- العراق
منذ سنتين

السيدة مريم ( عليها السلام ) في اللحظات الأخيرة الحرجة

بسمه تعالى إنه إذا كانت السيدة مريم ( عليها السلام ) تعيش في ظل الكرامة الإلهية ، حتى إنه : * ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) * ( 1 ) . فلماذا حين امتحنت بالحمل بنبي الله عيسى ( عليه السلام ) تخلى الله عنها ، وهي في أمس الحاجة إلى لطفه وعونه ، ورعايته ، فأصبحت بحاجة إلى أن تهز إليها بجذع النخلة لتساقط عليها رطباً جنياً ؟ ! . .


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن عنايات الله سبحانه بالسيدة مريم ( عليها السلام ) كانت ظاهرة في كل حالاتها وشؤونها . . ومنها : أنه تعالى قد * ( كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) * حين كانت في المحراب ، فكانت تقوم بواجباتها كاملة ، ولم يكن يطلب منها ، أو فقل : لم تكن تشعر بالحاجة إلى السعي في سبيل الرزق - لأن النبي زكريا ( عليه السلام ) كان هو المتكفل لها وبها . فإذا جاءت الكرامة الإلهية في هذه الحال بالذات ، فإن النبي زكريا ( عليه السلام ) سيدرك أنها كرامة إلهية لها ، إذ لا يمكن تفسيرها إلا بذلك بالنسبة إليه ، وذلك : أولاً : لأنه يعرف أن أحداً من البشر لم يأتها برزق . . وثانياً : لأنه يعلم أيضاً : أنها لم تسع للحصول على شئ من ذلك الذي يجده عندها ، لعلمها بأنه هو الكافل لها ، فهي غير مكلفة بهذا السعي لتشعر بالحاجة إليه ، حيث إنها في مسجد مخصص للعبادة . . وثالثاً : هو يعلم بأن إعطاء الرزق لها من الله ، لم يكن بسبب حاجة ، اقتضت منها التوسل والدعاء ، والطلب والابتهال ، حتى استجاب الله دعاءها وطلبها ، ورفع الشدة عنها . . فمعرفة النبي زكريا ( عليه السلام ) بذلك كله ، تجعله على يقين من أن الله سبحانه قد أراد بإعطائها هذا الرزق أن يظهر كرامتها عنده ، ومحبته لها ، ولطفه بها . . كما أن السيدة مريم ( عليها السلام ) نفسها ، لا بد أن تشعر بذلك كله ، فيزيد يقينها بالله ، ويتعمق حبه تعالى في قلبها . . وهذا مطلوب أيضاً ، لجهة تهيئتها للحدث الكبير ، والأشد حساسية في حياتها كلها . وهو الحمل بنبي الله عيسى ( عليه السلام ) . هذا كله عدا عن أن ذلك يزيد من قوة موقفها ، وتحصينها من التهمة من قبل قومها ، فيما يمكن أن يرموها به . وأما حين أصبحت في الصحراء ، ولم يعد هناك من يتكفل لها بالرزق ، فإنها أصبحت تشعر بالحاجة إلى السعي في سبيل تحصيله . فإذا جاءتها الكرامة بإحضاره لها من دون تعب ، فإن من الجائز أن يُفْهَم ذلك على أنه استجابة لنداء الحاجة لديها ، وبداعي الشفقة عليها . . وإجابة لطلبها ، النابع من الأعماق ، والممتزج بالخوف من أن تلسعها أفاعي الجوع مثلاً . . وقد يفهم بعض الناس من ذلك أنه يشير إلى عدم توفر عنصر التوكل على الله ، والثقة به لديها بالشكل الكامل والتام في بعض الحالات . . وفي جميع الأحوال ، فإن الكرامة الإلهية إذا جاءت من خارج دائرة التكليف ، أو في مورد يفتقد فيه الإحساس بلزوم السعي الاختياري . . فإن وقعها يكون أشد ، ودلالاتها على اللطف والرضا الإلهي تكون أوضح وأصرح . . وعلى حد تعبير بعض الإخوة : إنها برغم أن الله سبحانه قد كلفها بأن تهز إليها بجذع النخلة ، فإنه كان قد عرّفها كرامتها عنده ، حين جعل طفلها ، وهو حديث الولادة ، ينطق ببراءتها ، وأرسل لها ملكاً