بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين . وبعد . .
فإنني سوف أحاول في إجابتي على هذا السؤال أن اقتصر قدر الإمكان على الاستفادة من مضمون الحديث الشريف الوارد في هذا الخصوص ، فلا أتعداه إلا في سياق توضيح الفكرة ، وبيان حدودها وآفاقها ، فأقول :
إنني لم أجد هذه الرواية - بهذه الكلمات بالذات - مع اعترافي بأنني لم أتتبع المجاميع الحديثية ، غير أن مما لاشك فيه : أن هذا المضمون وارد في الكثير من الأحاديث المباركة .
وهذه الروايات في تعابيرها وفي خصوصيات كلماتها المختارة قد جاءت بالغة الدقة ، ظاهرة الغنى ، شديدة الإيحاء ، ويمكن أن نستخلص منها الكثير مما ينفعنا في صيانة ديننا وإصلاح دنيانا . .
ونحن نقتصر منها ههنا على ما يلي :
1 - إن الخطاب في هذا الحديث الشريف موجه إلى أولئك
الذين يهتمون بمعرفة الأعمال الفاضلة والتميز فيما بينها ، ليختاروا أتمها فضلاً ، وأكثرها أجراً . .
2 - إن الإمام ( عليه السلام ) قد اعتبر انتظار الفرج عملاً حقيقياً ، له مزيته بين سائر الأعمال ، وله ترجيح وفضل عليها . . وليس مجرد فراغ وسكوت وسكون ، وعطلة غير محدودة بزمان .
3 - إنه ( عليه السلام ) لا يريد صرف الناس عن نصرة ومساعدة أئمتهم في إقامة أحكام الله سبحانه ، وإصلاح الأمور ، ولا ابعادهم عن العمل تحت قيادتهم في مختلف الاتجاهات ، ولا هو يسعى إلى شل حركتهم وتفكيرهم عن التصدي للمشاركة في صنع الحاضر ، والتأثير الإيجابي في المستقبل .
كما أنه لا يريد أن يجعلهم يعتمدون على الغيب ، ويتكلون على الصدف ، ويفهمون الأمور على أنها تسير بمنطق الجبرية التكوينية ، لينتهي الأمر بإعفائهم من المسؤولية عن هذا الطريق .
4 - إن الحديث الشريف قد دل أيضاً على وجود ضيق وشدة يراد الخلاص منه ، ومنها ، وبذلك يكون الفرج . .
5 - إن هذه الشدة وذلك الضيق ليسا من فعل الله سبحانه . . بل هما من فعل الناس . .
فهم المطالبون إذن برفع ذلك وإزالته . . وليس لهم أن ينتظروا التدخل الإلهي ، في هذا السبيل .
فعلى الناس الذين أفسدوا ، أن يصلحوا ما أفسدوه ، وعلى الذين
أسهم سكوتهم في تسهيل الأمر على المفسدين ليستمروا في نهجهم الخاطئ هذا أن يتحملوا مسؤوليتهم في إعادة الأمور إلى نصابها .
ولا أقل من أن يعملوا على إضعاف شوكة أهل الباطل بحسن تدبيرهم ، ودقة حركتهم في هذا الاتجاه . .
6 - ثم لا حاجة إلى التذكير بأن الخطاب في أمثال هذا الحديث الشريف ، إنما هو موجه إلى من يدرك وجود شدائد وأزمات ، وعراقيل وعقبات ، وضيق شديد ، وبلاء ومعاناة . وإلى من يعرف : أنه لا بد من السعي للخروج من ذلك كله إلى بر الأمان ، حيث السلام والسكينة ، لتكون مصائر العباد والبلاد بأيد قوية وصادقة وأمينة .
7 - إنه حين يطلب من هذا الإنسان الواعي لحقيقة الأمر ، والذي يعيش روح المسؤولية ، ويحمل همها - أن ينتظر الفرج والحل . فإنه سيدرك أن هذا التوجيه إنما يهدف إلى ضبط حركته ، واستيعاب اندفاعه ليكون في الخط الصحيح ، والبنَّاء والمنتج .
8 - إن الإنسان المؤمن والواعي ، والعارف بما يريده الله منه ، يدرك تماماً مسؤوليته تجاه ربه ، وتجاه نفسه ، وتجاه إمامه ، وتجاه الأمة بأسرها . .
ولا بد أن يكون قد راجع النصوص الشرعية ، واطلع على التوجيهات الإلهية ، التي حملها إليه القرآن ، وأبلغه إياها النبي الأعظم ، ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة الطاهرون المعصومون ( صلوات الله وسلامه عليهم ) أجمعين .
فإذا أدرك وجود ضيق وشدة على نفسه ، أو على إمامه ، أو على
إخوانه ، أو أمته ، فإنه سيجد نفسه أمام مسؤولية شرعية وعقلية ووجدانية ، تدعوه إلى القيام بما فرضه الله عليه من تكاليف في جميع الحقول . .
ولا بد أن يكون على درجة من الوعي بحيث يدرك أن أي حرج يتعرض له إمامه ، ويمنعه من ممارسة قيادته للأُمة بصورة فعلية وفاعلة ، لا بد أن ينعكس آلاماً ، ومصائب ، وبلايا ونوائب على الأمة بأسرها ، أفراداً وجماعات ، بل على كل مظاهر الحياة والخير فيها . .
وبديهي أن من يرى بيته يحترق ، ويشاهد النار قد علقت بثيابه ، فليس له أن يقف موقف المتفرج غير المكترث ، بل لا بد له من المبادرة إلى إخماد تلك النار ، وتلافي وقوع ذلك الحريق ، بكل ما يملك من قدرات ، وبجميع ما يقع تحت يده من وسائل وطاقات .
9 - والذي يثير الانتباه هنا أيضاً : أن هذا التوجيه لم يحدد ذلك الذي يكون الفرج له , وذلك لكي يكون توجيهاً شاملاً ، ويكون التعاطي معه برؤية مستوعبة ، وواعية ، تلاحق كل الحالات ، وتتحرك في جميع الاتجاهات . .
وما ذلك إلا لأن أي اندفاع غير مسؤول ، لم تراع فيه الدقة ، ولم تحكمه الموازين الإيمانية ، والشرعية ، والاعتقادية والتدبيرية ، وغيرها . . فإنه لا يؤمَنُ في مثله الوقوع في انحرافات عقائدية خطيرة ، فضلاً عن أنه قد يلحق بالكيان كله أضراراً بالغة وخطيرة ربما يصعب تلافيها . .
الأمر الذي يحتم مراجعة الحسابات بدقة ، وبوعي ومسؤولية ،
والتزام . .
ولأجل ذلك نقول : إن هذا التوجيه قد يكون ناظراً إلى زمان الحضور والغيبة على حد سواء .
ففي زمان الحضور أريد منه الحد من اندفاع الناس لتأييد من لا يستحق التأييد ، من الذين يرفعون رايات ضلالة ، من حيث إنها تستبطن ادعاء الإمامة لغير أهلها ، فكان الكثيرون من الناس الطيبين يتعجلون في اتخاذ القرارات بتأييدها والانخراط في صفوفها ، انطلاقاً من حماسهم ، لأن يعلو صوت الحق ، وتزول دولة الباطل ، وحب أن تنكشف الغمة عن الأمة . فينجرّون وراء أمثال هؤلاء ، وتشتبه عليهم الأمور ، ويقعون في الشك والشبهة ، وفي المحذور الكبير بسبب غفلتهم ، وتسرعهم ، وحماسهم غير المسؤول . .
فجاء هذا التوجيه الحكيم ليعالج حالة هؤلاء الناس ، ويطلب منهم أن يثبتوا على يقينهم . . وأن لا يتعجلوا الأمور ، فإنها مرهونة بأوقاتها . .
ولا ينتهي أثر التوجيه عند هذا الحد ، بل تبقى له شمولية ، وسعة ، وحاكمية ، ودور في ضبط حركة المؤمنين في زمن الغيبة أيضاً . .
فهو من جهة يكون تهدئة وضبطاً لحركة المستعجلين منهم ، وصيانتهم من محذور الوقوع فريسة تزوير الحقائق من قبل طلاب اللبانات ، أصحاب المطامع ، الذين يطلقون الادعاءات الباطلة ، ويرفعون رايات الضلال ، داعين الناس إلى بيعتهم وإلى إمامة أنفسهم .
والتزام . .
ولأجل ذلك نقول : إن هذا التوجيه قد يكون ناظراً إلى زمان الحضور والغيبة على حد سواء .
ففي زمان الحضور أريد منه الحد من اندفاع الناس لتأييد من لا يستحق التأييد ، من الذين يرفعون رايات ضلالة ، من حيث إنها تستبطن ادعاء الإمامة لغير أهلها ، فكان الكثيرون من الناس الطيبين يتعجلون في اتخاذ القرارات بتأييدها والانخراط في صفوفها ، انطلاقاً من حماسهم ، لأن يعلو صوت الحق ، وتزول دولة الباطل ، وحب أن تنكشف الغمة عن الأمة . فينجرّون وراء أمثال هؤلاء ، وتشتبه عليهم الأمور ، ويقعون في الشك والشبهة ، وفي المحذور الكبير بسبب غفلتهم ، وتسرعهم ، وحماسهم غير المسؤول . .
فجاء هذا التوجيه الحكيم ليعالج حالة هؤلاء الناس ، ويطلب منهم أن يثبتوا على يقينهم . . وأن لا يتعجلوا الأمور ، فإنها مرهونة بأوقاتها . .
ولا ينتهي أثر التوجيه عند هذا الحد ، بل تبقى له شمولية ، وسعة ، وحاكمية ، ودور في ضبط حركة المؤمنين في زمن الغيبة أيضاً . .
فهو من جهة يكون تهدئة وضبطاً لحركة المستعجلين منهم ، وصيانتهم من محذور الوقوع فريسة تزوير الحقائق من قبل طلاب اللبانات ، أصحاب المطامع ، الذين يطلقون الادعاءات الباطلة ، ويرفعون رايات الضلال ، داعين الناس إلى بيعتهم وإلى إمامة أنفسهم .
ثم يكون من جهة أخرى توجيهاً قوياً وحاسماً ، باتجاه الإعداد والاستعداد ، والمساهمة الفعلية في إزالة الموانع ، وتذليل العقبات التي تعترض سبيل فرج الأمة بظهوره ( صلوات الله وسلامه عليه ) . . و ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .
10 - ثم إن من الواضح : أن للفرج بعد الشدة لذته ، ومحبوبيته ومطلوبيته ، فانتظاره يكون انتظاراً لأمر محبب ولذيذ ، تهفو إليه النفوس ، وتشتاق إليه وتتمناه . .
فإذا جعل الإنسان المؤمن نفسه في موقع الطالب والمنتظر له ، فان انتظاره هذا سيكون معناه : أن يكون دائم الفكر فيه ، والإستحضار له ، والارتباط به .
أضف إلى ذلك : أن هذا الانتظار سيجعل هذا المنتظر يعدّ الدقائق واللحظات التي تفصله عمن يحب ، وسيشعر بحجمها وبقيمتها ، وبمداها . ثم هي ستكون ثقيلة عليه ، ويودّ التخلص منها ، بأية وسيلة ، ليصل إلى من ، أو ما يحب ، ويبلغ ما يريد .
فإذا رأى أن ثمة تأخيراً في حصول ما يتمناه ، فسيبحث عن أسبابه ، ويعمل على إزالتها بكل ما يستطيع . .
أما النائم الغافل ، الذي يعيش حياة الإسترخاء ، والفراغ ، وعدم الشعور بالمسؤولية ، فلا يمكن أن يكون من المنتظرين . .
11 - ويبقى علينا أن نعرف السبب في أن الانتظار كان هو أفضل الأعمال ، وليس هو الصلاة مثلاً ، مع أن الصلاة عمود الدين . .
ولعل بإمكاننا الإشارة في هذا السياق إلى نقطتين :
إحداهما : أنه قد اتضح مما ذكرناه : أن حفظ الإمام ، وتمكينه من القيام بمهماته ، هو حفظ للأمة ، وللدين ، كل الدين ، ولكل مظاهر الحياة والقوة ، وهو يهئ الأجواء لكل كائنٍ لكي يتنامى ويتكامل ، ويسير نحو الأهداف السامية التي رسمها الله سبحانه وتعالى له .
الثانية : أن هذا الارتباط الذي يحققه عيش الناس لواقع الانتظار ، هو التجسيد الواقعي والفعلي لأمر الولاية والإمامة .
وكلنا يعلم : أن ولاية الأئمة شرط أساسي لقبول جميع الأعمال ، وهي بالنسبة لها بمثابة الروح ، حين تنفخ في الجسد ، حيث إن هذه الروح هي التي تعطي العين القدرة على الرؤية ، وتعطي الأذن السمع ، وتجعل اللسان يتكلم ، واليد تتحرك ، وما إلى ذلك . .
فأن عيش الإنسان هذا الارتباط الفعلي ، والواعي ، من شأنه أن يزيد في نشاط هذه الروح ، وسيعطيها المزيد من القوة والحيوية والحياة . .
والحمد لله رب العالمين , وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله الطاهرين . .