السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عظم الله اجوركم بحلول شهر محرم الحرام
أعيش صراعًا بين الحب لله والرغبة في القرب منه، وبين حالة من الإدبار والفتور عن العبادة.كنتُ سابقًا أستشعر لذّة الأعمال العبادية كزيارة عاشوراء، حتى أنني لم أكن أكتفي بقراءتها مرة واحدة في اليوم، أما الآن فتمرّ عليّ الشهور دون أن أقرأ منها شيئًا.
كذلك صلاة الليل، والبكاء على سيّد الشهداء، كانت أعمالًا تملأ قلبي، واليوم صرت أفتقد أثرها.أشعر أنني كلما حدّثت الناس عن عبادةٍ أقوم بها، لا بقصد التفاخر أو الرياء، بل من باب التشجيع والتحبيب، أصاب بعد ذلك بحالة من الجفاف الروحي والإدبار، ولا أستشعر حلاوة تلك العبادة كما كنت.
فهل هناك ما يطمئن القلب ويعيد له طمأنينته؟
وهل من دواء شرعي أو سلوكي لهذه العلّة التي بدأت تؤرقني؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
عظّم الله لكِ الأجر بحلول شهر محرم الحرام، وجعل قلبك من القلوب التي لا تنسى الحسين، وأعاد إليكِ حرارة العبادة وأنس القرب، فإنه أقرب إليكِ من حبل الوريد.
ما تمرّين به من حالة الإدبار بعد الإقبال، وجفاف القلب بعد لذّته، ليس ضعفاً في الإيمان، بل علامة على رقّة القلب وحياة الروح، لأنّ القلب الميت لا يشعر، أما القلب الذي يئنّ لفقدان قرب الله، فهو حيّ، وإن أصابه ما أصابه من الفتور.
هذا الإدبار له أسبابه، ومن أهمها ـ كما جاء في كلمات أهل المعرفة ـ الغرق في عالم الماديات، والانشغال عن الله بهموم الدنيا وتفاصيلها، فهذه الأمور تلقي بظلالها على الروح، فتجعل القلب مشغولاً ومثقلاً، فلا يجد خفة المناجاة، ولا لذة الأذكار التي كان يتذوقها من قبل.
وقد قال العارفين:
"إذا نبتت في قلب المرء المصلي شجرة الأمل وحب زخرف الدنيا الدنية، وبقيت قائمةً، سيكون القلب بمثابة طائر متنقّل على أغصانها في طيرانه ... المزید"
وهذا يبين أن الطريق للعودة يبدأ بالرياضة الروحية والمجاهدة، بتخليص القلب من التعلق بما سواه، وتذكير النفس بالغاية الكبرى: القرب من الله.
وكما أن الطفل يحتاج إلى تدريب على النطق، فإن القلب كذلك يحتاج إلى التلقين، بالاستمرار على الذكر وإن لم يكن فيه ذوق، وبالحرص على استحضار النية وحضور القلب، حتى يصبح الذكر عادة وملكة في النفس، وتعود له النشوة والأنس.
ابنتي الكريمة، ما تفقدينه اليوم من حرارة البكاء على سيد الشهداء وزيارة عاشوراء، يمكنك استرجاعه بالصبر والمواصلة، فالله لا يخيب قلباً أقبل عليه، لذلك لا تتوقفي، واصبري على طريق الرجوع، ولو لم تشعري بالحرارة التي كانت، فإن الله كريم، يعيد لكِ ما فقدتِه.