رايات ما قبل الظهور
بسم الله الرحمن الرحيم سماحة المحقق [ السيد جعفر مرتضى العاملي ] [ حفظه الله ] . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد . . توجد عندكم روايات عديدة مفادها إن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله أو إنها رايةُ ضلال الخ . . . أ - كيف تتوافق هذهِ الروايات مع الجهاد وإقامة الحكم الإسلامي العادل في الأرض خصوصا إن الجهاد أحد أركان الإسلام التي شدّد عليها الإمام علي [ رض ] ؟ ب - ألا تناقض هذه الروايات هذا الركن الهام ؟ مع الشكر الجزيل . . والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ . .
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فيما يرتبط بالسؤال عن الروايات التي تقول : إن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله ، أو أنها راية ضلال . أقول : إنني أشير إلى هذه الروايات ، واحدة فواحدة ، ثم أعلّق عليها بما يقتضيه الحال . فلاحظ ما يلي : 1 - هناك روايات رواها أهل السنة عن فتن ستكون ، ويكون القاعد فيها خيراً من القائم الخ . . . كما أن هناك روايات أخرى تتحدث عن فتن يواجهها الناس ، ولا يجوز لهم الدفاع ، ولا الدخول فيها ، حتى لو دخل عليه في بيته ، لم يجز له مواجهته [1] . . وهذه الروايات لا اعتبار بها لأكثر من سبب ، فهي : أ : ساقطة من حيث السند . ب : إنها تتحدث عن فتن تحدث . . والفتنة هي التي لا يعرف فيها وجه الحق . فإذا كان الحق جلياً وواضحاً وجب الكون معه ، وإلى جانبه ، ولا يكون المورد مشمولاً لتلك الروايات . ج : إنها تتحدث عن أحداث بعينها ، ولا تعطي ضابطة كلية بحيث تشمل كل الحركات التي تهدف إلى دفع الظلم ، وإحقاق الحق . . د : إنها حتى لو كانت بصدد إعطاء تلك الضابطة ، فإنها جارية على مذاق القائلين بعدم جواز الخروج على حكام الجور ، ويوجبون الطاعة لكل متغلب . . وهذا أمر يرفضه أهل البيت [ عليهم السلام ] ، وتنافيه آيات الكتاب التي توجب رفض الظلم والظالمين . . ه : إن تحريم أن يدافع الرجل عن نفسه ، حتى حين يدخل قاتله إليه في بيته ، لهو أمر يخالف الفطرة ، ويتناقض مع ضرورة الشرع والدين . . 2 - إنهم يستدلون أيضاً على حرمة الخروج في زمن الغيبة ، بالأحاديث القائلة : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . وهي لا تدل على المطلوب ، لأنها ناظرة إلى غير صورة الجهاد لإقامة الدين ، وإظهار الحق . . بأمر الفقيه العادل الجامع للشرائط ، الذي هو النائب العام للإمام [ عليه السلام ] . . بل هي تتحدث عن القتال من أجل الدنيا ، ولأغراض فاسدة كالتسلط ونحوه . . 3 - الأحاديث الآمرة بأن يكون المؤمنون أحلاس بيوتهم ، حتى يظهر الطاهر ابن المطهر ، ذو الغيبة [1] . . ومنها ما عن الإمام الصادق [ عليه السلام ] : لا بد لنارٍ من آذربايجان ، لا يقوم لها شئ ، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم ، وإلبدوا ما ألبدنا ، فإذا تحرك متحركنا ، فاسعوا إليه ولو حبواً إلخ [2] . . وقريب من ذلك ما روي من أن علياً [ عليه السلام ] خطب بالنهروان ، فقال : إن الفتن إذا أقبلت شبهت ، [ ثم ذكر الفتن ] إلى أن قال : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما نصنع في ذلك الزمان ؟ ! قال : انظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استنصروكم ، فانصروهم تؤجروا ، ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية . . ثم ذكر حصول الفرج بخروج القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف [3] . ونقول : أولاً : إن من الواضح : أن هذا الحديث ناظر إلى تحصين الشيعة من تصديق المدّعين لمقامات ومنازل الأئمة [ عليهم السلام ] ، ويدعون الناس إلى مؤازرتهم والخروج معهم ، وتصديق دعواهم الإمامة والمهدية . . ولذلك أشار الإمام [ عليه السلام ] ، إلى أن هناك علامة للمهدي الحقيقي ، وهي نار من آذربايجان لا يقوم لها شئ . . كما أن هذا يفسر بأنه [ عليه السلام ] ، قد ربط الناس بخصوص الأئمة من أهل البيت [ عليهم السلام ] ، فقال : " فالبدوا ما ألبدنا فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ، ولو حبواً الخ . . " ثانياً : بالنسبة لخطبة علي [ عليه السلام ] ، نقول : أ : إنها تحدثت عن واجب الناس حين تثور الفتن . والفتنة هي التي لا يُعلم وجه الحق فيها ، وقد وصفها [ عليه السلام ] : إذا أقبلت شبهت . وأما حيث يعرف وجه الحق . فلا بد من الالتزام به ، والدفاع عنه ، كما هو الواجب الشرعي . . ب : إنه [ عليه السلام ] أمرهم بالتزام أوامر أئمتهم في حالات الفتن ، وعدم المبادرة إلى أي عمل وموقف بدون الرجوع إليهم ، مما يعني أنه يتحدث عن زمان حضورهم [ عليهم السلام ] . . 4 - عن أبي جعفر [ عليه السلام ] ، أنه قال لأبي الجارود : أوصيك بتقوى الله ، وأن تلزم بيتك ، وتقعد في دهماء [ دهمك خ ل ] هؤلاء الناس ، وإياك والخوارج منا ، فإنهم ليسوا على شئ ، ولا إلى شئ . . واعلم أن لبني أمية ملكاً لا يستطيع الناس أن تردعه ، وأن لأهل الحق دولة إذا جاءت ولاها الله لمن يشاء منا أهل البيت ، من أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى ، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له . . واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً ، أو تعز ديناً إلا صرعتهم البلية ، حتى تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله ، لا يوارى قتيلهم ، ولا يرفع صريعهم ، ولا يداوى جريحهم . . قلت : من هم ؟ ! قال : الملائكة [1] . . ونقول : أولاً : إن الرواية ضعيفة السند بأبي الجارود . ثانياً : إن الرواية صريحة في أن الإمام [ عليه السلام ] ، ينهى أبا الجارود عن الخروج مع أناس هم من سلالة أمير المؤمنين [ عليه السلام ] . كانوا يخرجون في ذلك الوقت وهم في الأكثر من بني الحسن ، أو من هم في فلكهم ، وعلى مثل رأيهم . . وكانوا يدّعون أن لهم الحق في قيادة الأمة ، وإمامة الناس ، ولا يرون انحصار هذا الأمر بالأئمة الأوصياء الاثني عشر ، من ذرية الحسين [ عليه السلام ] ، حتى لقد ادعى محمد بن عبد الله بن الحسن : أنه مهدي هذه الأمة ، وبايعته الأمة على هذا الأساس باستثناء الإمام الصادق [ عليه السلام ] ، وشيعته الأبرار . . والخلاصة : أن الإمام [ عليه السلام ] ، يصرح لأبي الجارود بأن هؤلاء الخارجين ليسوا على شئ ، ولا إلى شئ . ثم أردف ذلك [ عليه السلام ] بالحديث عن الدولة التي يتولونها هم [ عليهم السلام ] ، والتي ستأتي في آخر الزمان ، حين يظهر قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف . . ثالثاً : إنه تحدث [ عليه السلام ] أيضاً عن قيام من يقومون لدفع الضيم ، وإعزاز الدين . فلم يذمهم على فعلهم ، لكنه أخبر أنهم سيتعرضون للبلايا والمحن . . ثم عاد فأخبر عن عصابة تقوم لأجل نفس هذا الهدف السامي ، فمدحهم بأنهم شهدوا بدراً ، وأنهم لا يوارى قتيلهم ، لأنهم من الملائكة . . ولعله يقصد أنهم في مستوى الملائكة في الطهر والكرامة ، أو أن الملائكة تقاتل معهم ، أو غير ذلك . . 5 - عن أبي المرهف عن الإمام الصادق [ عليه السلام ] قال : هلكت المحاضير . قلت : وما المحاضير ؟ قال : المستعجلون ، ونجا المقربون ، وثبت الحصن على أوتادها . كونوا أحلاس بيوتكم ، فإن الفتنة على من أثارها . وإنهم لا يريدونكم بحاجة إلا أتاهم الله بشاغل لأمر يعرض لهم [1] . وعن أبي عبد الله [ عليه السلام ] : كفوا ألسنتكم ، والزموا بيوتكم ، فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبداً ، ولا يصيب العامة . ولا تزال الزيدية وقاءً لكم أبداً [1] . . وفي نص آخر عن الإمام الباقر [ عليه السلام ] : هلك أصحاب المحاضير ، ونجا المقربون . . الخ [2] . . ونقول : أولاً : حديث أبي مرهف ، الضعيف سنداً ، إنما يتحدث عن الدخول في الفتن التي لا يعرف وجه الحق فيها ، فيقول : ليس للمؤمن أن يدخل فيها لمساعدة أي فريق منها . بل يجب على المؤمنين أن يخرجوا أنفسهم منها ، ويكونوا أحلاس بيوتهم . . ثانياً : إنه [ عليه السلام ] يقول لشيعته : إن عليكم أن لا تستعجلوا الأمور ، فلكل أجل كتاب . . ثالثاً : إن الحديث يقول : إن على الشيعة أن لا يستسلموا لخوفهم ، وأن لا ينساقوا مع أوهامهم ، وأن لا يسمعوا كلام من يريد تضخيم الأمور لهم بهدف دفعهم للساحة . . بل عليهم أن يطمئنوا إلى أن من يثير الفتنة هو الذي يحترق بنارها ، وأنهم إذا كانوا أحلاس بيوتهم لم يصبهم منها شئ . . وأن ما يصيبهم ليس لأنهم هم المقصودون به ، بل يكون شأنهم فيه شأن عامة الناس . . رابعاً : إنهم كانوا يخوفونهم بأن ضرب الحكام للزيدية سيسهل توجيه الضربة القاصمة إليهم أيضاً ، فيلزمونهم بناء على ذلك بالمشاركة معهم في حروبهم . . فتصدى الإمام [ عليه السلام ] لإرشادهم إلى فساد هذه الحجة ، وفشل هذا المنطق ، إذ أن حركات الزيدية ، ونشاطهم ليس فقط لا يضر بالشيعة ، بل هو وقاية لهم ، حيث يتمركز جهد الحكام على الثائرين ، ويكون المؤمنون في ستر الله سبحانه ، وفي حفظه . . وهذا بالذات هو ما أشار إليه الحديث المروي في السرائر ، بسند ضعيف ، عن رجل قال : ذكر بين يدي أبي عبد الله [ عليه السلام ] ، من خرج من آل محمد . . فقال [ عليه السلام ] : لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد ، ولوددت أن الخارجي من آل محمد خرج وعلي نفقة عياله [1] . . 6 - عن الإمام الباقر [ عليه السلام ] قال : مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم ، مثل فرخ طار ووقع في كوة ، فتلاعبت به الصبيان [2] . . وعن حماد بن عيسى ، عن ربعي رفعه ، عن الإمام السجاد [ عليه السلام ] ، قال : والله ، لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طائر ، طار من وكره ، قبل أن يستوي جناحاه ، فأخذه الصبيان فعبثوا به [1] . ونقول : أولاً : لا حاجة بنا بعد كل ذلك الذي تقدم إلى تذكير القارئ الكريم بأنه [ عليه السلام ] ، إنما يتحدث عن أناس من ذرية النبي [ صلى الله عليه وآله ] ، يدّعون لأنفسهم مقام الإمامة ، وأن لهم الحق في إعلان الثورة ، ويطلبون من الناس الخروج معهم لمقارعة الظالمين ، وأن يشاركوا في حركاتهم وثوراتهم . . ولا يتحدث عن الخروج لإعزاز الدين ودفع ظلم الظالمين ، وإقامة الشعائر ، ممن يعتقد بالحق ، ولا يدّعي لنفسه شيئاً من ذلك ، بل يعترف بإمامة الأئمة ، ولا يخالف أقوالهم ويلتزم بما يأمرون به ، وينتهي عما ينهون عنه . . وإنما قلنا : إن المقصود هم من عدا الأئمة [ عليهم السلام ] ، لأن شمولهم معناه تخطئة الإمام الحسين [ عليه السلام ] في نهضته ، ومحال أن يصدر ذلك عن الإمام [ عليه السلام ] . . ثانياً : إن ثورات بعض المنتسبين إلى علي [ عليه السلام ] ، كالفاطميين مثلاً ، قد نجحت عبر التاريخ ، فلا معنى لتمثيله [ عليه السلام ] الخارج منهم بفرخ الطائر ؟ ! ولعل ذلك يرجح أن يكون المراد أن خروج الإمام الحقيقي ابتداء منه [ عليه السلام ] ، قبل ظهور قائمهم ، سينتهي إلى ما ذكره [ عليه السلام ] . . 7 - ورد في مقدمة الصحيفة السجادية أنه [ عليه السلام ] قال : " ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ، ليدفع ظلماً ، أو ينعش حقاً إلا اصطلمته البلية ، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا " . ويرد على الاستدلال بهذا الحديث : أولاً : إنه ضعيف السند . ثانياً : إن اصطلام البلية للخارج منهم لا يعني حرمة خروجه ، كما أن المكروه الذي يزداد ليس بالضرورة أن يكون محرماً ، بل قد يكون مما يجب الإقدام عليه . . فلو صحت هذه الرواية لكان المقصود بها الإخبار بما سيجري على الخارج من أهل البيت [ عليهم السلام ] ما عدا الأئمة [ صلوات الله وسلامه عليهم ] ، وإنما استثنينا الأئمة لقوله [ عليه السلام ] : زيادة في مكروهنا . حيث أرجع الضمير إليهم ، أعني الأئمة . . 8 - عن الإمام الباقر [ عليه السلام ] ، أنه قال : أسكنوا ما سكنت السماوات والأرض . أي لا تخرجوا على أحد ، فإن أمركم ليس به خفاء . ألا إنها آية من الله عز وجل ، ليست من الناس . ألا إنها أضوء من الشمس ، لا يخفى على بر ولا فاجر إلخ [1] . . ويرد على الاستدلال بهذه الرواية : أن المراد هو إرشاد الناس إلى ما يدفع عنهم خداع من يدّعي الإمامة والمهدية بدون حق ، وتوجيههم إلى وجود علامات تظهر للناس الحقيقة ، وهي النداء من السماء ، والخسف في البيداء الخ . . فإن هذه الآيات هي آيات إلهية خاصة ، وضعها الله تعالى للدلالة على صحة ادعاء المهدية ممن يدّعيها . فلا يجوز الخروج مع من يدّعي المهدية قبل ظهور هذه العلامات . . ويدل على ذلك ما رواه الحسين بن خالد ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا [ عليه السلام ] : إن عبد الله بن بكير كان يروي حديثاً ، وأنا أحب أن أعرضه عليك . . فقال : وما ذاك الحديث ؟ . . قلت : قال ابن بكير : حدثني عبيد بن زرارة ، قال : كنت عند أبي عبد الله [ عليه السلام ] أيام خرج محمد [ إبراهيم خ ل ] بن عبد الله بن الحسن ، إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال : أُسكنوا ما سكنت السماء والأرض ، فقال عبد الله بن بكير : فإن كان الأمر هكذا أو لم يكن خروج ما سكنت السماء والأرض ، فما من قائم وما من خروج ! ! فقال أبو الحسن [ عليه السلام ] : صدق أبو عبد الله [ عليه السلام ] ، وليس الأمر على ما تأوله ابن بكير ، إنما عنى أبو عبد الله [ عليه السلام ] ، أُسكنوا ما سكنت السماء من النداء ، والأرض من الخسف بالجيش [1] . . فعلى هذا ، يكون الحديث المتقدم ناظراً إلى أولئك الذين يعيشون أجواء ادعاءات المهدية من قبل أناس غير صادقين ، فأمرهم الإمام [ عليه السلام [ بلزوم الالتزام بالقاعدة الثابتة في معرفة المهدي الحقيقي ، وهي تكذيب كل ادعاء لهذا الأمر إذا لم تظهر الآيات الدالة عليه ، وهي العلامات والآيات الإلهية ، ومنها النداء من السماء ، والخسف بالجيش . وبدون هذه العلامات فإن الادعاءات تكون كاذبة بلا ريب . . 9 - محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله [ عليه السلام ] : كل راية ترفع قبل قيام القائم [ عليه السلام ] ، فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل . . وسند الرواية صحيح على الأظهر [1] . وروى النعماني ذلك عن مالك بن أعين عن أبي جعفر [ عليه السلام ] ، قال : كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت [2] . ويرد على هذا الاستدلال : أولاً : إن المراد بالرايات فيه رايات الضلالة ، ويشهد لذلك ما روي عن أبي جعفر [ عليه السلام ] في حديث : " وإنه ليس أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه . ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت " [1] . ثانياً : قد يؤيد ذلك ويؤكده : أنه [ عليه السلام ] قد تحدث عن الراية ، ثم وصف صاحبها بأنه طاغوت يعبد . مما يشير إلى حالة من الصنمية تكون لصاحبها ، حيث يكون شخصه هو المحور ، وهو ما لا يرضاه الإمام الحق . كما أن وصفه بأنه يعبد . . يشير إلى التزام الناس بأقواله من حيث هي دين وتشريع ، تفرض عليهم التعبد بها ، والتقديس لها . . ثالثاً : إن الرواية التي تحدثت عن زيد [ رحمه الله ] قد أوضحت الفرق بين راية الضلالة وراية الحق ، وفرقت بذلك بين قيام زيد ، وقيام غيره . فقد روي عن الإمام الرضا [ عليه السلام ] : أن الإمام الصادق [ عليه السلام ] قال : " رحم الله عمي زيداً ، إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه . . إلى أن قال الإمام الرضا [ عليه السلام ] ، للمأمون : إن زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحق ، وإنه كان أتقى لله من ذاك ، إنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد . . وإنما جاء ما جاء في من يدّعي : أن الله نص عليه ، ثم يدعو إلى غير دين الله ، ويضل عن سبيله بغير علم الخ [2] . . رابعاً : إن ما جاء في صحيحة عيص بن القاسم ، يُظهر لنا : كيف أن الأئمة [ عليهم السلام ] كانوا يسعون لإقناع الناس بعدم الخروج مع من يدّعون الإمامة لأنفسهم ، وهم غير صادقين في دعواهم ، فقد جاء فيها قوله [ عليه السلام ] : والله لو كانت لأحدكم نفسان ، يقاتل بواحدة ، يجرّب بها ، ثم كانت الأخرى باقية ، تعمل على ما قد استبان لها . ولكن له نفس واحدة ، إذا ذهبت فقد - والله - ذهبت التوبة . فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم ، إن أتاكم منا فانظروا على أي شئ تخرجون ؟ ! ولا تقولوا : خرج زيد ، فإن زيداً كان عالماً ، وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه . بل دعاكم إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه ، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه . . فالخارج منا اليوم إلى أي شئ يدعوكم ؟ ! إلى الرضا من آل محمد [ صلى الله عليه وآله ] ؟ فنحن نشهدكم : أنا لسنا نرضى به ، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد . . وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر ألا يسمع منا . . إلى أن قال [ عليه السلام ] : وكفاكم بالسفياني علامة [1] . . وذلك يدل على أن أحاديث الأئمة [ عليهم السلام ] في النهي عن الخروج ، وفي ذم الرايات إنما يراد بها هذا النوع من الناس . . وأنهم [ صلوات الله وسلامه عليهم ] كانوا يريدون من الناس أن يراعوا الدقة في مواقفهم ، وأن يلتفتوا إلى حقائق الأمور ، وأن يجعلوا الآيات والعلامات المروي أنها سوف تحدث نصب أعينهم ، ولذلك قال [ عليه السلام ] : وكفاكم بالسفياني علامة . بل إن هذه الصحيحة تدل على لزوم نصر من تكون دعوته محقة ، كما كان الحال بالنسبة لزيد بن علي بن الحسين [ عليهم السلام ] ، الذي دعا لنقض حكم الجائرين المجتمع . وقد صرحت الرواية هناك بهذا الفرق بين راية الحق ، وراية الضلالة . . خامساً : إن الروايات التي تحدثت عن خروج اليماني ، وتضمنت مدح رايته ، وأنها راية هدى ، تدل على أن المراد بالراية في قوله : كل راية ترفع قبل قيام القائم الخ . . هو رايات الضلالة التي يدّعي أصحابها الإمامة لأنفسهم بدون حق . فمدح راية اليماني يدل على جواز الخروج على حكام الجور ، وإسقاط حكمهم ، وإقامة حكم الله [1] . . وكذا الحال بالنسبة للروايات التي تحدثت عن الرايات التي تُقبِل من المشرق ، وأنهم يطلبون الحق فلا يعطونه . فإن مدحهم يدل على جواز الخروج أيضاً [2] . ومثل ذلك أيضاً حديث : رجل من قم معه قوم كزبر الحديد ، الخ . . فإنه دال على ذلك لأنه وارد في مقام المدح [3] . وحديث تفسير آية ( فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) [1] حيث قال الإمام [ عليه السلام ] ، ثلاث مرات : " هم والله أهل قم " [2] . فإن المدح لهؤلاء العباد يدل على مشروعية ما يقومون به في زمن الغيبة . . 10 - عن علي [ عليه السلام ] : " إلزموا الأرض ، واصبروا على البلاء ، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم ، ولا تعجلوا بما لم يعجله الله لكم ، فإنه من مات منكم على فراشه ، وهو على معرفة حق ربه ، وحق رسوله ، وأهل بيته ، مات شهيداً ، ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه ، وإن لكل شئ مدة وأجلاً " [3] . ونقول : إن هذا النص لا يدل على مطلوبهم أيضاً ، لأنه مجرد توجيه عملي لأصحابه [ عليه السلام ] ، فيما يواجهونه من مهمات كبرى وصعبة ، تحتاج إلى الثبات والصبر ، وإلى التأني في الأمور ، وعدم الاستعجال . وعدم المبادرة إلى أي موقف أو تصرف إلا بأمر الإمام . ولا ربط له بالقيام في زمن الغيبة . . فلا معنى للاستدلال به . 11 - عن مفضل بن يزيد : أن الإمام الصادق [ عليه السلام ] قال له : يا مفضل ، من تعرض لسلطان جائر ، فأصابته بلية لم يؤجر عليها ، ولم يرزق الصبر عليها [1] . . ونقول : أولاً : إن هذا الحديث لا يتضمن إدانة ولا عقوبة لمن يتعرض للجائر . . بل اكتفى بنفي المثوبة على البلايا التي قد يصاب بها ، وعدم الحصول على الصبر عليها . . ثانياً : إن الأخذ بإطلاق هذا الحديث واستفادة تحريم التصدي للجائرين ، مخالف لما هو ثابت بالضرورة . . فقد يكون قد صدر على سبيل التقية ، لو صحت روايته . . أو يكون المراد به التعرض لهم بصورة عشوائية ، ومن دون مراجعة أهل الرأي ، ومن دون سؤال ومراجعة الفقيه الجامع للشرائط ، والعارف بالأحكام . ليدله على تكليفه ، وعلى ما يحتاج إليه . . 12 - في نص آخر عن المفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر [ عليه السلام ] ، قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم ، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان . . إلى أن قال : قال جابر : فقلت : يا بن رسول الله ، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان ، قال : حفظ اللسان ، ولزوم البيت ( 1 ) . . وهذه الرواية الضعيفة سنداً قد تكون ناظرة إلى زمان بدء الغيبة ، حيث كانت الغيبة حدثاً يصعب على الناس التأقلم معه ، وكان بالغ الشدة على الشيعة ، حيث قد غاب إمامهم عنهم . وكان لا بد لهم فيه من إعادة النظر في أمرهم ، واستعمال التقية للنجاة من كيد الأعداء . . والأمر بحفظ اللسان ، يشير إلى أن الكلام في الأمور الحساسة في تلك الفترة الصعبة خطير جداً ، لما يسببه من مشاكل للقائل ، وربما لغيره من أهل الإيمان . . والخلاصة : أن غيبة الإمام ستنشأ عنها بلبلات فكرية ، وسوف تثار الشبهات والتشكيكات الصعبة ، والتي قد تؤثر على ضعاف النفوس ، وقليلي المعرفة . . فالثبات على الحق في مثل تلك الظروف الصعبة سيكون إنجازاً عظيماً ، يستحق عليه المؤمن المزيد من التقدير والثناء . . وهذا بالذات هو ما تكفلت به هذه الرواية . . 13 - عن الإمام الصادق [ عليه السلام ] : يا سدير ، الزم بيتك ، وكن حلساً من أحلاسه ، واسكن ما سكن الليل والنهار ، فإذا بلغك أن السفياني خرج ، فارحل إلينا ولو على رجلك [1] . ونظير ذلك ما روي عن الإمام الباقر [ عليه السلام ] : أنه قاله لجابر [2] . . ونقول : إنه أيضاً لا يصلح للاستدلال به ، وذلك لما يلي : أولاً : إنه حين يكون الكلام عن السفياني ، كعلامة على الإمام الحق " وكذا حين يذكر الإمام [ عليه السلام ] ، لجابر العلامات الأخرى " فإننا نعرف أنه [ عليه السلام ] إنما يريد أن يدله على العلامة أو العلامات الحتمية ، التي يميز بها الإمام الحق عن غيره ممن يدّعي الإمامة زوراً ، ويدعو الناس للخروج بالسيف معه . ثانياً : يحتمل أن يكون لسدير خصوصية اقتضت توجيه هذا الأمر إليه بلزوم البيت ، لا سيما بملاحظة ما روي ، من أنه ذكر سدير عند أبي عبد الله [ عليه السلام ] ، فقال : سدير عصيدة بكل لون [1] . مما يشير إلى أن سديراً كان يتأثر بالمحيط الذي حوله . . ويبادر لاتخاذ المواقف قبل استكناه حقائق الأمور ومعرفة دقائقها . 14 - عن الفضل الكاتب أنه لما جاء كتاب أبي مسلم إلى الإمام الصادق ، قال [ عليه السلام ] : ليس لكتابك جواب ، أخرج عنا ، فجعلنا يسار بعضنا بعضاً ، فقال : " أي شئ تسارّون يا مفضل ؟ ! إن الله عز ذكره لا يعجل لعجلة العباد ، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله . . ثم قال : إن فلان بن فلان ، حتى بلغ السابع من ولد فلان . قلت : فما العلامة فيما بيننا وبينك ، جعلت فداك ؟ ! قال : لا تبرح الأرض يا مفضل حتى يخرج السفياني ، فإذا خرج السفياني ، فأجيبوا إلينا . . إلخ [1] . . وحديث : إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك لم تنقض أيامه . . مروي عن النبي [ صلى الله عليه وآله ] أيضاً [2] . ونقول : أولاً : إنه فضلاً عن ضعف سند الحديث بالفضل بن سليمان الكاتب - فإن مفاد الحديث : أن الإمام الصادق [ عليه السلام ] ، يطلب من شيعته التريث ، وعدم المبادرة للإنخراط في ثورة أبي مسلم . . فإنه لما سأله الفضل عن العلامة قال له : إن العلامة هي خروج السفياني ، مما يعني أن ما يريده الفضل من ظهور دولتهم [ عليهم السلام ] ، لا يحصل إلا على يد الإمام المهدي [ عليه السلام ] . فليس للناس أن يجيبوا أحداً من قرابة النبي [ صلى الله عليه وآله ] ، يدّعي لنفسه مقام المهدية ، قبل أن يخرج السفياني . . مما يدل على كذب من يدّعيها قبل ذلك . . ثانياً : إن الإمام [ عليه السلام ] لم يكن هو الذي حرّك أبا مسلم ، ولا كان هو الذي أرسله . . فاستغاثة أبي مسلم به [ عليه السلام ] ، إنما هي لتقوية أمره ، وللاستفادة من شيعته ، ثم يكون له بعد إسقاط حكومة الأمويين شأن آخر . . ويوضح ذلك ما روي : من أنه حين ظهر المسودة قبل أن يظهر ولد العباس ، جاء معلى بن خنيس إلى الإمام الصادق [ عليه السلام ] ، بكتاب عبد السلام بن نعيم ، وسدير ، وغيرهم ، يقولون له فيه : إنا قد قررنا أن يؤول هذا الأمر إليك ، فما ترى ؟ ! قال : فضرب بالكتب الأرض ، ثم قال : أف . أف . ما أنا لهؤلاء بإمام ، أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني ؟ [1] . وعن أبي بكر الحضرمي ، قال : دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله ، وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان . فقلنا : ما ترى ؟ ! فقال : اجلسوا في بيوتكم ، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل ، فانهدوا إلينا بالسلاح [2] . . وعن عمر بن حنظلة : سمعت أبا عبد الله [ عليه السلام ] يقول : خمس علامات قبل قيام القائم [ عليه السلام ] ، الصيحة ، والسفياني ، والخسف ، وقتل النفس الزكية ، واليماني . فقلت : جعلت فداك ، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات ، أنخرج معه ؟ قال : لا . الخ [1] . . ونقول : أولاً : بالنسبة لرواية عمر بن حنظلة ، نقول : إن سندها وإن كان تاماً ، لكن الظاهر هو أن الحديث فيها وفي ما سبقها هو عن الخروج مع المدّعين لمقامات ليست لهم ، وهم من قرابة النبي [ صلى الله عليه وآله ] ، ولعله لأجل ذلك قيد عمر بن حنظلة سؤاله ، بقوله : إن خرج أحد من أهل بيتك الخ . . ويزيد ذلك وضوحاً : أن هذا السؤال قد جاء عقيب حديث الإمام [ عليه السلام ] عن علامات القائم الدالة عليه دلالة تامة . . وذلك يشير إلى أن عمر بن حنظلة يريد من الإمام أن يؤكد له أقواله السابقة ، وهو أن كل من خرج قبل هذه العلامات ، فليس هو المهدي الموعود ، حتى لو كان من أهل البيت . ثانياً : إن الروايات