- العراق
منذ سنتين

هل يتعلم علي من النبي [ صلى الله عليه وآله ] ؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطاهرين . سماحة العلامة [ السيد جعفر مرتضى العاملي ] دامت بركاته . . يقول الإمام أمير المؤمنين [ عليه السلام ] : " علمني رسول الله ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب " ( 1 ) . هل يقدح بكمال المعصوم كونه تعلم العلم وإن كان من معصوم آخر ؟ وهل يعني تعلمه لهذه الأبواب [ صلوات الله وسلامه عليهم ] خلوه من هذه المعرفة قبل ذلك . إن لم يكن كذلك فما هي طبيعة هذا التعليم والتعلم ؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن الإجابة على سؤالك أيها الأخ الكريم تكون في ضمن النقاط التالية : 1 - إنه لا شك في أن علياً [ عليه السلام ] ، هو نفس رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، بنص القرآن الكريم في آية المباهلة : ( وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) [1] . 2 - إن درجة النبوة الخاتمة قد كانت للنبي الأكرم [ صلى الله عليه وآله ] . . وهو أعظم مقام يمكن أن يناله بشر . . كما أن درجة الإمامة والمقام الأعظم فيها هي تلك الإمامة التي ترتبط بالنبوة الخاتمة بلا فصل أيضاً . . وقد اختص الله بهذا المقام الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام . بل إن نبي الله إبراهيم [ عليه السلام ] ، حين نال مقام الإمامة ، فإن درجتها لم تكن في حد درجة الإمامة المرتبطة بالنبوة الخاتمة . . وقد حكى الله سبحانه عن إبراهيم ، فقال : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [1] . وقد زاد الله تعالى في إكرام علي [ عليه السلام ] ، بأن جعل من ذريته ، أحد عشر إماماً . . قد نالوا شرف الارتباط بإمامته العظمى ، ومن النبي [ صلى الله عليه وآله ] - من خلال الزهراء [ عليها السلام ] - شرف الارتباط بالنبوة الخاتمة . . 3 - إن للإمامة العظمى المرتبطة بالنبوة الخاتمة مقاماتها وعلومها المناسبة لها . . فلا بد من نيل تلك العلوم ، والوصول إلى تلك المقامات . . ونحن نعلم أن علوم الشريعة والأحكام لا تختلف درجات علم الأئمة بها . . كما دلت عليه الروايات . . فلا بد أن يكون التمييز والتفاضل بين الأئمة هو في علوم أرقى منها . . وهذه هي التي ورد عن الأئمة [ عليهم السلام ] : أن بعضهم أعلم من بعض فيها . . وهذا السنخ من العلوم هو المقصود بكلام أمير المؤمنين [ عليه السلام ] : علمني رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب . . فالرسول [ صلى الله عليه وآله ] ، قد علم علياً [ عليه السلام ] ، مفاتيح علوم عظيمة هي الأرقى في سلسلة أسرار الغيوب التي يختص الله تعالى بها بعض عباده كنبي الله محمد [ صلى الله عليه وآله ] ، ووصيه علي أمير المؤمنين [ صلوات الله وسلامه عليه ] . . 4 - قال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) [1] ولا شك في أن مقام الرضى الأعظم قد كان لرسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، من بين جميع الأنبياء والمرسلين ، لأنه أفضلهم وأكرمهم على الله سبحانه ، وأشرفهم منزلة ، وأقربهم من الله زلفى . وعلي [ عليه السلام ] هو المرتضى من رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، كما روي عنه [ عليه السلام ] في بيان هذه الآية المباركة . 5 - وقد حدد الله سبحانه وسائل معينة يتم من خلالها إيصال المرادات الإلهية إلى الرسل فقال : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ) [2] ، فالرسول الذي يلقي بالإذن ، هو الوحي بواسطة الملك ، وهو جبرائيل بالنسبة لنبينا الأعظم [ صلى الله عليه وآله ] . وجبرائيل كان يتعلم من رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، وكان الرسول [ صلى الله عليه وآله ] ، أفضل منه . . فوساطته كانت شرفاً له . . وتكليم الله سبحانه لموسى [ عليه السلام ] ، بواسطة الشجرة تكليم له من وراء حجاب . والوحي بواسطة كالرؤيا والإلهام يدخل في قوله تعالى : ( إِلاَ وَحْياً ) [3] ، لأنه إلقاء للمعاني في قلب رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] . . ومن وسائل الاطلاع على الغيب أيضاً كشف الحجاب عن اللوح المحفوظ وعن أم الكتاب لرسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، ليطلعه سبحانه على غيوبه . . 6 - وأما فيما يرتبط بانتقال علوم المعصومين [ عليهم السلام ] ، إلى بعضهم البعض ، فلا ريب أيضاً ، في أن لوراثتهم علوم بعضهم البعض طرائق وحالات ، تناسبهم وتنسجم مع واقع وجودهم ، ومع طبيعة تعاطيهم مع هذا الخلق والوجود بصورة عامة ، ومع بعضهم البعض بصورة خاصة . 7 - والله سبحانه يطلع رسوله على غيبه ، ويكشف له المكنون المخزون ، أو فقل : المكفوف في أم الكتاب ، كما في بعض الروايات [1] ، وفي اللوح المحفوظ . حيث يمكِّن الله تعالى نبيه [ صلى الله عليه وآله ] ، من الإشراف عليه ، دون سواه من خلقه ، فيكون ذلك اللوح أو الكتاب هو المرآة التي تعكس غيبه تعالى على القلب الأطهر ، والروح والنفس الأصفى للرسول الأعظم [ صلى الله عليه وآله ] . . 8 - فلا غرو بعد هذا أن ينال علي [ عليه السلام ] ، ذلك الغيب بالذات ، وتكون واسطة الفيض له هي قلب الرسول ، المشرف على اللوح بصورة مباشرة . . وتكون نفسه الشريفة [ صلى الله عليه وآله ] ، هي المرآة الصافية التي تعكس لعلي [ عليه السلام ] ما في ذلك اللوح أو أم الكتاب تماماً كما كان الإشراف المباشر وكشف اللوح أو أم الكتاب له ، الواسطة في اطلاع الرسول [ صلى الله عليه وآله ] ، على غيب الله سبحانه وتعالى . . فليست القضية إذن قضية علم وجهل . . وليس في تعليم الرسول [ صلى الله عليه وآله ] . . أي انتقاص من مقام علي [ عليه السلام ] . . بل هو تشريف له وتكريم لم يبلغه بشر ، أن تكون وسيلته لنيل تلك الغيوب هي الإشراف على قلب ونفس الرسول الأكرم والأفخم والأعظم ، عند الله تعالى ، من بين كل ما خلق . . علماً بأن هذه التراتبية في الإشراف والإفاضة إنما هي في هذه النشأة الخاضعة لأحكام ونواميس خاصة بها ، وإن كانا في النشأة الأخرى والأرقى يكونان متقاربين حيث خلقهم الله سبحانه من قبل خلق الخلق بألف دهر ، ثم أشهدهم خلق كل شيء ، كما ورد في الحديث الشريف ، ويكون التأخر رتبياً كما هو ظاهر . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى وصيه أمير المؤمنين ، وعلى الأئمة الأطيبين الأطهرين . . وعلى الزهراء البتول سيدة نساء العالمين . . 3 / 6 / 1423 للهجرة .