء نذكر :
ما قاله الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) : قبض ( صلى الله عليه وآله ) مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من الهجرة سنة عشر الخ [3] . .
وقال الشيخ المفيد : قبض بالمدينة مسموماً [4] . .
وراجع ما قاله العلامة الحلي ( رحمه الله ) حول ذلك أيضاً [5] . .
الروايات حول سم النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
وبعدما تقدم نقول :
لقد وردت روايات محاولة اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواسطة السم عند السنة والشيعة على حد سواء ، وهي تنقسم إلى قسمين :
أحدهما يقول : إن يهودية دست السم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . .
والآخر يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد استشهد بالسم على يد بعض زوجاته . .
قال : امرأتي جعدة بنت الأشعث [1] . .
3 - عن الشعبي قال : لقد سم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وسم أبو بكر الخ . . [2] .
ومن أقوال العلماء نذكر :
ما قاله الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) : قبض ( صلى الله عليه وآله ) مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من الهجرة سنة عشر الخ [3] . .
وقال الشيخ المفيد : قبض بالمدينة مسموماً [4] . .
وراجع ما قاله العلامة الحلي ( رحمه الله ) حول ذلك أيضاً [5] . .
الروايات حول سم النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
وبعدما تقدم نقول :
لقد وردت روايات محاولة اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواسطة السم عند السنة والشيعة على حد سواء ، وهي تنقسم إلى قسمين :
أحدهما يقول : إن يهودية دست السم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . .
والآخر يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد استشهد بالسم على يد بعض زوجاته . .
قال : فما حملكم على ذلك ؟ ! . .
قالوا : أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك [1] . .
3 - عن أنس : أن يهودية أتت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجئ بها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسألها عن ذلك ، فقالت : أردت لأقتلك . .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما كان الله ليسلطك على ذلك . أو قال : علي . .
قالوا : ألا نقتلها ؟
قال ( صلى الله عليه وآله ) : لا .
فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [2] . .
4 - في سيرة ابن هشام : أن التي سمته هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لاك من الشاة مضغة فلم يسغها ، فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم . . وكان معه بشر بن البراء بن معرور ، وقد أخذ منها وأساغها . . فسأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) تلك اليهودية عن ذلك . . إلى أن قال : فتجاوز عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومات بشر من أكلته التي أكل [3] . .
في نص آخر أضاف قوله : فلما مات بشر أمر بها فقتلت ، وقيل : صلبت كما في أبي داود وروى أبو داود : أنه ( صلى الله عليه وآله ) قتلها .
وفي كتاب شرف المصطفى : أنه قتلها وصلبها وقيل : تركها لأنها أسلمت ، فلما مات بشر دفعها إلى أوليائه ، فقتلوها به . . كما في الإمتاع ، وفي صحيح مسلم أنه قتلها . وعند ابن إسحاق : أجمع أهل الحديث على ذلك ، وقال مغلطاي : لم يقتلها [1] . .
وعند الدارمي ، عن الزهري : أنه عفا عنها [2] . .
5 - زاد في بعض المصادر قوله : " فلما ازدرد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقمته ازدرد بشر ما كان في فيه ، وأكل القوم .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ارفعوا أيديكم ، فإن هذه الذراع ، أو الكتف يخبرني : أنها مسمومة .
فقال له بشر : والذي أكرمك ، لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت ، فما منعني أن ألفظها إلا أن أنغص عليك طعامك ، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك ، ورجوت أن لا تكون ازدردتها . .
فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان [ أي أسود ] . وماطله وجعه سنة ، لا يتحول إلا ما حول ، حتى مات . .
وطرح منها لكلب فمات [1] . .
6 - وفي رواية : أنه بعد أن اعترفت اليهودية بتسميم الشاة ، بسط النبي ( صلى الله عليه وآله ) يده إلى الشاة ، وقال : كلوا باسم الله ، فأكلوا وقد سموا بالله ، فلم يضر ذلك أحداً منهم [2] . .
7 - عن أبي هريرة : ما زالت أكلة خيبر تعتادني في كل عام ، حتى كان هذا أوان قطع أبهري [3] .
وفي المنتقى : ولاكها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلفظها ، فأخذها بشر بن البراء ، فمات من ساعته ، وقيل : بعد سنة [4] . .
8 - وعند ابن سعد ، عن الواقدي : أن اليهودية اعتذرت عن ذلك بأنه ( صلى الله عليه وآله ) قد قتل أباها ، وزوجها ، وعمها ، وأخاها ، ونال من قومها .
فأرادت الانتقام لهم [1] . .
