logo-img
السیاسات و الشروط
- العراق
منذ 4 سنوات

( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) . . والإمامة

ورد على خاطري سؤال ، بعد أن قرأت لبعض الأخوة أن قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) . [ الآية ] نزلت قبل بيعة الغدير بوقت طويل . فهل هذه الآية مدنية أو مكية ؟


زعموا أن سورة المعارج مكية ، وهو ما ذكرته الرواية عن ابن عباس أيضاً ( 1 ) ، وابن الزبير ( 2 ) . والصحيح أنها نزلت في المدينة ، بعد حادثة الغدير ، حيث طار خبر ما جرى في غدير خم في البلاد ، فأتى الحارث بن النعمان الفهري " أو جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري " . قال الأميني : " لا يبعد صحة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر ، حيث إن جابراً قتل أمير المؤمنين [ عليه السلام ] والده النضر صبراً ، بأمر من رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] لما أسر يوم بدر " [1] . فقال : يا محمد ، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ، ففضلته علينا ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله ؟ ! فقال رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] : والذي لا إله إلا هو ، إن هذا من الله . فولى جابر ، يريد راحلته ، وهو يقول : اللهم ، إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته ، وخرج من دبره ، وقتله . وأنزل الله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) الآية ( 2 ) . وقد رد ابن تيمية هذا الحديث لعدة أدلة أوردها وتبعه غيره [1] . وأدلته هي التالية : 1 - إن قصة الغدير إنما كانت بعد حجة الوداع بالإجماع - والروايات تقول : إنه لما شاعت قصة الغدير جاء الحارث وهو بالأبطح بمكة . مع أن اللازم أن يكون مجيئه الرسول [ صلى الله عليه وآله ] في المدينة . 2 - إن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم . . 3 - إن قوله : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، نزلت عقيب بدر بالاتفاق . وقصة الغدير كانت بعد ذلك بسنين . 4 - إن هذه الآية نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكة ، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي [ صلى الله عليه وآله ] لقوله تعالى : ( مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) . 5 - لو صح ذلك لكانت آية كآية أصحاب الفيل ، ومثلها تتوفر الدواعي على نقله ، مع أن أكثر المصنفين في العلم وأرباب المسانيد والصحاح والفضايل والتفسير والسير قد أهملوا هذه القضية ، فلا تروى إلا بهذا الإسناد المنكر . 6 - إن الحارث المذكور في الرواية كان مسلماً حسبما ظهر في خطابه المذكور مع النبي [ صلى الله عليه وآله ] ، ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً لم يصبه عذاب على عهد النبي [ صلى الله عليه وآله ] . 7 - إن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة ، ولم يذكر في الاستيعاب ولا ذكره ابن منده ، وأبو نعيم وأبو موسى في تآليفهم في أسماء الصحابة . ونقول : إن جميع ذلك لا يمكن قبوله . . وسوف نكتفي بما ذكره العلامة الأميني [ رحمه الله ] ، فنذكره ملخصاً ، فنقول : 1 - الدليل الأول ( 47 ) : بالنسبة للدليل الأول نقول : ألف : إن كلمة الأبطح إنما وردت في بعض الروايات دون بعض ، فإطلاق الكلام بحيث يظهر منه أن الإشكال يرد على جميعها في غير محله . . وعبارة تذكرة الخواص ، ومعارج العلى أن مجيء السائل كان إلى المسجد . وقد نص في السيرة الحلبية على أن ذلك قد كان في مسجد المدينة . ب - إن كلمة الأبطح لا تختص ببطحاء مكة ، بل هي تطلق على كل مسيل فيه دقائق الحصى [1] . وقد ورد في البخاري في صحيحه [2] ، أحاديث ترتبط