نقول : لا ، ليس للمرأة أن تتولى منصب الحكم والقضاء في الإسلام . . ونقتصر في حديثنا هنا على تولي القضاء ، الذي هو بعض شؤون الحاكم الإسلامي . . فإذا اتضح الحكم بالنسبة إلى هذا الأمر ، اتضح الحكم في الدائرة الأوسع والأهم .
فنقول : إن من الواضح : أنه لا سلطة لأحد على أحد من حيث المبدأ . . والقضاء يختزن معنى السلطة بدرجة ما على الناس . .
والذي يعطي السلطة وينشأُها , ويجعلها هو الله الخالق البارئ
المالك لكل شيء ، والمدبر والمتصرف في جميع مخلوقاته ، والولي الحقيقي لهذا الإنسان , ومنه وعنه تنشأ سائر الولايات للإنسان وعليه . .
فلا بد من الرجوع إليه سبحانه ليجد الإنسان البيان منه تعالى في أي ولاية تدّعى .
وعلينا أن نلفت النظر هنا إلى أن ذلك هو غاية التكريم لهذا الإنسان ، ومنتهى العزة له ، حيث لا يملك أحد أي حق للتدخل في شؤونه إلا من خلال الرخصة الإلهية ، حين تمس الحاجة إلى حفظ مصالحه ورعاية شؤونه .
فأعطى الوالدين درجة من الولاية الرعائية عليه ، ما دام بحاجة إلى ذلك .
لكن في دائرة الحكم الشرعي ، وعلى أساس خضوعهما له ، والتزامهما به . .
ثم أدّبه بحسن الانقياد والطاعة لهما في غير معصية الله سبحانه ، وفرض عليه أن يكون شاكرا لهما كما يكون شاكرا له تعالى :
( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) [1] .
وفيما عدا ذلك ، فإن الولاية تنحصر في أنبياء الله ، وأوصيائهم الذين يراعون أمور هذا الإنسان وفق الهدى الإلهي ، ومن موقع حب الخير والسلامة له ، وعلى أساس الحكمة ، وفي نطاق حفظ مصالحه ، واطراد مسيرته في صراط الكمال ، ونيل منازل الكرامة الإلهية .
ثم جاءت غيبة الإمام [ عليه السلام ] ، بسبب خذلان الناس ، وعدم وفائهم بتعهداتهم . . لتفرض الحاجة إلى تدبير الأمور وتسييرها من خلال نائبه العام ، كما أن سنة الحياة الاجتماعية في سعتها ، وفي تشعباتها قد فرضت الحاجة إلى القضاء لفصل النزاعات ، وإعادة الأمور إلى نصابها ، سواء في عصر النبي ، أو الإمام ، أو نائبه في عصر الغيبة ، فجاءت البيانات الشرعية لتسمح بتصدي فئات من الناس لهذا المهم . . وذكرت لهم أوصافا ، وحددت لهم نهجا وطريقة عمل ألزمتهم بها .
ولم نجد في كل تلكم البيانات ما يشير إلى المرأة في هذا المجال . . مما يعني عدم وجود مسوغ للسماح لها بالتصدي لمنصب كهذا . .
فاتضح من خلال ما ذكرناه أن مقتضى الأصل هو منعها من هذا المنصب ؛ ولم نجد ما يدل على رفع هذا المنع . .
بل إننا نجد في النصوص ما يشير إلى أنها لا يحق لها تولي هذا المنصب ، ونذكر منها ما يلي :
1 - ما رواه جابر عن الإمام الباقر [ عليه السلام ] ، قال : " ولا تولى المرأة القضاء ، ولا الإمارة " [1] .
2 - ورواية حماد بن عمرو ، وفيها : " يا علي ، ليس على المرأة جمعة . . إلى أن قال : ولا تولى
القضاء " [1] .
3 - بل إن الروايات التي يقول فيها علي [ عليه السلام ] : " يا شريح ، لقد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي ، أو وصي نبي ، أو شقي " ( 1 ) .
تدل على أن المرأة ليس لها هذا المنصب ، الذي هو من مختصات النبي والوصي - حيث لا حظ لها في منصبي النبوة والإمامة ، كما هو واضح . .