ظاهرة في أن بعض شيعة الإمام [ عليه السلام ] ، قد خدعوا بحركات بني العباس وشعاراتهم ، وظنوا أنهم صادقون ، وأن بالإمكان أن يؤول الأمر إلى الإمام [ عليه السلام ] . . فكانوا مهتمين بالمشاركة فيها . . فكان الإمام [ عليه السلام ] يؤكد لهم أنها لا ترتبط به ، وأنه ليس إماماً للقائمين فيها . . وأن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ، هو صاحب أهل البيت [ عليهم السلام ] ، وباني دولة الحق . . وعلامته أن يقتل السفياني ، بالإضافة إلى الخسف ، والصيحة وغير ذلك . . ثم أمر الناس بأن لا يشاركوا في أي حركة لأي مدع لإمامة إلا إذا كان على رأسها الإمام نفسه . . 15 - يستدل أيضاً بالروايات التي تقول : لا جهاد إلا مع الإمام العادل ، أو مع إمام عادل [1] . مع أنها : أولاً : ضعيفة السند . ثانياً : إن وصف الإمام بالعادل ، أو بالمفترض الطاعة ، في تلك الروايات يجعلنا نرجح أن المراد بها مطلق الإمام العادل ، لا خصوص المعصوم . . ثالثاً : إن تلك الروايات قد تكون بصدد ردع الناس عن الخروج ، مع من يدّعون الإمامة بغير حق ، وعن القتال مع حكام الجور أيضاً بصورة عامة . 16 - قد يستدل بما رواه الحسين بن خالد ، عن الإمام الرضا [ عليه السلام ] ، وفيها : " فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا ، فليس منا " ( 1 ) . ونقول : أولاً : إن سند الرواية ضعيف . ثانياً : إن قيام دولة حق قبل ظهوره [ عليه السلام ] ، لا يعني ارتفاع التقية ، بل تبقى التقية في كثير من الموضوعات التي يوجب إظهارها - أحياناً - بلبلة في الاعتقاد ، أو يعرض المؤمنين إلى مصاعب ومتاعب مع الآخرين . . وأخيراً نقول : إن الإسلام ليس مجرد طقوس وشعائر ، أو توجيهات روحية ، وأخلاقية ، وسلوكية ، يمارسها الناس أفراداً وجماعات . بل هو دين الله ، وشريعته وأحكامه ، وفيه سياسات ، وفيه حدود وتعزيرات ، وهو يقتل القاتل ، ويرجم أو يجلد الزاني ، ويقطع يد السارق ، ويسجن ، ويعزر من يستحق السجن والتعزير ، وينفي من الأرض من حكمه النفي ، وما إلى ذلك . . وفي هذا الإسلام أيضاً ، أمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، بالقلب ، وباللسان ، وباليد . وفيه رفض للظلم ، ومواجهة للظالمين ، وهو يفرض قول كلمة الحق أمام السلطان الجائر . . ويفرض الجهاد دفاعاً عن بيضة الإسلام ، وحفظاً للمسلمين . . وفي هذا الإسلام كذلك ، قضاء بين الناس ، وفصل لخصوماتهم ، كما أن فيه قتال للفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله . هذا بالإضافة إلى أحكام المواريث ، والتجارات والمعاملات ، وفيه أمور ليس لها مخاطب بخصوصه ، ولا بد من التصدي لإنجازها ، حفظاً للنظام العام ، وصيانة لحياة ومصالح الناس . . وفيه . . وفيه . . ولا شك أن معظم أحكام الإسلام هذه ، تحتاج إلى السلطة وإلى الهيمنة ، ليمكن إقامتها ، وفرضها ، وحفظها . . فإذا كان الإسلام يرضى بعدم التصدي لإقامة النظام ، وتسلم زمام السلطة فذلك يعني : أنه يرضى بقتل المسلمين وبإستعبادهم ، ومنعهم من إقامة شعائر دينهم ، ومن إجراء أحكامه ، ولا يهمه تعطيل شرائعه ، وإسقاطها ، وإبطال تأثيرها . وهذا ما لا بد من تنزيه ساحة المشرع الحكيم عنه ، وتبرئته منه . . بل المتوقع هو أن يشرع الله سبحانه كل ما من شأنه حفظ شرعه ، وإقامة دينه ، وتطبيق أحكامه ، وقد قال تعالى : ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) [1] . إلا إذا كان تشريع التصدي لإقامة الدولة يوجب ذهاب أصل الدين . . فتضييع جانب منه يكون أولى من تضييعه كله . . وهذا فرض وهمي لا حقيقة له . . فإن وجود سلبيات بهذا الحجم لهذا التشريع غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله الطاهرين . .