بالبطحاء بذي الحليفة . وورد التعبير بذلك أيضاً في كلام عائشة عن موضع قبر النبي [ صلى الله عليه وآله ] [3] . وثمة أحاديث عن حذيفة بن أسيد ، وعامر بن ليلى ، تذكر في أحاديث الغدير : أنه حين رجوع النبي [ صلى الله عليه وآله ] من حجة الوداع ، فلما كان بالجحفة نهى عن سمرات متقاربات بالبطحاء أن لا ينزل تحتهن أحد [4] . حديث عن بطحاء واسط ، وبطحاء ذي الحليفة ، وبطحاء ابن أزهر ، وبطحاء المدينة ، وهو أجل من بطحاء مكة ، وقد نسب البطحاوي العلوي إلى جده قوله : وبطحا المدينة لي منزل فيا حبذا ذاك من منزل . . وفي قول حيص بيص المتوفي سنة 574 ه‌ . ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح ويوم البطحاء [ منسوب إلى بطحاء ذي قار ] من أيام العرب المعروفة . ومن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين [ عليه السلام ] : أنا ابن المبجل بالأبطحين وبالبيت من سلفي غالب قال الميبذي في شرحه : يريد أبطح مكة والمدينة . 2 - الدليل الثاني ( 48 ) : وأما الجواب عن الدليل الثاني ، وهو أن سورة المعارج مكية بالإجماع لا مدنية ، فنقول : أولاً : إن الإجماع إنما هو على أن مجموع السورة كان مكياً ، لا جميع آياتها . فلعل هذه الآية بالخصوص كانت مدنية . . وقد يعترض على ذلك بأن المتيقن في اعتبار السورة مكية أو مدنية هو تلك التي تكون بداياتها كذلك ، أو تكون تلك الآيات التي انتزع اسم السورة منها كذلك . . والجواب عن ذلك . . ألف : إن هناك سوراً كثيرة يقال عنها إنها مكية مثلاً مع أن أوائلها تكون مدنية ، وكذلك العكس ، وذلك مثل : سورة العنكبوت . . فإنها مكية إلا عشر آيات من أولها [1] . سورة الكهف . . مكية إلا سبع آيات من أولها [2] . سورة المطففين مكية إلا الآية الأولى [ وفيها اسم السورة ] [3] سورة الليل مكية إلا أولها : [ وفيها اسم السورة أيضا ] [4] . وهناك سور أخرى كثيرة مكية ، وفيها آيات مدنية . . فراجع . . ب - وهناك سور مدنية وفيها آيات مكية ، مثل : سورة المجادلة ، فإنها مدنية إلا العشر الأول [ وفيها تسمية السورة ] [5] . سورة البلد وهي مدنية إلا الآية الأولى ، [ وفيها اسم السورة ] . وحتى الرابعة [6] ، وغير ذلك . ثانياً : إننا لو سلمنا : أن هذه السورة مكية فإن ذلك لا يبطل الرواية التي تنص على نزولها في مناسبة الغدير ، لإمكان أن تكون قد نزلت مرتين ، فهناك آيات كثيرة نص العلماء على نزولها مرة بعد أخرى ، عظة وتذكيراً ، أو اهتماماً بشأنها ، أو اقتضاء موردين لنزولها أكثر من مرة ، نظير : البسملة ، وأول سورة الروم ، وآية الروح . وقوله : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . . ) . وقوله : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) . وقوله : ( أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) . وسورة الفاتحة ، فإنها نزلت مرة بمكة حين فرضت الصلاة ، ومرة بالمدينة حين حولت القبلة ، ولتثنية نزولها سميت بالمثاني . وعن الدليل الثالث أجاب : أن نزول الآية قبل سنوات ، لا يمنع من أن يتفوه بها هذا المعترض على الله ورسوله ، يظهر كفره بها . ولعله قد سمعها من قبل ، فآثر أن يستخدمها في دعائه ، لإظهار شدة عناده وكفره أخزاه الله . < فهرس الموضوعات > 4 - الدليل الرابع ( 50 ) : < / فهرس الموضوعات > 4 - الدليل الرابع ( 50 ) : وعن الدليل الرابع أجاب : ألف : إنه قد لا ينزل العذاب على المشركين لبعض الأسباب المانعة من نزوله ، مثل إسلام جماعة منهم ، أو ممن هم في أصلابهم ، ولكنه ينزل على هذا الرجل الواحد المعاند في المدينة لارتفاع المانع من نزوله . ب : قد يقال : إن المنفي في آية ( مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) هو عذاب الاستئصال للجميع ، ولا يريد أن ينفي نزول