4 - وإن حرمان المرأة حتى من مقام المشورة ، وهو أخف من منصب القضاء ، يعطينا بالأولوية القطعية ، أنها لا تعطى المقام الأعظم والأخطر من ذلك ، وأعني به منصب ومقام القضاء .
5 - ثم هناك الروايات التي تقول فيما يرتبط بالتعامل مع المرأة : ولا تعدُ بكرامتها نفسها ، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها .
فإنها أيضاً تشير إلى ذلك ، فإن إعطاء مقام القضاء يستبطن تمليكها ما جاوز نفسها ، وهو مقام أعظم من مقام شفاعتها بغيرها ، فمن لا يملك ما جاوز نفسه ، ولا يحق أن يشفع بغيره ، كيف يعطى منصب القضاء الجليل والخطير الذي تتعرض فيه لدماء الناس ، واعراضهم ، وأموالهم ، وكراماتهم ؟ !
6 - واعطف على ما تقدم ، ما روي عن أمير المؤمنين [ عليه السلام ] في نهج البلاغة حول حظوظ النساء وعقولهن .
7 - هذا بالإضافة إلى ما ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين [ عليه السلام ] لولده الإمام الحسن [ عليه السلام ] ، حيث ورد فيها : " ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فإن المرأة ريحانة ، وليست بقهرمانة " [1] .
وحتى لو كانت هذه الرواية ضعيفة السند ، فإن استناد المشهور إليها جابر لهذا الضعف .
8 - ثم إن صحيحة أبي خديجة قد صرحت بجعل منصب القضاء للرجل ، فقد جاء فيها : " أنظروا إلى رجل منكم ، يعلم شيئاً من قضايانا ، فإني قد جعلته قاضيا ، فتحاكموا إليه " [2] .
9 - وفي صحيحة أخرى : " اجعلوا بينكم رجلا ممن عرف حلالنا وحرامنا ، فإني قد جعلته قاضياً " [3] .
فإن موضوع الحكم في الروايتين هو الرجل . . فقط . . مع أن
بالإمكان التعبير بطريقة تشمل المرأة ، لو كان للمرأة نصيب في هذا الأمر ، وذلك بأن يقول اجعلوا بينكم من عرف حلالنا . . أو يقول : انظروا إلى من يعلم منكم شيئاً من قضايانا .
ولعلك تقول : إن هذا من باب إلغاء الخصوصية ، كما هو الحال في قوله : الرجل يشك بين الثلاث والأربع ، حيث لا خصوصية للرجل ؛ لأن المرأة أيضاً تشك . .
ونقول : إن ذلك لا يصح ، لأن إلغاء الخصوصية إنما هو في المورد الذي يعلم فيه بعدم دخل تلك الخصوصية في المراد بحيث يكون ذلك مرتكزاً في الأذهان ، فيكون هذا العلم وذلك الإرتكاز هو القرينة التي يعتمد عليها المتكلم في بيان مراده . .
ولكن المفروض فيما نحن فيه ، عدم وجود علم مسبق بأن للمرأة حق القضاء ، ليعتمد المتكلم على هذا العلم ، ويعتبره قرينة على حجم ما يقصده من كلامه . . بل القرينة قائمة على خلاف ذلك ، كما بيناه في أوائل حديثنا هذا وكما هو معروف ومتداول في عصر صدور النص . . وذلك ظاهر لا يكاد يخفى . .
ونشير أخيراً إلى أنه لا يصح القول : إن قضية القضاء هي قضية علم وتقوى فإذا وجد هذان العنصران جاز توليه لأيِّ كان ، رجلاً كان أو امرأة . .
فإن الأمر أعظم من ذلك ، حيث إن العلم والتقوى هما بعض شروط القاضي ، وبعض مواصفاته وحالاته . . ولكن الأمر لا يقتصر عليهما ، فراجع تلك الشرائط . .
أضف إلى ذلك . . أن هذا الكلام يدخل في دائرة الاستحسانات ، التي لا تثبت حكما شرعيا ولا تنفيه ، فيرجى الالتفات إلى هذا الأمر ، وعدم الإنجرار وراء أمثال هذه الترهات . .
ونشير أخيراً . . إلى أنه قد ادعي الإجماع على عدم صحة تولي المرأة للقضاء ، فراجع . .