هل قالت السيدة الزهراء ( عليها السلام ) هذا ؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، حفظه المولى . . السلام عليكم . ورد في كتاب " كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الأجل الصدوق ( رضي الله عنه ) " : رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) معتبرة السند في باب ما روي في أن الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وهي : " حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لما أن حملت فاطمة ( عليها السلام ) ، بالحسين ( عليه السلام ) قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله عز وجل قد وهب لك غلاماً اسمه الحسين ، تقتله أمتي . قالت : فلا حاجة لي فيه . . فقال : إن الله عز وجل قد وعدني فيه عدة . . قالت : وما وعدك ؟ قال : وعدني أن يجعل الإمامة من بعده في ولده . فقالت : رضيت " . فما هو وجه الدلالة في عبارة " لا حاجة لي فيه " ؟ . وهل الضمير في كلمة " فيه " عائدة للإمام الحسين ( عليه السلام ) ؟ أم إلى الأمر الذي يحدث له وهو القتل ؟ ولكم مني الشكر الجزيل . . وأسأل الله أن يوفقكم بحق سيدتي الزهراء ( صلى الله عليها ) .
الجواب : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإننا في مقام الإجابة على هذا السؤال ، نسجل هنا ما يلي : إن الرواية التي ذكرتموها ، وإن كانت قد رواها الثقات ، والأثبات [1] . . لكن هناك نقاط لا بد من أخذها بنظر الاعتبار ، وهي التالية : 1 - إن الإمام الحسين ( عليه السلام ) والسيدة فاطمة ( عليها السلام ) قد كانا - كما دلت عليه الروايات - أنواراً محدقين بعرش الله قبل خلق النبي آدم ( عليه السلام ) . . ودلت أيضاً على أن الله تعالى قد أشهدهم خلق كل شئ . كما دلت الروايات أيضاً على أن السيدة الزهراء ( عليها السلام ) كانت تحدث أمها وهي في بطنها ، قبل أن تولد . . وثمة روايات كثيرة أخرى تبين مكانها وموقعها ( عليها السلام ) . وذلك كله يفرض علينا أن نقول : إنها ( عليها السلام ) كانت عارفة بمن يهبها الله إياه . وبما له ( عليه السلام ) من مقام عنده تعالى . . 2 - إن معرفتنا بالسيدة الزهراء ( عليها السلام ) ، تفرض علينا أن نقول أيضاً : إنها ( عليها السلام ) لا ترد هبة وهبها الله سبحانه إياها ، وخيرة اختارها الله تعالى لها ، بل هي تتقبلها شاكرة راضية ، خصوصاً مع ملاحظة أنه لم يقل ( صلى الله عليه وآله ) لها : إنه تعالى يريد أن يهبك غلاماً . . ليمكن احتمال أن يكون رضاها شرطاً في فعلية الهبة . بل قال : إن الله قد وهبها ، وانتهى الأمر . . 3 - إن السيدة زينب ( عليها السلام ) قالت لابن زياد ، بعد قتل أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) : رضا الله رضانا أهل البيت . . فهل من المعقول أن لا ترضى السيدة الزهراء ( عليها السلام ) أيضاً - وهي أفضل من السيدة زينب - بما يرضاه الله تعالى لها ولولدها ؟ ! . . 4 - إن الملاحظ هو أن الرواية الواردة في السؤال ، لم تبين سبب قتل الأمة لذلك المولود الطاهر ، وأنه يقتل ظلماً وعدواناً ، وأن قتله يوجب حفظ الدين ، وصيانة العقيدة ، وأنه سيكون ما يجري عليه موجباً لرفعة درجاته . . نعم ، إن كل ذلك وسواه لم توضحه الرواية المذكورة ، ولا سألت عنه السيدة الزهراء ( عليها السلام ) ، فإن كانت تعلم بذلك كله - كما هو المفروض - فقد كان عليها أن ترضى بهدية الله تعالى لها ، وإن كانت لا تعلم به ، فقد كان عليها أن تسأل عنه . . وقد حاول بعض الإخوة الأكارم أن يقول : إن قول السيدة الزهراء ( عليها السلام ) : " لا حاجة لي فيه " ، لا يعني رفضها للمولود ، والردّ للهبة الإلهية ، بل هو يعني أنها من ناحية كونها أنثى ، وأم ليست بحاجة ، إلى مولود يبتلى بهذا الأمر العظيم ، وهو القتل . . ولكن حينما تكون هناك مصلحة للدين ، وللإسلام ، بسبب صيرورة هذا المولود ، محلاً للإمامة ، وأباً للأئمة ، فإنها ترضى بذلك ، لأن فيه أعظم خدمة للدين . . لا لأنها تحتاج إلى الأبناء ، في تجسيد حالة الأمومة ، التي هي مطلب كل أنثى . . وقد يمكن تأكيد هذا الأمر من خلال نقطة أشار إليها بعض الإخوة أيضاً ، وهي : أن الرواية تقول : إن الأمة هي التي تقتل هذا المولود ، ولم تقل : إن الناس هم الذين يقتلونه ، وهذا معناه : أن ترتكب أمته ( صلى الله عليه وآله ) ، جرماً عظيماً تستحق معه سخط الله سبحانه وتعالى . . والنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) هم أرأف الناس بهذه الأمة ، وأشدهم رحمة لها حتى لقد قال الله تعالى لرسوله في أمر