العذاب على بعض الأفراد . . ج : قد دلت الروايات على نزول العذاب على قريش ، وذلك حين دعا رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] عليهم بأن يجعل سنيهم كسني يوسف [ عليه السلام ] فارتفع المطر ، وأجدبت الأرض ، وأصابتهم المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف [1] . . د : إنه قد نزل العذاب أيضاً على بعض الأفراد بدعاء رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، كما جرى لأبي زمعة ، الأسود بن المطلب ، ومالك بن الطلالة ، [2] وما جرى للحكم بن أبي العاص [3] ، وما جرى لجمرة بنت الحارث [4] . وكما جرى لذلك الرجل الذي كذب على رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] [5] وما جرى للهب بن أبي لهب [1] وكذلك عتبة بن أبي لهب [2] . ه‌ : قد هدد الله قريشاً بقوله : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) . . وإذا كان مناط الحكم هو إعراض الجميع ، فإن الصاعقة لم تأتهم لأن بعضهم قد آمن . ولو أنهم استمروا جميعاً على الضلال لأتاهم ما هددهم به . ولو كان وجود النبي [ صلى الله عليه وآله ] مانعاً من جميع أقسام العذاب ، لم يصح هذا التهديد . . ولما أصيب الحكم بن أبي العاص ، وغيره ممن تقدمت أسماؤهم . . 5 - الدليل الخامس ( 51 ) : وعن الدليل الخامس أجاب [ رحمه الله ] : إن حادثة الفيل استهدفت تدمير أعظم رمز مقدس لأمة بأسرها ، فالدواعي متوفرة على نقلها . . أما قصة هذا الرجل الذي واجه رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] في قضية الغدير ، فالدواعي لنقلها أقل بكثير ، وهي ككثير من معجزات الرسول [ صلى الله عليه وآله ] التي لم تنقل عن طريق الآحاد ، وبعضها قد قبله المسلمون من دون نظر في سنده . . بل الدواعي متوفرة على طمس هذه القضية ، وذلك إمعاناً في إضعاف واقعة الغدير ، وإبعادها عن أذهان الناس وإنساء الناس لها . وأما دعواهم : أن المصنفين قد أهملوا هذه القضية ، فهي مجازفة ظاهرة ، إذ قد تقدم أن كثيرين منهم قد رووها . . وعن الدليل السادس أجاب [ رحمه الله ] : بأن الحديث كما أثبت إسلام الحارث ، فإنه قد أثبت ردته . . والعذاب نزل عليه ، بعد ردته لا حين إسلامه ، فلا يصح قوله : إنه لم يصب العذاب أحداً من المسلمين في عهد النبي [ صلى الله عليه وآله ] . ثم ذكر شواهد عن عذاب لحق المسلمين في عهد رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] كقصة جمرة بنت الحارث ، وغيرها . وقصة ذلك الذي ركل عند النبي [ صلى الله عليه وآله ] بشماتة وقد رواها مسلم في صحيحه ، وقصة الأعرابي الذي عاده رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] . . وأنه حين ناقض رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] في ما يجري له . . قال له النبي [ صلى الله عليه وآله ] : فنعم إذا . فما أمسى من الغد إلا ميتاً ( 1 ) . وكذا بالنسبة لمن نقى شعره في الصلاة ، فقال له [ صلى الله عليه وآله ] قبح الله شعرك ، فصلع مكانه ، ( 2 ) . وأجاب عن الوجه السابع : بأن معاجم الصحابة لم تستوف ذكر جميعهم ، وقد استدرك المؤلفون على من سبقهم أسماء لم يذكروها . وقد أوضح العسقلاني ذلك في مستهل كتابه " الإصابة " فراجع . . وقد ذكروا : أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] توفي وكان عدد من رآه وسمع منه زيادة على مئة ألف إنسان . . أضف إلى ذلك : أنه قد يكون إهمال ذكر هذا الرجل في معاجم الصحابة كان لأجل ردته . . تلك هي خلاصة لما ذكره العلامة الأميني في كتابه القيم " الغدير " ونظن أنها تكفي لإعطاء صورة من هذا الموضوع ، وللعلامة الطباطبائي في كتاب " الميزان " ج 2 ص 5 و 6 و 11 وج 9 ص 67 - 71 كلام مفيد أيضاً فليراجع . والحمد لله رب العالمين

2