عليكم السلام ورحمة الله:
ابنتي المؤمنة، لا توجد أعمال نعبّر عنها ب(لابدّ منها) إلا الواجبات، نعم، هناك من الفقهاء مَن ذهب إلى كراهة ترك قضاء النوافل إذا كان المانع من ذلك هو الاهتمام بجمع الدنيا والانشغال بها. فقد سأل عبدُ الله بن سنان الإمامَ الصادقَ (عليه السلام)، فقال:
أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو ـ من كثرتها ـ كيف يصنع؟
فقال (عليه السلام): "فليصلِّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك."
فقلت له: فإنه لا يقدر على القضاء؟
فقال (عليه السلام): "إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها، أو حاجةٍ لأخٍ مؤمن، فلا شيء عليه. وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة، فعليه القضاء، وإلا لقي الله وهو مستخفٌّ متهاونٌ مضيِّعٌ لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)."
ولو عجز المكلّف عن قضاء النوافل لوجود موانع تمنعه من ذلك، غير الاشتغال بالدنيا وجمعها، فإنّه يسقط عنه القضاء، إلا أنه يستحب له أن يتصدّق عن كل ركعتين بثلاثة أرباع الكيلو من الطعام. فإن لم يتمكن من ذلك، تصدّق عن كل أربع ركعات بثلاثة أرباع الكيلو، ومع العجز عن ذلك، يتصدق بمدّ، وهو ثلاثة أرباع الكيلو، عن الصلوات النهارية، وبمثله عن الصلوات الليلية. ومع العجز وعدم القدرة على ذلك، يكفيه أن يدفع مدّاً من الطعام ـ وهو ثلاثة أرباع الكيلو ـ لكل يومٍ وليلة.
فقد سأل عبد الله بن سنان الإمامَ أبا عبد الله (عليه السلام)، عمّن لا يتمكن من القضاء بسبب شغلٍ شغله، وليس جمعاً للدنيا، هل يمكنه الاستعاضة عن القضاء بالصدقة؟
فسكت الإمام (عليه السلام) مليّاً، ثم قال: "فليتصدّق بصدقة."
قلت: فما يتصدّق؟
قال (عليه السلام): "بقدر طوله، وأدنى ذلك: مُدّ لكل مسكين مكان كل صلاة."
قلت: وكم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكل مسكين؟
قال (عليه السلام): "لكل ركعتين من صلاة الليل مدّ، ولكل ركعتين من صلاة النهار مدّ."
فقلت: لا يقدر.
فقال (عليه السلام): "مدّ إذن لكل أربع ركعات من صلاة النهار، ومدّ لكل أربع ركعات من صلاة الليل."
قلت: لا يقدر؟
قال (عليه السلام): "فمدّ إذن لصلاة الليل، ومدّ لصلاة النهار. والصلاة أفضل، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل."
وبناءً على هذا التأكيد والتشديد على قضاء النافلة، أو التصدّق عنها حال العجز عن قضائها، فلا عذر لأحدٍ في ترك ذلك، كيف وقد رأينا تأكيد الإمام (عليه السلام) على القضاء، بل إن القضاء أفضل من التصدّق.
بل أكثر من ذلك، فقد نصّ الفقهاء على أن القضاء في النوافل اليومية من المستحبّات المؤكدة. فمن فاتته نافلة صلاة الفجر مثلاً، أو نافلة صلاة الظهر، فإنه يُستحب له قضاء ذلك استحباباً مؤكّداً.
وقد عرضت النصوص الشريفة الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) آثاراً عظيمة لهذا القضاء، منها:
أن العبد الذي يقضي نوافله يباهي الله سبحانه وتعالى به ملائكته.
وأن الله سبحانه وتعالى قد غفر له ما تقدّم من ذنبه.
فقد جاء عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إن الله تبارك وتعالى ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، فيقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أَفْتَرِضْه عليه، أُشهِدُكم أني قد غفرت له."
وعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن العبد يقوم فيقضي النافلة، فيُعجِب الربُّ ملائكته منه، فيقول: ملائكتي، عبدي يقضي ما لم أَفْتَرِضْه عليه."
ملاحظة: الأعمال المستحبة موجودة في كتابي مفاتيح الجنان ومفتاح الفلاح.
ودمتم بتوفيق الله