- العراق
منذ 3 سنوات

عصمة علي [ عليه السلام ] . . وما جرى في الحديبية . .

هل كان علي [ عليه السلام ] ضمن الذين رفضوا حلق رؤوسهم في الحديبية ، حين قال [ صلى الله عليه وآله ] : " اللهم اغفر للمحلقين " ، ليكون ذلك من موجبات الطعن في عصمته ، أم أنه كان قد أطاع أمر الرسول [ صلى الله عليه وآله ] في ذلك ؟


بالنسبة للسؤال المطروح نقول : ربما يكون منشأ هذه الشبهة هو النص الذي ذكر أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] بعد أن كتب كتاب الصلح : " قال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ، قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس . فقالت أم سلمة يا نبي الله ، أتحب ذلك ؟ أخرج ولا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك ، وتدعو حالقك فيحلقك . . الخ . . " ( 1 ) . والجواب على ذلك : أولاً : إنه لا شك في أن عليا أمير المؤمنين [ عليه السلام ] لم يعص أمر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، لا في هذه الواقعة ، ولا في غيرها ، فهو يقول : " وإني والله لم أخالف رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ولم أعصه في أمر قط " [1] . ثانياً : إن ذلك النص الذي قد يستدلون به ، والذي ذكرناه آنفا ، رغم تحفظنا عليه بسبب ما يظهر منه من إظهار أم سلمة على أنها قد أدركت أمراً غفل عنه رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، - نعم رغم هذا التحفظ ، نقول : إنه وإن كان ظاهره العموم والشمول لجميع أصحابه [ صلى الله عليه وآله ] ، لكن التأمل فيه يقتضي حمله على العموم والشمول لجميع المعترضين على رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] دون غيرهم . أي ما قام رجل ممن كانوا قد اعترضوا على الصلح ، واغتموا له . وذلك ، لأن المستفاد من الروايات هو أن ثمة فريقا من الناس كان عليهم الحلق في عمرتهم تلك ، ولكنهم لم يطيعوا أمر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، ولا قاموا بما لزمهم القيام به ، بل تلكأوا في بادئ الأمر ، وتعللوا ، ثم إنهم حين وجدوا أن لا مناص من التحلل آثروا أن يتحللوا بالتقصير ؛ لا بالحلق ؛ وذلك بسبب ما عرض لهم من شك . فلاحظ النصوص التالية : 1 - روى ابن هشام ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : حلق رجال يوم الحديبية ، وقصّر آخرون . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] : يرحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال [ صلى الله عليه وآله ] : يرحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال [ صلى الله عليه وآله ] : يرحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال [ صلى الله عليه وآله ] : والمقصرين . فقالوا : يا رسول الله ، فلم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين . قال [ صلى الله عليه وآله ] : لم يشكّوا [1] . فالشاكون إذن قد أحلوا من إحرامهم بالتقصير ، مع أن وظيفتهم كانت هي الحلق ، امتثالا لأمر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] . 2 - يفهم من رواية القمي : أن بعض الذين لم يسوقوا الهدي كانوا قد حلقوا امتثالا وطاعة لأمر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، وبعضهم قصر اكتفاء في التحليل بالتقصير ، ولم يمتثلوا أمر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] بالحلق ، وأن فيمن ساق الهدي من كان شاكاً أيضاً . قال القمي : " قال رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] لأصحابه : انحروا بدنكم ، واحلقوا رؤوسكم ، فامتنعوا ، وقالوا : كيف ننحر ونحلق ، ولم نطف بالبيت ، ولم نسع بين الصفا والمروة ؟ ! . فاغتم رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] من ذلك وشكا ذلك إلى أم سلمة ، [ ربما ليظهر رجاحة عقلها ودينها - وهي امرأة - على عقولهم ، وهم أصحاب الدعاوى العريضة ] . فقالت : يا رسول الله ، انحر أنت ، واحلق . فنحر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] وحلق ، ونحر القوم على حين يقين ، وشك وارتياب . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] تعظيما للبدن : رحم الله المحلقين . وقال قوم لم يسوقوا البدن : يا رسول الله ، والمقصرين ؛ لأن من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ثانياً : رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي . فقالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ فقال : رحم الله المقصرين " ( 2 ) . والخلاصة : أن الرسول [ صلى الله عليه وآله ] قد أظهر رضاه ومحبته للمحلقين ، وتذمّره من الذين اكتفوا بالتقصير ، وهذا يفيد أن الذين قصروا هم الذين خالفوا أمر الرسول [ صلى الله عليه وآله ] . فالمخالفون لأمر رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] والشاكُّون ليسوا جميع المسلمين الحاضرين في الحديبية ، بل هم فريق بعينه كما دلت عليه النصوص . ولا شك في أن علياً [ عليه السلام ] ليس منهم ، وليس هناك نص تاريخي يصرح بأن علياً [ عليه السلام ] كان بين الذين لم يحلقوا ، فإن طاعته لرسول الله [ صلى الله عليه وآله ] والتزامه الحرفي بأوامره ونواهيه كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ، وما جرى في خيبر ، حينما أمره رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] بالذهاب وعدم الالتفات ، فوقف ولم يلتفت وقال : على ما أقاتلهم يا رسول الله . . هذه القضية معروفة ومشهورة وتلك هي الآيات الشريفة لم تزل تنزل على رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] مقررة لعصمته ، كآية التطهير ، ثم ما نزل في حقه كرامة له ، لأنه هو وحده المطيع لرسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، كآية النجوى وغيرها خير شاهد على ذلك أيضاً . هذا بالإضافة إلى شواهد أخرى تبين مدى حرصه [ عليه السلام ] على طاعة أوامر الرسول [ صلى الله عليه وآله ] حرفياً . يجدها المتتبع لسيرته [ صلوات الله وسلامه عليه ] . .