أفرأيتم ما تحرثون
بسمه تعالى قال الله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) [1] . وقال أيضاً : ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ) [2] . فلماذا قال في المرة الأولى : " لجعلناه " بإثبات اللام ، ثم قال في المرة الثانية " جعلناه " بحذفها ؟ ! . .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فربما يكون السبب في ذلك هو : أن الآيات الأولى قد تحدثت عن الحرث ، وحصول الزرع ، مما يعني أن العناصر التي يتكون منها هذا الزرع قد توفرت . . فيأتي قوله تعالى : ( لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً ) [3] . . ليقول : إننا لو شئنا لألغينا تلك العناصر ، ودمرنا كل نتاجها ، وما تحقق منها ، أو نشأ عنها . . فإنهم يقولون : إن اللام حرف يدل على ما كان سيقع لأجل وقوع الأول . فهي تربط بين الحالة الأولى - وهي ما كان سيقع - وهي جعله حطاماً ، من خلال المشيئة المتعلقة بالتدمير للزرع وناتجه ، على سبيل العقوبة لهم . . وبين الحالة الثانية ، وهي رؤيتهم زرعهم وحرثهم . فدخلت اللام لتفيد التأكيد على التصميم الإلهي على إحداث هذه العقوبة ، وتحويل الزرع وتبديله من حالة إلى حالة ، وعلى أن الله لو شاء لألغى السنن الطبيعية وتجاوزها وتصرف بصورة مباشرة في تدمير ما نشأ عنها . . وبما أن هذا الأمر قد يصعب قبوله للوهلة الأولى ، لأن الإنسان لا يخضع بسهولة ، ولا يقنع بوجود ما يبرر الإقدام على إجراء كهذا . . فقد احتاج إلى التأكيد عليه باللام . . وخلاصة الأمر : هناك حالتان تصل اللام بينهما ، وتؤكد على التبادل والانتقال من إحداهما إلى الأخرى . ولكنه حين تحدث عن الماء ، في الآية الثانية ، فإنما قصد أن يجعله أجاجاً بنفس إفاضة الخلق عليه ، وإيجاده ، لا أنه يريد نقل الماء الموجود من حالة إلى حالة . . بأن يزيل العذوبة عنه ، ويجعل مكانها الأُجاجية . . فلا توجد حاجة إلى التأكيد ، لأن الاختيار الإلهي هو الذي يحدد طبيعة المخلوق وحالاته ، ومواصفاته . ولا يبقى سوى الإشارة إلى طبيعة الأمر الذي اختاره الله سبحانه . . وربما يقال : إن ثمة إجابة أخرى على السؤال المذكور أعلاه ، وهي : أنه في المورد الأول يظن الناس أن لهم الدور الأساس في الحصول على نتاج الزرع ، لأنهم هم الذين يحرثون ويزرعون . . فالتسبيب يكون منهم ، والاختيار والتعرف يكون لهم . . فاحتاج إلى التأكيد على التدخل الإلهي لإبطال آثار فعلهم . وأما في المورد الثاني . . فإن إنزال الماء من السحاب خارج عن دائرة خيارهم واختيارهم . . وهو مرتبط بالله سبحانه ، فهو الذي يتصرف فيه وفي حالاته وخصوصياته . . فيكفي تذكيرهم بهذا الأمر المستقر في نفوسهم ، ولا تنكره عقولهم ، من دون حاجة إلى التأكيد باللام أو بغيرها . . والحمد لله رب العالمين .