- العراق
منذ سنتين

التواتر الإجمالي بضرب الزهراء [ عليها السلام ]

سيدي الفاضل ، في أحد مواضيع الحوار في شبكة من شبكات الإنترنت الحوارية طرح أحد الأخوة الأفاضل تساؤلاً ، وبما أنه لم يلق الإجابة عليه لأن الموضوع أغلق من قبل المشرفين ، فأحببت أن أنقله لكم ، وكلي أمل بأن تتكرموا علينا بالإجابة عليه ، قال : " لي أن أتساءل منكم علميا فقط ، وإن كنت في داخل نفسي لا أستبعد تجرأ الظالمين لأهل البيت [ عليهم السلام ] على ارتكاب كل جريمة بعد الذي فعلوه " . السؤال هو : من أين ثبت لكم التواتر الإجمالي بضرب الصديقة الطاهرة [ عليها السلام ] ، وإسقاط جنينها بالشكل الذي يمنع البحث التاريخي في الإثبات أو عدم الإثبات للحادثة ؟ ! . هلا تفضلتم بذكر المصادر الشيعية الموثقة التي روت الحادثة إلى درجة التواتر الإجمالي ؟ ويمكنكم الاستعانة بالمصادر السنية لتأييد ادعاء التواتر . وكما تعلمون ، فإن دعوى التواتر على صعيد الرواية والحديث دعوى كبيرة جدا في البحث العلمي . نعم الثابت بالتواتر الإجمالي أصل الهجوم على الدار . وهذا ما يعتقده أيضاً سماحة السيد فضل الله كما سأذكر في نهاية المداخلة " ثم قال : " إليك رأي سماحة السيد فضل الله في ظلامة الهجوم على الدار ، أوردها في كتابه : [ الزهراء القدوة ] تحت عنوان [ ظلاماتها ] : قال حفظه الله : " 1 - الهجوم على الدار : ذكر المؤرخون ومنهم ابن قتيبة في الإمامة والسياسة أن القوم جاءوا بعد وفاة الرسول وحادثة السقيفة بالحطب ليحرقوا بيت علي وفاطمة ، تهديداً لهما ولمن يعتبرونهم معارضة قد اجتمعت في بيت علي [ عليه السلام ] , وقد قيل لقائد الحملة : يا هذا إن في البيت فاطمة , وفاطمة هي الإنسانة التي يلتقي المسلمون على حبها واحترامها وتعظيمها ، لأنها البنت الوحيدة التي تركها رسول الله بعد وفاته , ولأنها بضعة منه ، يغضبه ما يغضبها ويؤذيه ما يؤذيها . . فكيف تأتي بالنار لتحرق بيتها ولكنه قال كلمته الشهيرة . . وهي قوله : ( وإن ) . . ونحن نعتبر هذه الكلمة من أخطر الكلمات لأنها تعني فيما تعنيه أنه لا مقدسات في هذا البيت فلا مانع من أن يحرق على أهله . . إلى آخر كلام سماحة السيد . هذا وقد أورد سماحة السيد الرواية كاملة في الهامش " . انتهى نقل كلامه .