9 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أكل من الشاة المسمومة ، هو وأصحابه ، فمات منهم بشر بن البراء ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر باليهودية فقتلت [2] . .
نظرة في النصوص المتقدمة :
ولا نريد أن نناقش في أسانيد الروايات المتقدمة ، فإن لنا فيها مقالاً . . بل نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية :
أولاً : إن النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن من السذاجة بحيث يقبل هدية هذه اليهودية ، ثم يأكل منها ، ويأمر أصحابه بالأكل منها . . وهو قد فرغ لتوه من تسديد الضربة القاضية لقومها . . كما أنه كان قد قتل زوجها ، سلام بن مشكم ، وأخاها كعب بن الأشرف قبل ذلك ، وعمها ، وغير هؤلاء . .
كما أن كل أحد قد رأى غدر اليهود المتكرر بالمسلمين ، وتآمرهم على حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر من مرة ، فلم يكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليغفل عن هذا الأمر ، ويتصرف بهذا الطريقة .
ولو فرض جدلاً أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سكت عن هذا الأمر ، أو تغافل عنه لمصلحة رآها . . فإن من المتوقع جداً أن يبادر أحد المسلمين إلى الجهر بالاعتراض على الأكل من ذلك الطعام ، وإبداء مخاوفه من أن يكون مسموماً . .
ثانياً : إن من يقرأ الروايات المتقدمة ، ويقارن بينها ، يلاحظ : أنها غير منسجمة فيما بينها . . فلاحظ ما يلي :
1 - إن بعضها يصرح بأن الله تعالى ما كان ليسلط تلك المرأة عليه ( صلى الله عليه وآله ) .
لكن بعضها الآخر يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) في مرض موته : قد وجد ألم الطعام الذي أكله في خيبر ، وأخبر أن مطاياه قد قطعت ، أو أن ذلك هو أوان انقطاع أبهره . .
2 - يقول بعضها : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد قتل تلك المرأة ، وبعضها الآخر يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد عفا عنها . . وثالث يقول : إنه عفا عنها أولاً . ثم قتلت بعد موت بشر بن البراء . .
3 - بعضها يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يسغ ما تناوله من لحم الشاة . . لكن البعض يقول : إنه قد أساغ ما أكله منها . .
4 - وقالوا : إن الذي مات ، هو بشر بن البراء ؟ ! . وقيل : هو مبشر بن البراء ؟ ! [1] . .
5 - في بعض تلك الروايات : أنه ( صلى الله عليه وآله ) قد اتهم جماعة من اليهود بالأمر ، فجمعهم ، وسألهم عنه ، فأقروا به . .
وفي بعضها الآخر : أن المتهم هو امرأة واحدة منهم . .
6 - بعضها يقول : إن الذي أكل هو بشر بن البراء فقط ، وبعضها
الآخر يضيف قوله : وأكل القوم . .
7 - بعضها يقول : إن الذي حجم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هذه المناسبة هو أبو طيبة وقيل : بل حجمه أبو هند . .
8 - بعضها يقول : أكل القوم . وبعضها الآخر يقول : كانوا ثلاثة ، وضعوا أيديهم في الطعام ، ولم يصيبوا منه . .
9 - بعض الروايات يقول : إنه بعد اعتراف اليهودية بما فعلت ، أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالتسمية ، والأكل من الشاة ، فأكلوا فلم يضر ذلك أحداً منهم . .
وبعضها الآخر يقول : لم يأكلوا . . وتضرر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وتضرر بشر بن البراء . .
ثالثاً : كيف يحسُّ بشر بن البراء بالسم ، ثم لا يخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأمر ، ويتركه يمضغ ما تناوله ، ثم يبتلعه ؟ ! . . فهل كان يعتقد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يموت ؟ ! . . أو أنه كان يعرف أنه يموت ، وأراد له ذلك ؟ ! . أم أنه لم يرده له . . ولكنه سكت عن إعلامه بالأمر ؟ ! . فكيف سكت ؟ ! . ولماذا ؟ ! .
رابعاً : يقول بشر : إنه خاف أن ينغص على النبي ( صلى الله عليه وآله ) طعامه . . وهذا غريب حقاً إذ كيف رضي من لا يحب أن ينغص على النبي ( صلى الله عليه وآله ) طعامه : أن يتناول هذا النبي ذلك السم ، ويموت به ؟ ! . .
وهل تنغيص الطعام على الرسول أعظم وأشد عليه من موته ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! .
خامساً : إنه كيف أقدم بشر على ازدراد ما يعلم أنه مسموم ؟ ! .
وما معنى هذه المواساة منه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ؟ ! . .
وهل يجوز له أن يقتل نفسه لمجرد المواساة ؟ ! ..
الآخر يضيف قوله : وأكل القوم . .
7 - بعضها يقول : إن الذي حجم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هذه المناسبة هو أبو طيبة وقيل : بل حجمه أبو هند . .
8 - بعضها يقول : أكل القوم . وبعضها الآخر يقول : كانوا ثلاثة ، وضعوا أيديهم في الطعام ، ولم يصيبوا منه . .
9 - بعض الروايات يقول : إنه بعد اعتراف اليهودية بما فعلت ، أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالتسمية ، والأكل من الشاة ، فأكلوا فلم يضر ذلك أحداً منهم . .
وبعضها الآخر يقول : لم يأكلوا . . وتضرر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وتضرر بشر بن البراء . .
ثالثاً : كيف يحسُّ بشر بن البراء بالسم ، ثم لا يخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأمر ، ويتركه يمضغ ما تناوله ، ثم يبتلعه ؟ ! . . فهل كان يعتقد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يموت ؟ ! . . أو أنه كان يعرف أنه يموت ، وأراد له ذلك ؟ ! . أم أنه لم يرده له . . ولكنه سكت عن إعلامه بالأمر ؟ ! . فكيف سكت ؟ ! . ولماذا ؟ ! .
رابعاً : يقول بشر : إنه خاف أن ينغص على النبي ( صلى الله عليه وآله ) طعامه . . وهذا غريب حقاً إذ كيف رضي من لا يحب أن ينغص على النبي ( صلى الله عليه وآله ) طعامه : أن يتناول هذا النبي ذلك السم ، ويموت به ؟ ! . .
وهل تنغيص الطعام على الرسول أعظم وأشد عليه من موته ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! .
خامساً : إنه كيف أقدم بشر على ازدراد ما يعلم أنه مسموم ؟ ! .
وما معنى هذه المواساة منه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ؟ ! . .
وهل يجوز له أن يقتل نفسه لمجرد المواساة ؟ ! .
هذا كله مع غض النظر عن الشك في صحة كون مرحب أخاً لتلك المرأة . . فإن هناك من يقول : إنه عمها [1] . .
تاسعاً : إن بعض الروايات تحدثت عن أن اليهودية قد قُتلت وصُلبت ، حين مات بشر ، كما في شرف المصطفى . لكن عند أبي داود : أنه صلبها [2] . .
غير أننا نعلم : أنه ليس في العقوبات الإسلامية الصلب للقاتل . . لا سيما إذا أخذنا بروايات العفو عنها من قِبل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قبل ذلك . . حيث لا يحتمل أن تكون عقوبة قاتل غير النبي القتل والصلب . .
هذا كله . . مع غض النظر عن أن روايات العفو عنها تناقض الروايات القائلة بأن بشراً مات من ساعته ، ولم يبق إلى سنة . .
عاشراً : أما ما ذكره أنس من أنه ما زال يعرف ذلك - أي السم أو أثره - في لهوات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ! ! فهو غريب ، إذ كيف يمكن أن يرى أنس - باستمرار - لهوات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! . فإن اللهاة لا تكون ظاهرة للناس ، إذ هي لحمة حمراء معلقة في أصل الحنك . .
ولو أنه كان يرى لهواته ( صلى الله عليه وآله ) ، فما الذي كان يراه فيها ، هل كان يرى السم نفسه ، أو يرى صفرة أو خضرة ، أو أي شئ آخر فيها ؟ ! . .
حادي عشر : ظاهر رواية المنتقى : أن بشراً قد التقط اللقمة التي
لفظها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فأكلها ، فمات منها . .
فلماذا فعل ذلك يا ترى ؟ ! . ألم يلتفت إلى أن لفظ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لها قد كان لأمر غير محبب دعاه إلى ذلك ؟ ! .
ولنفترض : أنه إنما أخذها ليتبرك بأثر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبريقه الشريف ، فإن السؤال هو : ألم يكن ينبغي أن ينهاه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عن أكلها ، بعد أن أحس بما فيها من سم قاتل ؟ ! . .
هذا الحديث من طرق الشيعة :
أما ما رواه الشيعة في مصادرهم حول محاولة سم اليهودية له ( صلى الله عليه وآله ) ، فنذكر منه ما يلي :
1 - لقد جاء في التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) ما ملخصه :
إنه لما رجع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من خيبر ، جاءته امرأة من اليهود - قد أظهرت الإيمان - بذراع مسمومة ، وأخبرته أنها كانت قد نذرت ذلك . .
وكان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) البراء بن معرور ، والإمام علي ( عليه السلام ) ، فطلب النبي ( صلى الله عليه وآله ) الخبز ، فجئ به ، فأخذ البراء لقمة من الذراع ، ووضعها في فيه . .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : لا تتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقال له البراء : كأنك تبخِّل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فأخبره الإمام علي ( عليه السلام ) : بأنه ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأكل ولا شرب ، ولا قول ولا فعل . .
فقال البراء : ما أبخِّل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ما لذلك قلت . ولكن هذا جاءت به يهودية ، ولسنا نعرف حالها ، فإذا أكلتها بدون إذنه وكلت إلى نفسك . .
هذا . . والبراء يلوك اللقمة ، إذ أنطق الله الذراع ، فقالت : يا رسول الله ، إني مسمومة ، وسقط البراء في سكرات الموت ، ومات .
ثم دعا ( صلى الله عليه وآله ) بالمرأة فسألها . . فأجابته بما يقرب مما نقلناه من مصادر أهل السنة ، فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن البراء لو أكل بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لكفي شره وسمه . .
ثم دعا بقوم من خيار أصحابه ، فيهم سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، وقوم من سائر الصحابة تمام العشرة ، والإمام علي ( عليه السلام ) حاضر . .
فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الله تعالى ، ثم أمرهم بالأكل من الذراع المسمومة ، فأكلوا حتى شبعوا ، وشربوا الماء .
وحبس المرأة ، وجاء بها في اليوم التالي . . فأسلمت . .
ولم يصلِّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على البراء حتى يحضر الإمام علي ( عليه السلام ) ليُحِلَّ البراء مما كلمه به حين أكل من الشاة . . وليكون موته بذلك السم كفارة له . .
فقال بعض من حضر : إنما كان مزحاً مازح به علياً ، لم يكن جداً فيؤاخذه الله عز وجل بذلك .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لو كان ذلك منه جداً لأحبط الله أعماله كلها . ولو كان
تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهباً وفضة , ولكنه كان مزحاً وهو في حل من ذلك ، إلا أن رسول الله يريد أن لا يعتقد أحد منكم : أن علياً ( عليه السلام ) واجد عليه ، فيجدد بحضرتكم احلالاً ، ويستغفر له ، ليزيده الله عز وجل بذلك قربة ورفعة في جنانه . . الخ [1] . .
2 - وفي رواية أخرى : أن امرأة عبد الله بن مشكم أتت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشاة مسمومة ، ومع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشر بن البراء بن عازب . . فتناول النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذراع فلاكها ، ولفظها ، وقال : إنها لتخبرني أنها مسمومة .
أما بشر فابتلعها فمات . . ثم سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) اليهودية فأقرت [2] . .
3 - وفي رواية عن الأصبغ ، عن الإمام علي ( عليه السلام ) : أنه يقال للمرأة اليهودية : عبدة . وأن اليهود هم الذين طلبوا منها ذلك ، وجعلوا لها جعلاً .
فعمدت إلى شاة فشوتها ، ثم جمعت الرؤساء في بيتها ، وأتت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت : يا محمد ، قد علمت ما توجَّب لي من حق الجوار ، وقد حضر في بيتي رؤساء اليهود ، فزيني بأصحابك . .
فقام ( صلى الله عليه وآله ) ومعه الإمام علي ( عليه السلام ) ، وأبو دجانة ، وأبو أيوب ، وسهل بن حنيف ، وجماعة من المهاجرين . .
فلما دخلوا ، وأخرجت الشاة ، سدت اليهود آنافها بالصوف ،
وقاموا على أرجلهم ، وتوكأوا على عصيهم . .
فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) : اقعدوا . .
فقالوا : إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد ، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به .
وكذبت اليهود لعنهم الله ، إنما فعلت ذلك مخافة سَوْرة السم . . ودخانه . .
ثم ذكرت الرواية تكلُّم كتف الشاة ، وسؤال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعبدة عن سبب فعلها ، وجوابها له . . وأن جبرئيل هبط إليه وعلَّمه دعاء ، فقرأه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك من معه ، ثم أكلوا من الشاة المسمومة ، ثم أمرهم أن يحتجموا [1] . .
4 - عن إبراهيم بن هاشم ، عن جعفر بن محمد ، عن القداح ، عن إبراهيم ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : سمت اليهودية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذراع - إلى أن قال : فأكل ما شاء الله ، ثم قال الذراع : يا رسول الله ، إني مسمومة ، فتركتها . وما زال ينتقض به سمه حتى مات ( صلى الله عليه وآله ) [2] . .
5 - أحمد بن محمد ، عن الأهوازي ، عن القاسم بن محمد ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : سم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر ، فتكلم اللحم ، فقال : يا رسول الله ، إني مسموم .
قال : فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، عند موته : اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلت بخيبر ، وما من نبي ولا وصي إلا شهيد [1] .
نقد الروايات :
وكما لم نتعرض لمناقشة أسانيد روايات أهل السنة ، رغم ما فيها من هنات ، فإننا سوف نغض النظر عن الحديث عن أسانيد روايات الشيعة أيضاً ، وإن كنا نجد من بينها ما هو معتبر من حيث السند ، ونكتفي بمناقشة متونها ، فنقول :
أولاً : قد ذكرت الرواية الأولى : أن البراء بن معرور هو الذي أكل من الشاة المسمومة فمات .
مع أن البراء بن معرور ، قد توفي قبل أن يهاجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة بشهر [2] . .
ولم يحضر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) موت البراء ، لكنه ( صلى الله عليه وآله ) حين هاجر زار قبره . ويقال : إنه قد صلى على قبره [3] . .
وقضية خيبر إنما كانت في السنة السابعة بعد الهجرة ، فكيف
يكون البراء بن معرور قد مات من أكلة خيبر ، إذا كان قد مات قبلها بسبع سنوات ؟ ! .
وقد يعتذر عن ذلك بأن ثمة سقطاً من الرواية . وأن الصحيح هو : بشر بن البراء . . لكن تكرر كلمة البراء في الروايات مرات عديدة يأبى قبول هذا الاعتذار ، فإن السهو لا يتكرر في جميع الموارد عادة كما هو واضح .
ثانياً : إن هذه الروايات التي رواها الشيعة تختلف مع بعضها البعض :
1 - فرواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) ، تقول : إن الضحية هو البراء بن معرور ، وروايات أخرى تقول : إنه بشر بن البراء بن معرور ، ورواية ثالثة تقول : إنه بشر بن البراء بن عازب . .
2 - رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) تقول : إن الذي مات ، قد مات وهو يلوك اللقمة .
والرواية التي بعدها تقول : إنه قد ابتلع اللقمة .
3 - يظهر من بعض تلك الروايات : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يأكل من الذراع . .
ومن رواية أخرى : أنه ( صلى الله عليه وآله ) قد لاك اللقمة ولم يسغها . .
وبعضها يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد أكل منها ما شاء الله . .
4 - بعضها يقول : إن إخبار الذراع له ( صلى الله عليه وآله ) بأنها مسمومة كان قبل أن يسيغ اللقمة ، وغيرها يقول : إن الذراع تكلمت قبل أن يبدأ هو وأصحابه بالأكل منها ، وبعض آخر يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد أكل منها ما شاء الله ، ثم أخبرته الذراع بأنها مسمومة . .
يكون البراء بن معرور قد مات من أكلة خيبر ، إذا كان قد مات قبلها بسبع سنوات ؟ ! .
وقد يعتذر عن ذلك بأن ثمة سقطاً من الرواية . وأن الصحيح هو : بشر بن البراء . . لكن تكرر كلمة البراء في الروايات مرات عديدة يأبى قبول هذا الاعتذار ، فإن السهو لا يتكرر في جميع الموارد عادة كما هو واضح .
ثانياً : إن هذه الروايات التي رواها الشيعة تختلف مع بعضها البعض :
1 - فرواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) ، تقول : إن الضحية هو البراء بن معرور ، وروايات أخرى تقول : إنه بشر بن البراء بن معرور ، ورواية ثالثة تقول : إنه بشر بن البراء بن عازب . .
2 - رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) تقول : إن الذي مات ، قد مات وهو يلوك اللقمة .
والرواية التي بعدها تقول : إنه قد ابتلع اللقمة .
3 - يظهر من بعض تلك الروايات : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يأكل من الذراع . .
ومن رواية أخرى : أنه ( صلى الله عليه وآله ) قد لاك اللقمة ولم يسغها . .
وبعضها يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد أكل منها ما شاء الله . .
4 - بعضها يقول : إن إخبار الذراع له ( صلى الله عليه وآله ) بأنها مسمومة كان قبل أن يسيغ اللقمة ، وغيرها يقول : إن الذراع تكلمت قبل أن يبدأ هو وأصحابه بالأكل منها ، وبعض آخر يقول : إنه ( صلى الله عليه وآله ) قد أكل منها ما شاء الله ، ثم أخبرته الذراع بأنها مسمومة . ..
5 - الروايات تصرح بأن اليهودية هي زوجة سلام بن مشكم ، لكن رواية الخرائج والجرائح تقول : إنها امرأة عبد الله بن مشكم ، ولا نعرف أحداً بهذا الاسم فيما بين أيدينا من مصادر . .
6 - الروايات تقول : إن اسمها زينب ، ورواية الأصبغ عن الإمام علي ( عليه السلام ) تقول : إنها يقال لها عبدة . .
7 - رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) تقول : إن القضية كانت في المدينة . وسائر الروايات تقول : في خيبر . .
8 - الروايات تتحدث عن أن اليهودية جاءته بذراع أو شاة مسمومة ، لكن رواية الأصبغ تقول : إن اليهودية دعته للاجتماع مع الرؤساء في بيتها ، حيث قدمت له الشاة المسمومة .
9 - وأخيراً . . هل جاءته بذراع ؟ ! أم جاءته بشاة ؟ ! إن الروايات قد اختلفت في ذلك .
إلى غير ذلك من موارد الاختلاف ، التي تظهر بالتتبع والمقارنة . .
ثالثاً : إنه إذا كان الإمام علي ( عليه السلام ) قد صرح بأنه يشك في هدية تلك اليهودية ، كما ذكرته رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) ، معللاً ذلك بقوله : ولسنا نعرف حالها . .
فلماذا لم يشك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيها أيضاً ، ولم يحذِّر من معه من الأكل منها . بل بادر إليها فأكل منها ما شاء الله ، أو أنه لاك ما تناوله منها ، ثم أساغه ، أو لم يسغه ، حسب اختلاف الروايات ؟ ! . .
ولماذا لم يحذر الإمام علي ( عليه السلام ) النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، من الأكل منها ، كما
حذر البراء بن معرور ؟ !
وإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) حاضراً في المجلس ينتظر إحضار الخبز ، وكان يسمع الحوار بين الإمام علي ( عليه السلام ) ، وبين ابن معرور ، فلماذا لم يأخذ تحذير الإمام علي ( عليه السلام ) بعين الاعتبار ؟ ! . .
بل لماذا لم يؤثر هذا التحذير بالبراء نفسه أيضاً ؟ ! . .
رابعاً : قد ذكرت رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) : أنه ( صلى الله عليه وآله ) دعا قوماً من خيار أصحابه . . ثم عددتهم ، وذكرت من بينهم صهيباً . مع أن صهيب الرومي كما ذكرته الروايات والنصوص ، كان عبد سوء ، وهو ممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان من أعوان المعتدين على الزهراء ( عليها السلام ) ، والغاصبين لحق الإمام علي ( عليه السلام ) ، بل كان من المعادين لأهل البيت ( عليهم السلام ) [1] . .
خامساً : إنه كيف يدعو النبي ( صلى الله عليه وآله ) خيار أصحابه ليأكلوا من الشاة ، فيأكلون إلى حد الشبع ، ثم لا يصيبهم أي شئ . ويبقون أحياءً بعد موته ( صلى الله عليه وآله ) عشرين عاماً وأكثر من ذلك . . لكنه هو ( صلى الله عليه وآله ) وحده الذي يصاب .
حيث تذكر الروايات الأخرى : أنه ( صلى الله عليه وآله ) بعد ثلاث سنوات قد وجد ألم أكلته بخيبر ، وأن عرقه الأبهر قد انقطع . . بل بعض الروايات تقول : فما زال ينتقض به سمه حتى مات ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! .
سادساً : إن رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) قد ذكرت أيضاً أمراً خطيراً ، نجل عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل الإجلال . . وهو :
حذر البراء بن معرور ؟ !
وإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) حاضراً في المجلس ينتظر إحضار الخبز ، وكان يسمع الحوار بين الإمام علي ( عليه السلام ) ، وبين ابن معرور ، فلماذا لم يأخذ تحذير الإمام علي ( عليه السلام ) بعين الاعتبار ؟ ! . .
بل لماذا لم يؤثر هذا التحذير بالبراء نفسه أيضاً ؟ ! . .
رابعاً : قد ذكرت رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) : أنه ( صلى الله عليه وآله ) دعا قوماً من خيار أصحابه . . ثم عددتهم ، وذكرت من بينهم صهيباً . مع أن صهيب الرومي كما ذكرته الروايات والنصوص ، كان عبد سوء ، وهو ممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان من أعوان المعتدين على الزهراء ( عليها السلام ) ، والغاصبين لحق الإمام علي ( عليه السلام ) ، بل كان من المعادين لأهل البيت ( عليهم السلام ) [1] . .
خامساً : إنه كيف يدعو النبي ( صلى الله عليه وآله ) خيار أصحابه ليأكلوا من الشاة ، فيأكلون إلى حد الشبع ، ثم لا يصيبهم أي شئ . ويبقون أحياءً بعد موته ( صلى الله عليه وآله ) عشرين عاماً وأكثر من ذلك . . لكنه هو ( صلى الله عليه وآله ) وحده الذي يصاب .
حيث تذكر الروايات الأخرى : أنه ( صلى الله عليه وآله ) بعد ثلاث سنوات قد وجد ألم أكلته بخيبر ، وأن عرقه الأبهر قد انقطع . . بل بعض الروايات تقول : فما زال ينتقض به سمه حتى مات ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! .
سادساً : إن رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) قد ذكرت أيضاً أمراً خطيراً ، نجل عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل الإجلال . . وهو :
إن الرواية لم توضح لنا ذلك ! !
وإذا كان السم يؤثر إلى هذا الحد ، فلا حاجة بهم إلى إطعام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من الشاة ، بل يكفي أن يضعوها أمامه . . ويدخل السم إلى بدنه الشريف عن طريق التنفس .
ثامناً : إذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد علم بالسم ، وقرأ الدعاء ، وأمرهم بأكل ما هو مسموم ، ليظهر المعجزة ، والكرامة بذلك ، فما معنى أمره لمن معه بالاحتجام بعد ذلك ؟ ! . .
فهل أثّر الدعاء في حجب أثر السم أم لم يؤثر ؟ فإن كان قد أثّر ، فما الحاجة إلى الحجامة ؟ ! . وإن كان لم يؤثر ، فلماذا كان الدعاء ؟ ! وكيف أقدم على تناول سم يؤدي إلى الموت من دون تثبُّت من تأثير الدعاء في منع تأثير السم ؟ ! . .
تاسعاً : إن بعض تلك الروايات تقول : إنه بعد أن أكل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما شاء الله ، كلمته الذراع ، وقالت : إني مسمومة . . فلماذا أخرت الذراع كلامها إلى حين أكل النبي ( صلى الله عليه وآله ) منها ما شاء الله ؟ ! .
ولماذا لم يمت النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك السم من ساعته ، إذا كان ذلك السم مؤثراً ؟ ! . . بل تأخر أثره إلى ثلاث سنوات ؟ ! . . ولماذا إن لم يكن مؤثراً ، وجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألم أكلة خيبر ، ثم انقطعت مطاياه ، أو انقطع أبهره ؟ ! . .
هل سم المسلمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! . .
وبعدما تقدم نقول : إن أصابع الاتهام لا تتوجه في هذا الأمر إلى
اليهود وحسب ، فإن هناك روايات تلمِّح ، وأخرى تصرح بأنه ( صلى الله عليه وآله ) قد مات مسموماً بفعل بعض نسائه . .
فمن الروايات التي ربما يقال : إنها تلمح إلى ذلك ، الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أن الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) قال لأهل بيته : إني أموت بالسم ، كما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . ثم ذكر لهم : أن زوجته هي التي تسممه . .
فربما يقال : إنه ( عليه السلام ) يريد الإشارة إلى هذا الأمر بالذات ، وإلا فقد كان يكفيه أن يقول : إن امرأتي تقتلني بالسم . . ولكنه لم يفعل ذلك ، بل شبه ما يجري له بما جرى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . فكما أن زوجتيه ( صلى الله عليه وآله ) قد سمتاه ، فإن زوجة الإمام الحسن ( عليه السلام ) سوف تدس له السم أيضاً . .
وعهدة هذا الفهم للرواية بهذه الطريقة تبقى على مدّعيه . .
أما الروايات التي تصرح بذلك ، فهي :
1 - ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، في تفسير قوله تعالى : * ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) * [1] . .
حيث قال ( عليه السلام ) : " أتدرون ، مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ؟ ! إنهما سقتاه قبل الموت " . .
2 - وروي أيضاً عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : " أتدرون مات النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ؟ ! . . إن الله يقول : * ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) * [1] . . فسم قبل الموت ، إنهما سمتاه " ، أو سقتاه [2] . .
3 - وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : في حديث الحسين بن علوان الديلمي ، أنه حينما أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إحدى نسائه ، لمن يكون الأمر من بعده ، أفشت ذلك إلى صاحبتها ، فأفشت تلك ذلك إلى أبيها ، فاجتمعوا على أن يسقياه سماً ، فأخبره الله بفعلهما . فهمَّ ( صلى الله عليه وآله ) بقتلهما ، فحلفا له : أنهما لم يفعلا ، فنزل قوله تعالى : * ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ [3] ) * [4] . .
أي ذلك هو الصحيح ؟ !
ونحن ، رغم أننا قد ذكرنا بعض الإشكالات على الطائفتين المتقدمتين أولاً ، من روايات السنة والشيعة حول سم اليهود له ( صلى الله عليه وآله ) . . فإننا لا نريد أن نتسرع في إصدار الحكم النهائي على أي من الطوائف الثلاث من الروايات . .
