أهلاً وسهلاً بالسائل الكريم
ولدي العزيز، هذا المقطع جزء من خطبة للإمام علي (عليه السلام)، وليس الإمام الحسين (عليه السلام)، نقلها ابن شعبة الحراني، من أعلام القرن الرابع، في كتابه (تحف العقول)، صفحة (٢٣٧ - ٢٣٩).
والظاهر يقصد عامة مَن كان له جاه وسلطة على قومه، كما ورد ما يدل على ذلك في متن الرواية، لكنهم لم يقفوا مع الحق وخذلوه لأسباب متعددة، منها: الخوف من الموت ونيل المغانم.
متن الرواية هو:
ويروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: {لولا ينهيهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم} وقال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل - إلى قوله - لبئس ما كانوا يفعلون} وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله يقول: {فلا تخشوا الناس واخشون} وقال: {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفيئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها، ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس مهابة.
يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة، فأما حق الضعفاء فضيعتم وأما حقكم بزعمكم فطلبتم. فلا مالا بذلتموه ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه. لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ومن يعرف بالله لا تكرمون وأنتم بالله في عباده تكرمون وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمة رسول الله صلى الله عليه وآله محقورة والعمى والبكم والزمني في المدائن مهملة لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعينون وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون. وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون.
ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستبعد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد فيا عجبا ومالي [لا] أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدق ظلوم وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في اطفاء نور نبيكم. وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير».
ونسألكم الدُّعاء.