- العراق
منذ سنتين

لقد كرمنا بني آدم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى حفظه المولى . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . سؤال في التفسير ، قال تعالى : * ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) * ( 1 ) . هل يمكننا أن نستفيد من هذه الآية أن بني آدم ليسوا أفضل مخلوقات الله . لأن الله تعالى في هذه الآية يقول : إنه فضلهم على كثير ممن خلق ، لا على جميع الخلق ، وهذا يعني أن هناك قلة لم يفضل الله تعالى بني آدم عليها . وبذلك يثبت أن هذه القلة إما أفضل من بني آدم أو مساوية لهم في الفضل على أقل تقدير ؟ ! نرجو منكم توضيح ذلك . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن من حكمة الخلق وتدبيره ، بلحاظ أهدافه ، تُحتِّم أن يكون ثمة موجود عاقل مختار ، يتولى إعمار هذا الكون ، وإيصاله إلى كماله ، الذي أراده الله تعالى له ، فكان هو هذا الإنسان ، آدم وذريته ، بكل خصائصه ، وحالاته . . كما أن العلم والحكمة والتدبير يفرض التكريم لهذا الموجود ، وذلك بإفاضة النعم التي تتناسب مع طبيعة تكوينه ، ومع خصائصه الوجودية ، ومع أهداف هذا الوجود ، وحركته في صراط التكامل . . وطبيعي أن ذلك يحتاج إلى توجيه ورعاية ، وإلى بصيرة وهداية تمكنه من توظيف نعمتي العقل والاختيار ، فيما يخدم تلك الحركة التي تتم في نطاق تلك الأهداف . . وهذا يفسر لنا حتمية إكرام هذا العاقل المختار المؤهل لنيل تلك الأهداف والوصول إلى تلك الغايات - إكرامه بالتكليف ، واعتباره أهلاً للخطاب الإلهي ، الأمر الذي يستدعي من الإنسان نفسه ، الكون في موقع الشكر والطاعة ، والتزام خط الاستقامة ، والسعي لنيل المزيد من مقامات القرب والزلفى . وهذا الكرم والتفضل الإلهي لا يعني حتمية أن يكون جميع بني آدم من الشاكرين ، والمطيعين ، والقاهرين لشهواتهم ، ولغرائزهم ، والمضحين بالغالي والنفيس ، في سبيل رضا الله سبحانه ، مع بداهة أن الاتجاه في هذا الأمر ينافي الاختيار ، ويبطل دور العقل . . ولأجل ذلك فإننا لا نستغرب إذا رأينا أن القلة هم الذين كانوا في خط الطاعة والشكر . . أما الأكثر فكانوا كما حكى الله تعالى عنهم : . . عن الحق هم معرضون - لا يعقلون - . لا يفقهون - للحق كارهون - وما كان أكثرهم مؤمنين . . ولكن لا ريب في أن وجود تلك القلة الشاكرة ، والمطيعة ، يكفي لأن يعمَّ الله الناس كلهم بالنعم لأجلهم ، وأن يخصهم هم بكرامته ويظهر فضلهم ، وأن يباهي بهم ملائكته وسكان سماواته . . بل إن هذا التكريم العام ضروري ولازم ، حتى لو لم تكن هناك قلة شاكرة بينهم ، وذلك لأجل مصالح عالية أخرى ، تقتضي ذلك وتفرضه . وقد تكون من بين هذه المصالح ما يدخل في نطاق التربية ، والدعوة ، وتقديم العبرة ، وإتمام الحجة ، ونحو ذلك . وقد يدخل في سياقات أخرى لا يدركها إلا من أكرمه الله من الصفوة من الأنبياء والأولياء . . وقد قدم القرآن لنا أمثلة واقعية لهذا التفضل والتفضيل منه تعالى ، وللكفران ونكران الجميل ، من جانب بعض الشرائح البشرية . وكان بنو إسرائيل هم المثال الأظهر لذلك ، فراجع ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة البقرة ابتداء من الآية 40 ، واقرأ أيضاً قوله تعالى : * ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) * [1] . فاتضح بذلك : أن التكريم بالنعم ، إنما هو بحسب ما تقتضيه مصالح الخلق والوجود ، وبحسب استعدادات تلك المخلوقات ، وفي نطاق ما لها من مهمات ووظائف . . وأما بالنسبة إلى تفضيل بني آدم على كثير ممن خلقهم الله سبحانه ، فقد يمكن الاكتفاء بما أوضحه العلامة الطباطبائي في تفسير الآية ، حيث قال : " قد عرفت أن الغرض منها بيان ما كرم الله به بني آدم وفضلهم على سائر الموجودات الكونية وهي - فيما نعلم - الحيوان والجن ، وأما الملائكة فليسوا من الموجودات الكونية الواقعة تحت تأثير النظام المادي الحاكم في عالم المادة . فالمعنى : وفضلنا بني آدم على كثير مما خلقنا ، وهم الحيوان والجن ، وأما غير الكثير ، وهم الملائكة فهم خارجون عن محل الكلام ، لأنهم موجودات نورية غير كونية ، ولا داخلة في مجرى النظام الكوني ، والآية إنما تكلم الإنسان من جهة أنه أحد الموجودات الكونية وقد أنعم عليه بنعم نفسية وإضافية . . " [2] انتهى . والحمد لله رب العالمين .