يخبرها بأن ربها قد جعل تحتها سرياً . . كما أن هذا السعي الضئيل منها لم يخل هو الآخر من إظهار الكرامة لها ، حيث لم يكلفها بالصعود إلى الشجرة . بل اكتفى منها بتحريك جذعها الذي لا يمكن تحريكه لأقوياء الرجال . . فكيف بالمرأة الضعيفة الموهونة بالحمل والولادة . . وعلى كل حال : فإن الحكمة تقتضي إظهار ما لدى هؤلاء الصفوة الأولياء من ملكات وفضائل . . ومنها فضيلة الصبر والتسليم والرضا ، من أجل أن يقتدي بهم الناس ، وليَظْهَرَ استحقاقهم لما حباهم الله به ، بصورة حية ومتجسدة على صفحة الواقع ، سلوكاً وموقفاً وممارسة اختيارية منهم ولهم . . ومن دون أي تدخل من الغيب . . فكان ما جرى للسيدة مريم ( عليها السلام ) قد جاء في هذا السبيل ، وفي هذا الاتجاه . . ولعل مما يدخل في هذا السياق أيضاً : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، في مبادرة منه غير مسبوقة بطلب من أصحابه ، يطعم الجيش كله من كفٍ من تمر ، ومن شاة عجفاء ، وهي مبادرة تهدف إلى حفظ إيمانهم ويقينهم ، وإحساسهم بحب الله ، وبرعايته لهم . . ولكنه ( صلى الله عليه وآله ) لا يثير لهم المعجزة التي تعفيهم من عناء حفر الخندق . . لأن هذا هو واجبهم وتكليفهم ، الذي لا بد أن يبادروا لإنجازه باختيارهم . وليس لهم أن ينتظروا من ينوب عنهم فيه . . وفي كربلاء أيضاً ، قد أظهر الله الكثير من الأمور الدالة على مقام الإمام الحسين ( عليه السلام ) عنده . وعلى أن الله سبحانه يعطيه - لو أراد ( عليه السلام ) - النصر على أعدائه ، ويفتح له خزائن رحمته ، وليس أدل على عناية ومحبة الله بالإمام الحسين ( عليه السلام ) من أن السماء قد مطرت عليه دماً عجب منه الناس كما أخبرت السيدة زينب ( عليها السلام ) : " أفعجبتم أن مطرت السماء دماً عبيطاً . . " . بالمرأة الضعيفة الموهونة بالحمل والولادة . . وعلى كل حال : فإن الحكمة تقتضي إظهار ما لدى هؤلاء الصفوة الأولياء من ملكات وفضائل . . ومنها فضيلة الصبر والتسليم والرضا ، من أجل أن يقتدي بهم الناس ، وليَظْهَرَ استحقاقهم لما حباهم الله به ، بصورة حية ومتجسدة على صفحة الواقع ، سلوكاً وموقفاً وممارسة اختيارية منهم ولهم . . ومن دون أي تدخل من الغيب . . فكان ما جرى للسيدة مريم ( عليها السلام ) قد جاء في هذا السبيل ، وفي هذا الاتجاه . . ولعل مما يدخل في هذا السياق أيضاً : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، في مبادرة منه غير مسبوقة بطلب من أصحابه ، يطعم الجيش كله من كفٍ من تمر ، ومن شاة عجفاء ، وهي مبادرة تهدف إلى حفظ إيمانهم ويقينهم ، وإحساسهم بحب الله ، وبرعايته لهم . . ولكنه ( صلى الله عليه وآله ) لا يثير لهم المعجزة التي تعفيهم من عناء حفر الخندق . . لأن هذا هو واجبهم وتكليفهم ، الذي لا بد أن يبادروا لإنجازه باختيارهم . وليس لهم أن ينتظروا من ينوب عنهم فيه . . وفي كربلاء أيضاً ، قد أظهر الله الكثير من الأمور الدالة على مقام الإمام الحسين ( عليه السلام ) عنده . وعلى أن الله سبحانه يعطيه - لو أراد ( عليه السلام ) - النصر على أعدائه ، ويفتح له خزائن رحمته ، وليس أدل على عناية ومحبة الله بالإمام الحسين ( عليه السلام ) من أن السماء قد مطرت عليه دماً عجب منه الناس كما أخبرت السيدة زينب ( عليها السلام ) : " أفعجبتم أن مطرت السماء دماً عبيطاً . . " .

1