- العراق
منذ سنتين

الدين والنظام

لقد شاع بين أهل الإيمان أن الدين الإسلامي نظام سياسي ، اجتماعي ، تربوي ، إقتصادي وما إلى ذلك . . وأصبحنا نرى محاولات مقارنة بين أحكام الدين وبين أنظمة دول العالم ومجتمعاته ومنظماته ، فهل هذا صحيح ؟ !


هناك فرق جوهري بين الدين وبين القانون . . فالقانون نظام عملي يجري عليه الناس ، بهدف جلب المنافع ، ودفع المضار الدنيوية . وقد يسعى بعض الناس إلى التحايل عليه ، والتملص منه ، فينجحون في ذلك . . دون أن يمكن اكتشاف أمرهم ، أو حتى دون أن يجد أحد سبيلاً قانونياً لمؤاخذتهم . . أما الدين فهو حقائق إيمانية ، وتكاليف إلهية ، ومفاهيم ، وقيم ، وفهم حقيقي للكون وللحياة ، وسمو روحي ، وطريقة ومنهج حياة ، يهدف إلى تسخير كل ما في الكون للوصول إلى الله . . ويمكن للإنسان أن يجد الكثير من الأبواب التي تحقق له هذا القرب المنشود ، ويفوز ويسعد بما أعده الله له من أجر جميل ، وثواب جزيل . والدين لا يعني فقط بما يرتبط بالحياة مع الآخر ، أو بالتعامل مع الموجودات المحيطة به . . بل هو تربية للنفس ، وبناء لشخصية الإنسان من الداخل ، واختيار للخصائص الإنسانية ، في عمق الوجود الإنساني . . ورؤية وصلة إلهيّة شاملة لكل حقائق الكون والوجود والحياة . . وتمازج وانصهار حقيقي في بوتقة الهدى الإلهي . فلا يصح إذن القول : إن الإسلام مجرد نظام سياسي أو منهج تربوي ، أو نظام معاملات ، أو نظام عبادات ، أو نظام اقتصادي . أو حتى نظام حياة . بل الدين أعظم من ذلك كله . . إذ لو كان نظاماً لما كان ثمة من حاجة إلى الأنبياء ، ولا كان ثمة من حاجة إلى تقديس شيء . ولو كان الدين هو مجرد أنظمة , لم يكن ثمة حاجة إلى الحديث عن الماضين ، ولا عن خلق الإنسان ، ولا عما جرى بين آدم [ عليه السلام ] وإبليس . . ولا حاجة إلى دعوة الإنسان إلى جعل كل حركاته وسكناته عبادة لله ، وتقرباً إليه سبحانه . . بل الدين في حقيقته هو مسيرة الإنسان إلى الله سبحانه لنيل درجات القرب والزلفى . وهذا طريق طويل وشاق ، يحتاج إلى وسائل تناسبه ، وتناسب المراحل التي يمر فيها . ومن الواضح : أنه كلما بلغ الإنسان مرتبة ومقاماً ؛ فإنه سيجد أمامه مجهولات مختلفة ، وفي جميع الاتجاهات . يحتاج إلى كشف مبهماتها ، وحل معضلاتها . وأي باب يدخله منها ، سوف تواجهه مجموعة أخرى مما يحتاج إلى كشف وإيضاح ، وإلى هدايات أخرى أكثر وأكبر . ولربما تختلف في حقيقتها وفي سنخها . ولن يستطيع الإنسان بعقله هذا القاصر وفهمه المحدود أن ينال معرفتها ، أو أن يحل رموزها ، ويوضح مبهماتها . . بل هو بحاجة إلى هدايات إلهية تناسب ذلك الموقع الذي وصل إليه . . وكل إنسان يحتاج إلى ما يناسبه . فلسلمان هداية غير هداية أبي ذر ، وهكذا سائر البشر . . وهذا ما يؤكد الحاجة إلى النبي [ صلى الله عليه وآله ] وإلى الإمام في كل حين . فالإمام ليس مجرد معلم ومبلغ للأحكام ، ولا مجرد حافظ للشريعة . . بل الإمام حافظ للوجود كله ، ولحياتنا كلها . .

2