إن الحديث عن ضرب القوم للزهراء [ عليها السلام ] ، حديث طويل ومتشعب ، وبإمكان السائل الكريم الرجوع إلى مسردٍ لمصادر ذكرناها في الجزء الثاني من كتابنا " مأساة الزهراء [ عليها السلام ] شبهات وردود " . ولكننا نذكره - قبل ذلك - بأن هذا المسرد ليس هو كل ولا هو جل المصادر التي ذكرت ذلك . . فإن المكتبة الإسلامية تحوي أضعاف ذلك من المصادر التي تعرضت لهذا الأمر . وسيجد في هذا المسرد تنوعاً كبيراً ، يظهر أن رواية ضرب الزهراء [ عليها السلام ] ، وإسقاط جنينها لا تقتصر على فريق دون فريق ، ولا على طائفة دون طائفة . . وبالرجوع إلى تلك المصادر سيجد أيضاً تنوعاً في النقول ، وتعرضاً لخصوصيات مختلفة ، تؤكد على تنوع الروايات ، واختلاف رواتها وتعدد اهتماماتهم ، وتوجهاتهم لما يريدون نقله للآخرين . وسيجد في المصادر التي ذكرها هذا المسرد من يهمه إعلان هذا الأمر ، وإعلام الناس به ؛ ومن يهمه كتمانه ، والتستر على الذين صدرت منهم تلك الأمور . وفيه أيضاً : فريق ثالث همه نقل الأحداث ، دون أن يجد في نفسه حرجاً ، أو مانعاً أو دافعاً سوى ذلك . وفيه أيضاً : الشيعي الإمامي ، والمعتزلي ، والإسماعيلي والزيدي ، والأشعري ، والحنفي ، والمالكي ، والشافعي ، والحنبلي ، والظاهري ، والخارجي ، والأديب ، واللغوي ، والشاعر ، والنسابة ، والمحدث ، والفقيه ، والمتكلم ، والرجالي ، والمؤرخ ، والأخباري ، والأصولي ، وغير ذلك . والذين ذكروا تلك الوقائع هم رجالات كبار ، عاشوا في أزمنة مختلفة . . ثم هناك عشرات الروايات الواردة عن المعصومين [ عليهم السلام ] ، وكذلك نصوص الكثير من الأدعية والزيارات المروية عنهم [ صلوات الله وسلامه عليهم ] . وإذا كان هذا الحدث مما توفرت الدواعي على كتمانه ، إما حرصاً على أناس أن لا تظهر لهم أية هفوة ، وسعياً لتنزيههم عن أي شيء من هذا القبيل . وهؤلاء هم أكثر الفرق ، ومعظم المتمذهبين بالمذاهب الإسلامية . وإما خوفاً على النفس ، من أن تتعرض لأبلغ أنواع الأذى ، لو عرف عن الشخص أنه تفوه بشيء من ذلك . . نعم . . إذا كان الحدث مما توفر الدواعي على كتمانه ، والابتعاد عن التفوه به ، فإن وصول هذا الكم الهائل من النصوص ، في هذا السيل من المصادر ، رغم كل التحفظات والموانع والمعوقات . . يصبح واضح الدلالة : على أن كل العقوبات ، وكل الاضطهاد ، والقسوة ، والعنف ، الذي مورس ، لم يستطع إخفاء الحقيقة ، بل هي قد اخترقت الحجب كلها - وكان اللطف الإلهي هو الراعي ، والهادي ، والحافظ ، للأمة من أن تقع فريسة التضليل في أقدس شيء ، وأغلاه . . وأخيراً . . فنحن في غنى عن تذكير القارئ ، بأن هذا التنوع في النصوص التي ذكرنا شطراً منها في الجزء الثاني من كتاب " مأساة الزهراء " ، واختلاف مصادر هذا الحدث ، واختلاف دواعي نقله ، ثم نقل عدد كبير له ممن لا يسعدهم الاعتراف به . . ومع التقاء تلك النصوص الواردة عن الأئمة ، والمؤرخين ، والشعراء والنسابين الخ . . نعم مع التقائها على حقيقة واحدة ، وهي أن الزهراء [ عليها السلام ] قد ضربت بنحو أو بآخر ، وأنه قد نتج عن هذا الضرب إسقاط جنينها ، أو استشهادها [ عليها السلام ] ، فإن النتيجة ستكون هي تجسد هذا التواتر بأقصى حالاته وأجلى مظاهره وأقواه . ولكنه تواتر يعبر عنه بالتواتر المعنوي تارة ، وبالتواتر الإجمالي أخرى ، لاختلاف الحيثيات التي لوحظت في استعمال كلا التعبيرين . . والخبر المتواتر هو : الذي يخبر به جماعة بلغوا في الكثرة حداً أحالت العادة اتفاقهم وتواطؤهم على الكذب ، ويحصل بإخبارهم اليقين . ويختلف ذلك باختلاف الأخبار والمخبرين . . والتواتر المعنوي هو : أن تتعدد الألفاظ ، لكن اشتمل كل واحد منها على معنى مشترك بينها بالتضمن أو الالتزام . . فإذا حصل العلم بذلك القدر المشترك ، بسبب كثرة الأخبار فيكون ذلك الخبر عن القدر المشترك متواتراً . ولا يشترط فيه عدد مخصوص ، وإن اختلفت الأقوال في العدد الكافي في ذلك ، مثل أن يكون أزيد من أربعة ، أو أن لا يقل عن عشرة ، أو أن يصل إلى اثني عشر ، أو عشرين ، أو أربعين ، أو غير ذلك . فقد قلنا : إن المهم هو حصول العلم ، وذلك يختلف بحسب الأشخاص ، وبحسب نفس تلك الأخبار ، خصوصاً تلك التي تتضافر الدواعي على كتمانها . ومهما يكن من أمر ، فإن ما ذكرناه في ذلك الكتاب " مأساة الزهراء " الصفحات 332 إلى 336 و 345 إلى صفحة 355 . هو غيض من فيض يكفي لإظهار هذه الحقيقة التي أشرنا إليها فليلاحظ ذلك . . وبعدما تقدم فإن قولكم إن دعوى التواتر الإجمالي كبيرة جداً . . يتضمن بعض التهويل والتضخيم من دون ضرورة ، فإن التواتر في هذا الأمر الخطير ، الذي تتوفر كل الدواعي على إخفائه ، ومن يجهر به يواجه أعظم المصائب والبلايا ظاهر الحصول ، فإن ذلك الكم الكبير من النصوص والمصادر في كتاب " مأساة الزهراء [ عليها السلام ] " ، يجعل من دعوى التواتر حقيقة واقعة ، وليست دعوى كبيرة كما قلتم . . بل يكفي فيها خصوص ما أوردناه من أحاديث عن الأئمة الطاهرين في فصل : النصوص والآثار عن الأئمة الاثني عشر . ولا سيما إذا عرفنا : أنه لا يشترط في الحديث المتواتر صحة طرقه وأسانيده ، واتصالها . وبالأخص إذا كان يكفي في التواتر العشرة أو الإثنا عشر ، أو العشرون أو أكثر من خمسة . . كما تقدم . وأما ما أوردناه في سائر فصول ذلك الكتاب ، فذلك أيضاً كاف وواف وشاف ، حتى لو لم ينضم إلى ما روي عن الأئمة الطاهرين المعصومين [ عليهم السلام ] . وأما ما ذكرتموه من أن كتاب الزهراء القدوة قد قال : " ذكر المؤرخون ، ومنهم ابن قتيبة الخ " . فنقول في جوابه : إن مراجعة تلك النصوص المتنوعة تظهر : أن الأمر لا ينحصر بالمؤرخين ، ولا بابن قتيبة . ومن جهة أخرى : قد ذكرنا في كتابنا " مأساة الزهراء ج 1 " وفي كتاب " خلفيات مأساة الزهراء ج 6 " أن التعبير عن علي وفاطمة [ عليهما السلام ] بأنهم معارضة حتى عند المهاجمين . . هو تعبير خاطئ ، وغير سليم . وذكرنا أيضاً : أن تفسيره لكلمة [ وإن ] في كتاب الزهراء القدوة يناقض تفسيره الآخر لهذه الكلمة . والذي يقول فيه : إن المراد بكلمة : [ وإن ] هو : ما لنا شغل بفاطمة نحنا جايين لاعتقال علي . . فراجع مأساة الزهراء ج 1 وخلفيات كتاب مأساة الزهراء ج 6 . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .