أولاً : لا بد من إثبات : أن هذه التسمية قد جاءت من الله ، أو من قبل رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] . . أو اثبات أن رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] قد أمضاها وقبلها ، وبذلك تكون فضيلة لأبي بكر . .
وإلا ، فإن كل إنسان يقدر على أن يسمي نفسه أو من يحب بأفضل الأسماء أو الألقاب ، حتى لو كان لا يستحق المسمى بها شيئاً منها ، بل كان اللائق به هو ما يناقضها وينافيها . .
ثانياً : إن روايات أهل السنة متناقضة حول الحدث ، أو السبب الذي برر تسمية أبي بكر بالصدّيق . .
فقيل : إن ذلك كان حين بعثة النبي [ صلى الله عليه وآله ] حيث صدقه أبو بكر . .
وقيل : بل كان حين الإسراء حين صار النبي [ صلى الله عليه وآله ] يصف لهم بيت المقدس ، وأبو بكر يصدقه في ذلك . .
وقيل : إنه كان حين المعراج حيث وجد اسمه مكتوباً في
السماء : أبو بكر الصديق . .
ولكننا أثبتنا في كتابنا : " الصحيح من سيرة النبي الأعظم [ صلى الله عليه وآله ] " : أن الإسراء والمعراج قد كان قبل إسلام أبي بكر ، وأثبتنا أيضاً : أن إسلام أبي بكر قد تأخر عدة سنوات ، فلا مجال للاعتماد على هذين القولين أصلاً .
وثالثاً : إن علياً [ عليه السلام ] قد كذّب صحة نسبة هذا اللقب إلى أبي بكر ، وقد أعلن ذلك على منبر البصرة . حيث قال - فيما روي عنه - : " أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر . . وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر . . " وقال : " أنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري إلخ . . " وعن النبي [ صلى الله عليه وآله ] أنه قال لعلي : هذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل .
والنصوص في ذلك كثيرة جداً ، ذكرناها مع مصادرها في الجزء الرابع من كتابنا : " الصحيح من سيرة النبي الأعظم [ صلى الله عليه وآله ] ص 44 / 50 " .
فبعد هذا البيان الواضح والصريح ، فإن كل من يدعي الصديقية لغير الإمام علي [ عليه السلام ] فهو كذاب مفتر ، بحكم علي [ عليه السلام ] . .
رابعاً : لو كانت تسمية أبي بكر بالصديق قد حصلت في زمن رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] لاحتج بها أبو بكر أو عمر ، أو غيرهما في السقيفة على الأنصار ، كما احتجوا بسنه ، وبكونه صاحب النبي [ صلى الله عليه وآله ] في
الغار . والصديقية أدل على ما يريدون ، وأشد إلزاماً بالحجة لخصومهم ، وأقرب إلى الإقناع .
فإلى متى يدخرون هذه الحجة الدامغة ، فإنه لا عطر بعد عرس . .
خامساً : هناك روايات عن رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، تقول : الصديقون ثلاثة : حزقيل ، مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار ، صاحب آل ياسين ، وعلي بن أبي طالب [ عليه السلام ] . الثالث أفضلهم .
ويلاحظ : أنه في بعض المعاهدات التي شهد عليها أبو بكر ، قد كتب فيها " أبو بكر الصديق " - حسب بعض المصادر - مع أنها غير موجودة في مصادر أخرى . . الأمر الذي يشير إلى تلاعب متعمد من قبل من يهمهم إثبات هذا اللقب له ، في زمن الرسول [ صلى الله عليه وآله ] .
وحول الإشارة إلى أمير المؤمنين على أنه هو الفاروق ، نقول : إن كلمة الفاروق . . قد ورد في الروايات : أنها لقب منحه أهل الكتاب لعمر بن الخطاب [1] . .
بل تذكر بعض المصادر : أن أصل الكلمة أيضاً غير عربي . . أي أنها مأخوذة من [ فرق ] . ومعناها : أنقذ ، أو أعتق ، أو خلص [2] ولا يزال
النساطرة يقولون : " ايشافارقا " أي عيسى مخلص .
وقد ذكر كعب الأحبار لعمر حين دخل القدس : أن الله أرسل نبياً إلى القدس يقول لها : " أبشري أوري شلم عليك الفاروق ينقيك مما فيك " [1] . وقد دخل عمر بيت المقدس راكباً على حمار [2] .
ويذكر اليهود في كتبهم المقدسة : أن مخلصهم يأتي راكباً على حمار . . فراجع [3] . .
وعلى كل حال فإن الظاهر هو أن اليهود يعتبرون عمر هو " المسيا " أي المخلص لهم . . ولهذا البحث مجال آخر . .
ولكن مما لا شك فيه : هو أن لعمر مكانة عظيمة عندهم ، وهم يعبرون عنه ب " حبيب إسرائيل " أو " صديق إسرائيل " أو " عاشق إسرائيل " [4] .