- العراق
منذ سنتين

الدين كامل بدون ولاية الإمام علي [ عليه السلام ]

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة [ العلامة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي ] ، دامت بركاته . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . ما رأيكم فيما صدر مؤخراً من مقولات جعلت الإمامة ضمن البرنامج العملي الذي لم يكمله النبي [ صلى الله عليه وآله ] فكان يحتاج الأمر إلى من يقوم بهذه المهمة من بعده [ صلى الله عليه وآله ] وعلى أساس ذلك تم التفتيش بين المسلمين عن هذه الشخصية التي تستطيع ملء الفراغ بعد النبي [ صلى الله عليه وآله ] فلم يكن غير الإمام علي [ عليه السلام ] . . وحيث اعتبر أن البرنامج العملي للرسول [ صلى الله عليه وآله ] مغايراً للدين . . - بناء على ذلك - نتوجه إلى سماحتكم بهذه الأسئلة : 1 - ما هو تعريف الدين ؟ 2 - ما هو تعريف البرنامج العملي للنبي [ صلى الله عليه وآله ] وهل هو من الدين أم لا ؟ 3 - هل الرسول [ صلى الله عليه وآله ] أكمل برنامجه العملي ؟ . . 4 - ما الفرق بين كون الإمامة جزءاً من الدين وكونها - أي الإمامة - جزءاً من البرنامج العملي للنبي [ صلى الله عليه وآله ] ؟ وهل يوجد هناك منافاة بينهما ؟ نرجو منكم إفادتنا مأجورين ، ودمتم ذخراً للإسلام والمسلمين . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . وبعد . . فإنه لا ريب في أن ولاية أمير المؤمنين [ عليه السلام ] التي أمر الله سبحانه نبيه [ صلى الله عليه وآله ] بأن يبلغها في يوم الغدير وغيره ، جزء من دين الإسلام الحنيف ، وقد دلت نفس الآيات القرآنية التي نزلت في مناسبة الغدير على ذلك . . فلاحظ : 1 - قوله تعالى لنبيه [ صلى الله عليه وآله ] : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) [1] . فقد دلت هذه الآية : أولاً : على أن عدم تبليغ ولاية أمير المؤمنين علي [ عليه السلام ] يوازي عدم تبليغ الدين كله . فلو كانت الحاجة إلى الإمام علي [ عليه السلام ] هي مجرد حاجة إلى مساعد في إكمال البرنامج العملي ، فإن ذلك يتم عبر الاستعانة به ، وتمهيد الأمور له ليمسك بزمامها ، ولا يحتاج ذلك إلى نص عليه ، ولا إلى تبليغ ما أنزل إليه من الله تعالى ، ولا يكون ترك ذلك التبليغ بمثابة ترك تبليغ الرسالة كلها . . إذ أن الحديث في الآية إنما هو عن قيمة مجرد الإبلاغ ، وليس الحديث عن نفس الاستعانة بالإمام علي [ عليه السلام ] في إكمال البرنامج العملي ، في حركة الرسالة في الواقع ! ! ثانياً : إنه تعالى قد جعل الآخرين الذين لا يرضون بولاية الإمام علي [ عليه السلام ] من القوم الكافرين ، وهم إنما يكفرون بإنكار حقائق الدين ، لا بمجرد الاعتراض على أن يكون الإمام علي [ عليه السلام ] هو المكمل للبرنامج العملي ، إذا كان ذلك ناشئاً عن حسد ، أو هوى ، لا عن تكذيب للرسول [ صلى الله عليه وآله ] وإنكار لصدقه فيما يبلغهم إياه . . ثالثاً : إن الظاهر هو أن السبب في اعتبار عدم إبلاغ ولايته [ عليه السلام ] مساوياً لعدم إبلاغ الرسالة كلها ، هو أن أعمال العباد لا تقبل بدون ولاية الإمام علي [ عليه السلام ] ، فلو أن أحداً قام ليله ، وصام نهاره ، وحج دهره ، ولم يأت بولاية الإمام علي [ عليه السلام ] فإن ذلك كله لا ينفعه شيئاً . . كما أن ولايته صلوات الله وسلامه عليه شرط لاكتمال التوحيد ، وفقاً لما روي عن الإمام الرضا [ عليه السلام ] ، عن آبائه [ عليهم السلام ] ، عن جبرئيل [ عليه السلام ] ، عن الله سبحانه وتعالى : " كلمة لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي " . ثم قال الإمام الرضا [ عليه السلام ] : " بشروطها ، وأنا من شروطها " [1] . وفي نص آخر : " ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي " . ومعنى ذلك أنه لا فرق بينهما لجهة : أن كلاً منهما - أي التوحيد ، وولاية الإمام علي [ عليه السلام ] - حصن الله سبحانه . فقوله تعالى : ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) [2] يعطينا : أن حقائق الإسلام وشرائعه وأحكامه بمثابة الجسد ، المكتمل في تكوينه ، والجامع لكل الميزات ، والحائز على جميع الإمكانات والطاقات . . ولكنه يبقى خامداً هامداً ، لا فائدة فيه إلا إذا نفخت فيه الروح ، فتبدأ اليد بالحركة ، وتدب فيها القوة ، وتصبح العين قادرة على الرؤية ، والأذن متمكنة من السمع ، وتعطيه اليقظة في العقل وفي المشاعر والأحاسيس و . . و . . الخ . . فولاية الإمام علي [ عليه السلام ] إذن بمثابة هذه الروح التي تجعل كل أحكام الدين وشرائعه ، وحقائقه وقضاياه مؤثرة في الغايات المتوخاة منها ، موصلة إلى الله تعالى ، هادية إليه . . فإذا لم يبلِّغ الرسول [ صلى الله عليه وآله ] هذه الولاية ، فإنه لم يبلغ أي شئ من رسالة الله سبحانه . . لأن جميع ما بلغه يكون بلا فائدة ولا عائدة ، إذ ليس فيه روح وحركة وحياة ، ولا يثمر ثمرة ، ولا يؤدي إلى نتيجة . . 