- العراق
منذ سنتين

الموت السريري

ما حكم ما يعرف بالموت السريري ، المتمثل بموت الدماغ ، مع أن القلب وسائر أجهزة الجسم ، تبقى تعمل ، وذلك بمعونة الأجهزة ، فهل يجوز إيقاف الأجهزة في هذه الحالة ؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . وبعد . . فإن الحكم بجواز إيقاف الأجهزة وإنهاء الحياة عن هذا الطريق في غاية الإشكال ، لأن موت الدماغ لا يعني موت سائر أعضاء الجسم ، فما لم نحرز الموت الحقيقي لجميعها ، فلا مجال للحكم بالجواز . ولا يحق لأحد حرمان شخص من أي نفسٍ بقي له في هذه الحياة . والإقدام على إنهاء حياة المريض ، قد يصل إلى مستوى الجريمة في حقه ، وليس ذلك من مفردات الرفق به ، بل هو حرمان له من ثواب يناله بسبب شدائد المرض ، أو من سبب تُكفَّر به عنه بعض ذنوبه . أضف إلى ذلك : أن حفظ هذا الخيط من الحياة له يُبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية أن تدركه رحمة الله بعودته إلى الحياة بسبب دعاء مؤمن ، أو صدقة تدفع القضاء وقد أبرم إبراماً ، أو شفاعة ولي من أولياء الله ، يتوسل به أهل الصلاح من إخوانه وأرحامه . . وربما يشهد لبقاء درجة من الحياة فيه أن الأجهزة التي تساعد القلب على الاستمرار في عمله لا تستطيع المحافظة على إبقاء حركة القلب إلى ما لا نهاية . بل هي تتناقص تدريجياً تبعاً لضعف القلب نفسه ، إلى أن تنتهي إلى درجة الصفر فتتوقف حينئذٍ . ولذلك نلاحظ : أن نبضات القلب لا تنقطع بصورة تامة فجأة بالموت السريري ، ولا يصير المريض بذلك كسائر الأموات الذين تأكد موتهم ، والذين لا يستجيب قلبهم للأجهزة حتى لو وضعت عليه . . بل يُدّعى في بعض حالات الموت السريري بقاء القلب يعمل لسنوات ، وقد شوهدت حالات عودة إلى الحياة بعد ذلك أيضاً . كما أنهم يقولون : إن حاسة السمع لا تموت بموت الدماغ ، بل تبقى بعده ، وهي آخر حواس الإنسان موتاً ، ولهم شواهد على ذلك . وعلى كل حال ، فإن أحداً لا يستطيع الجزم بخروج الروح من الجسد بشكل كلي بمجرد موت الدماغ . وتشير بعض الآيات الشريفة إلى الفرق بين وفاة الإنسان وبين موته ، قال تعالى : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) [1] . فقد ورد في الآية ذكر للموت ، وذكر للوفاة ، والمراد بالموت واضح . أما الوفاة والتوفي فهو عبارة عن الأخذ التام ، والاستيفاء لكل عناصر الحياة . مما يعني أن قبض الروح له مراتب ، فإذا حصل ذلك بصورة تامة ومستوفية يتحقق الموت الكامل ، ولأجل ذلك لم يقل الله سبحانه هنا : الله يميت الأنفس ، بل قال : ( يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . .

2