وذلك لأننا نجد في الطائفة الثانية روايات معتبرة ، لا ترد عليها الإشكالات في مضمونها ، إذا أخذت بمفردها ، وهي أيضاً تتوافق مع
بعض روايات أهل السنة في أصل المسألة ، ولأجل ذلك ، نقول : إن النظرة المنصفة لهذه الطوائف الثلاث تدعونا إلى أن نقول :
إنه ربما يظهر من مجموع ما ذكرناه : أن المحاولات التي بذلها اليهود لقتله ( صلى الله عليه وآله ) قد تعددت ، ولعل بعضها قد حصل في خيبر ، وبعضها حصل بالمدينة . .
ولعل التي سمته في خيبر هي زينب بنت الحارث اليهودية ، والتي سمته في المدينة هي تلك اليهودية التي يقال لها : عبدة . .
وربما تكون الذراع قد كلمت النبي ( صلى الله عليه وآله ) مرتين : إحداهما في خيبر ، والأخرى في المدينة .
ولعله أهديت له ( صلى الله عليه وآله ) ذراع تارة ، وأهديت له ( صلى الله عليه وآله ) شاة أخرى . .
ثم لعل الذي مات في إحداهما هو مبشر بن البراء ، وأما أخوه بشر بن البراء فمات في حادثة أخرى . .
وربما يكون بشر قد مات في إحداهما ، ولم يمت أحد من المسلمين في المحاولة الأخرى . .
ويمكن أن يقال أيضاً : إن المحاولة التي جرت في المدينة ربما تكون قد جرت بالتواطؤ مع بعض نسائه . . وربما تكون محاولة بعض نسائه قد جاءت منفصلة عن قصة اليهودية واليهود . .
وربما تكون محاولة بعض نسائه قد فشلت مرة ، وذلك في قضية إفشاء سره ( صلى الله عليه وآله ) في موضوع سورة التحريم ، إذ إن الرواية تقول : إن الله قد أخبره بذلك ، ثم نجحت في المحاولة الثانية ، واستشهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
بفعل السم الذي دسسنه له . . وإنما فضح الله أمرهن في المرة الأولى ليعرف الناس : أنهن قد يقدمن على هذا الأمر الشنيع ، حتى إذا فعلن ذلك بعد ذلك ، وذلك حين وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، فتصديق الناس بهذا الأمر يصبح أسهل وأيسر . . كما أن تعريف الناس بحقيقة أولئك النسوة يحصِّن الناس من الاغترار بهن ، من حيث كونهن زوجات له ( صلى الله عليه وآله ) . .
نعم . . إن ذلك كله . . وسواه محتمل في تلك الروايات . .
ونحن وإن لم نستطع الجزم بأي من تلك الوجوه . . ولكن لا شك في أنها لا تكون متعارضة فيما بينها ، لأنها إنما تكون متعارضة متنافرة ، لو فرض أنها كلها تحكي عن قضية واحدة دون سواها . .
ولكن هذا أعني أن تكون القضية واحدة مما لا سبيل إلى إثباته أبداً . .
وإن تعدد محاولات اغتياله مما دلت عليه النصوص الكثيرة ، وسياق كثير من تلك الروايات التي ذكرناها يؤيد هذا الأمر . .
وتبقى حقيقة واحدة لا مجال لإنكارها من أحد أيضاً . .
وهي أنه في ظل هذا الذي ذكرناه ، لا بد أن تسقط كل الآراء التي تسعى لتبرئة هذا الفريق أو ذاك . . وتبقى الشبهة القوية تحوم حول كل الذين ذُكرت أسماؤهم في الروايات في الطوائف الثلاث المتقدمة . لا سيما مع وجود نصوص صحيحة السند عند الشيعة والسنة . . بل إنه حتى أولئك الذين كانوا من المعروفين . فإن التاريخ قد أثبت لنا كيف شنوا حرباً ضارية ضد علي ( عليه السلام ) وقد قتل فيها
7 ألوف من المسلمين ، ولو استطاعوا قتله لقتلوه ، مع أنه وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخوه . .
بل إنه حتى بالنسبة إلى النصوص التي لم توفق لسند صحيح ، فإنه لا يمكن دفع احتمالات صحتها ، بل هي تبقى قائمة في ظل الظروف التي أحاطت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أول بعثته ، وإلى حين وفاته .
خصوصاً وأن الجهر بالحقيقة كان يساوق المجازفة بالحياة وبالأخص بالنسبة لبعض الشخصيات التي كانت تحتل مكانة خاصة في قلوب بعض الفئات ، التي كانت هي الحاكمة عبر أحقاب التاريخ . .
ولتفصيل هذا الأمر ، محل ومجال آخر . .
والحمد لله رب العالمين . .