2 - الآية الثانية : وهي قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) [1] . . فقد أفادت هذه الآية المباركة بملاحظة نزولها بمناسبة تبليغ ولاية الإمام علي [ عليه السلام ] يوم الغدير : أولاً : إن ولاية الإمام علي [ عليه السلام ] جزء من الدين ولا يكمل الدين إلا بها . . ثانياً : إن الإسلام كله لا يكون ديناً مرضياً لله سبحانه بدون هذه الولاية . . فلو كانت الحاجة إلى الإمام علي [ عليه السلام ] هي لمجرد المساعدة في إكمال البرنامج العملي في حركة الرسالة في الواقع ، فلا معنى لربط رضا الله لدينه بها ، فإن الدين إذا اكتمل ، فإنه يصبح مرضياً ، سواء طبّقه الناس ، أم عصوا الله في ذلك . . أضف إلى ذلك أن الكل يعلم : أن الإمام علياً [ عليه السلام ] قد أقصي عن مركزه الذي جعله الله تعالى له . . فهل بقي هذا الرضا الإلهي لدين الإسلام ، أم أنه قد ذهب وزال بسبب ذلك الإقصاء أيضاً . . فإنه لا شك في أن رضاه له قد بقي ، وذلك يعني أن نفس إبلاغ الولاية هو الذي يكمل به الدين ، وليس لطاعة الناس ومعصيتهم أثر في ذلك . . ثالثاً : إن رضاه تعالى للإسلام ديناً قد حصل بمجرد حصول ذلك الإبلاغ . وقد نزلت الآية الدالة على ذلك بمجرد حصول ذلك الإبلاغ ، ولم يكن البرنامج العملي قد أكمل بعد . وذلك يعني أن الذي حصل به هو إكمال الدين به فقط . . وذلك ظاهر لا يخفى . وبذلك يتضح : أن ما ذكره ذلك البعض من أن آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) قد نزلت قبل نصب علي [ عليه السلام ] يوم الغدير وأن رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] قد بلغ الرسالة للناس [1] ، ينافي الآيتين المتقدمتين منافاة ظاهرة ، ولا أقل من أنه ينافي صريح الآية الثانية . . على أن مقتضى كلامه هو أن الإمام علياً [ عليه السلام ] لم يكن هو الإنسان الذي اصطفاه الله قبل خلق الخلق ، إذ إنه يقول : إن الأمر لا ينحصر بالإمام علي [ عليه السلام ] ، فأي إنسان سواه يمكنه أن يساعد في إكمال البرنامج العملي ، فإنه يمكن الاستعانة به ، وقد يكون هناك اثنان أو أكثر كان بإمكانهم - لو اجتمعوا - أن يقوموا مقام الإمام علي [ عليه السلام ] في ذلك . . ويشير إلى ذلك قول ذلك البعض : " فلا بد أن يتم التفتيش بين المسلمين عن الشخصية التي تستطيع ملء الفراغ بعد رسول الله الخ . . " [2] . وهذا يخالف ما عليه مذهب شيعة أهل البيت [ عليهم السلام ] ، وما هو الثابت لهم بالأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة من القرآن ومن السنة الشريفة . . ويبقى أن نشير إلى أن ما ورد في السؤال من طلب معرفة الفرق بين الدين ، وبين البرنامج العملي . . فنقول : إن ذلك من أوضح الواضحات ، وأبده البديهيات ، فإن الدين هو مجموعة الأحكام والشرائع ، والحقائق الإيمانية ، الثابتة ، التي يطلب من الناس الإيمان والعمل بها ، إلى يوم القيامة . . وأما البرنامج العملي ، فهو ما يطلب من خلاله تهيئة الظروف والمناخات لحمل الناس على قبول تلك الحقائق والإيمان بها ، وعلى الالتزام العملي بتلك الشرائع والأحكام . . وهذا الأمر لا يحتاج إلى جعل ، ولا إلى تشريع ، بل هو نتيجة جهد بشري ، سواء في مجال التخطيط ، أو في مجال التنفيذ والتدخل الإلهي في هذه الصورة إن كان ، فهو إنما يأتي على سبيل المعونة والتسديد ، وليس على سبيل الجعل والتشريع . . وأين هذا من الدين الذي لا بد من الرجوع فيه إلى الله سبحانه ، والانتهاء إليه فيه . . وعلى كل حال نقول : لو كانت القضية قضية إكمال برنامج عملي لرسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، يرتبط بتعميق الإسلام لدى أناس كانوا حديثي عهد بالجاهلية . . لم يكن الناس في الأجيال اللاحقة بحاجة إلى ولاية الإمام علي [ عليه السلام ] ، لا من حيث الاعتقاد ، ولا في دائرة العمل والممارسة . . ولكانت قضية ولايته محصورة بذلك الجيل من الناس دون سواهم . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .

1