أهل الشرك : * ( لاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) * [1] . . كما أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، قد بكى حتى على قاتليه في يوم عاشوراء . . فكان من الطبيعي أن يكون الترجيح منهم ( صلوات الله وسلامه عليهم ) ، هو لجانب تجنيب الأمة أمراً عظيماً كهذا ، وذلك من موقع الرحمة بها ، والمحبة لها . . أما نحن ، فنقول : إننا في ضوء ما ذكره هؤلاء الإخوة نبقى بحاجة إلى تلمّس إجابة صحيحة عن تلك الملاحظات التي قدمناها . . ولأجل ذلك : فإننا لا بد أن نزيد الأمر توضيحاً بالإشارة إلى أن الهبة الإلهية إنما تتنجز ، وتصبح فعلية التحقق بشرط قبول السيدة الزهراء ( عليها السلام ) لها ، وإحساسها بالحاجة إليها ، وأضافت بعض الروايات أيضاً ، إن الأمر الذي جرى للزهراء ( عليها السلام ) مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قد جرى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) مع علي ( عليه السلام ) ، وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) مع جبرئيل ( عليه السلام ) قبل ذلك [1] . مما يعني : أن ثمة حاجة إلى احساس النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) أيضاً ، بالحاجة إلى هذا المولود ، وطلبهما له ، فإذا تحقق ذلك جاء الفيض والعطاء الإلهي . . وهذا معناه أن القرار الإلهي بإعطاء هذا المولود ، متوقف على هذه الأمور ، أي أن الله لم يعط السيدة الزهراء ( عليها السلام ) ، مولوداً ثم رفضته ، بل قد أخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أنها إذا أرادت ذلك أعطاها ، وإن لم ترد ، فالأمر يعود إليها . . ثم نحتاج إلى توضيح آخر ، هو : أن ما تضمنته هذه الرواية قد يكون جارياً وفق الظواهر التي كانت هي ملاك تعاملهم ( عليهم السلام ) ، مع الناس ، ولا تدخل في سياق ما لهم ( عليهم السلام ) من علوم خاصة ، وحالات ومقامات عند الله . . إذ إن لهم ( عليهم السلام ) حالتين : إحداهما : تعاملهم مع ربهم وهذا إنما يتم وفق مقتضيات الحقائق الواقعية ، ويرتكز إلى العلم الذي منحهم الله إياه ، لاقتضاء مقاماتهم وحالاتهم له . . الثانية : تعاملهم مع الناس ، وهو يرتكز إلى الوسائل العادية التي تقع في متناول أيدي البشر ، وفي دائرة اختيارهم . . بحيث يكون مع الناس ومع المحيط الذي هم فيه خارج هذه الدائرة استثناء يأتي في سياق إثبات مقام الإمامة والنبوة ليعيدوا للناس توازنهم ، من خلال فتح أعينهم على الواقع . وعلى موقعهم منه ، ودورهم فيه . . فيمكن افتراض أن يكون ما جاء في الرواية التي وردت في السؤال ، داخل دائرة هذه الحالة الثانية . ولعل مما يشير إلى ذلك أن بعض نصوص هذه الرواية تذكر : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قد أرسل إلى فاطمة يخبرها بأمر هذا الحمل الذي تقتله الأمة . وأن هذا الأمر قد تكرر ثلاث مرات [1] . فلو لم يكن المراد توجيه هذا الخطاب للأمة في أمر الإمامة الذي هو أخطر وأمر . . لكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد بادر إلى مخاطبة ابنته بصورة مباشرة وبدون ارسال هذا الكلام إليها مع رسول الله ، كما أن تكرار الإرسال لها ثلاث مرات ، يزيد من وضوح هذا الأمر ، وتأكيد ما نقوله فيه . . ولو أردنا أن نتجاوز هذا التفسير للرواية ، فإننا سنبقى مطالبين بالإجابة على النقاط الأربع التي ذكرناها في أول كلامنا ، خصوصاً بالنسبة لسبب عدم معرفة السيدة فاطمة ( عليها السلام ) بأمر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وبأنه من أولادها ، وبأنه سوف يقتل وبغير ذلك من أمور ، مع أنها كانت في جملة الأنوار المحدقة بالعرش قبل خلق النبي آدم ( عليه السلام ) ، وكانت مع سائر أهل البيت ( عليهم السلام ) تحت قبة العرش ، حيث يكون الإشراف والهيمنة على المخلوقات ، وحيث عرش المعرفة والقدرة . . هذا فضلاً عن روايات كثيرة دلت على أن الله تعالى أشهدها خلق كل شئ ، وسائر ما يدل على مقامها العظيم عند الله ، وعلى فرض طاعتها على المخلوقات مما يجده المتتبع في الكتب المؤلفة في فضائلها ( صلوات الله وسلامه عليه ) ا ، ومنها على سبيل المثال كتاب : " فاطمة بهجة قلب المصطفى " للشيخ أحمد الرحماني الهمداني ، وغيره . . ولو لم نلتزم بهذا البيان فإنني شخصياً أعترف بعجزي عن فهم مضمون هذه الرواية ، وأرى أن من واجبي أن أرد علمها إلى أهلها ، طاعة مني ، والتزاماً بما أمرونا به صلوات الله عليهم في الموارد التي من هذا القبيل . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .