dora ( 18 سنة ) - العراق
منذ سنتين

عن خلق الانسان

هل هناك روايات تذكر عن وجود حياة اخر غير الدنيا قبل ولادتنا على الارض يحدد من خلالها مصير الانسان وكيف يعيش في الدنيا كأن يكون ظالم او كافر او مسلم... والخ


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ وقع البحث بين المفسرين في تحديد عالم الإشهاد وكيفية الإشهاد، كيف تم إشهاد الله للخلائق؟ وفي أي عالم كان هذا الإشهاد؟ وفي أي مرحلة كان هذا الإشهاد؟ وهنا ثلاثة تفسيرات للآية المباركة نذكر واحدًا منها : التفسير الثالث: أن الآية تشير إلى مرور الإنسان بعالم إجمالي وعالم تفصيلي. عالم الذر - كما هو موجود في عدة روايات - أن الله «تبارك وتعالى» قبل خلق هذا العالم المادي، انتزع من كل إنسان ذريته، بدأ من آدم إلى آخر إنسان على الأرض، وانتزع من كل إنسان ذريته، فعندما فصل الجميع، وأحضرهم في عالم نوراني عقلاني كله نور وكله عقل، وطبعًا في هذا العالم أنوار أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، ولذلك أنت تقرأ في الزيارات التي ترشد إلى عالم الأنوار، عالم الأنوار جزء من عالم الذر، بقية البشر بمرتبة، وأهل البيت بمرتبة نورانية أرقى، ”خلقكم الله أنوارًا، فجعلكم بعرشه محدقين، حتى منَّ علينا بكم“. وتقرأ في زيارة الحسين : ”أشهد أنك كنتَ نورًا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة“، وكذلك ما ورد عن النبي محمد : ”إن الله خلق نوري ونور علي قبل أن يخلق هذا الكون بألفي عام“، ذلك العالم عالم الذر، العالم النوراني العقلاني، جمع فيه الأرواح كلها، ونبهها: ألست بربكم الذي خلقكم في هذا العالم وأوجدكم؟ بمعنى أنه خاطب الأرواح مخاطبةً لفظيةً أو مخاطبةً عقليةً، هذا أمر لم تحدده النصوص، هناك خطاب وصل إلى كل روح، إلى كل نفس، ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ هذه الشهادة وهذا الميثاق سيبقى رصيدًا إلى يوم القيامة ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.… وهناك من انكر هذا العالم وقال الروايات لا تصلح أن تكون تفسيرًا للآية المباركة، وأوردوا اعتراضات على معقولية هذا العالم المسمّى بعالم الذر. على ما تقدم يكون الإنسان قد مر بعالمين: عالم إجمالي دفعي، وعالم تفصيلي تدريجي. بيان ذلك: نحن عندما نلاحظ الآيات القرآنية، نجد بعض الآيات ظاهرها أن الوجود أمرٌ دفعيٌ وواحدٌ، ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾، الوجود أمر واحد وأمر دفعي، وعندما نقرأ بعض الآيات الأخرى نجد أن الوجود ليس واحدًا، بل الوجود كثير، وليس دفعيًا، بل هو تدريجي، مثلًا: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، فكيف نوفق بين هذا وهذا؟ آية تقول: الوجود واحد ودفعي، وآية تقول: الوجود كثير وتدريجي، فكيف نوفق بين هذين؟ التوفيق بين هذين بهذه الآية: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، أي أن الإنسان يمر بمرحلتين، كل موجود على الأرض يمر بمرحلتين: مرحلة وجود إجمالي، ووجود تفصيلي. الوجود الإجمالي عندما قال: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾ أي: كان موجودًا عندنا وجودًا مختزنًا، كان موجودًا عندنا وجودًا إجماليًا، الآن يبدأ وجودًا آخر، وهو وجود تفصيلي، له طول، عرض، عمق، أب فلاني، أم فلانية، أصدقاء فلانيون، زوجة فلانية، له كذا من الرزق، له كذا من الرزق، له كذا من الشقاوة، هذه كلها تفاصيل، كما يفصّل الثوب، حيث تؤخذ قطعة قماش وتُخَطَّط، وكما تؤخذ قطعة أرض وتُخَطَّط، فتصبح مبنى أو مدرسة مثلًا، ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، أقداره وحدوده معلومة. إذن، مر هذا الإنسان بوجود إجمالي غير محدّد، لا حدود له، ثم نزل إلى وجود تفصيلي محدّد. الوجود الأول كان وجودًا دفعيًا لا وجودًا تدريجيًا، وهذا معنى ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾، الوجود الأول كان وجودًا فعليًا، لا حركة فيه، فهو وجود عين الكمال، لأن الوجود الأول عين الكمال فهو وجود دفعي لا حركة فيه، وأما الوجود الثاني فهو وجود مشوب بالنقص، ولذلك يعيش حركة، ينتقل من نقص إلى كمال، ومن كمال إلى أكمل، الوجود الثاني وجود تدريجي متحرّك يعيش من نقص إلى كمال، فهو يعيش الحركة. في الوجود الأول، كان لا يرى الإنسان إلا ربه عز وجل، الإنسان في وجوده الأول - وهو الوجود الإجمالي - كان لا يشهد إلا ربه عز وجل، لا يشهد شيئًا آخر، أما الوجود الثاني فهو يشهد الخلائق المتنوعة المتغيرة، وهذا معنى قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾، المراد بالشهادة الوجود الإجمالي الذي مرَّ به الإنسان، وكان وجودًا فعليًا دفعيًا، هو فيه عين الكمال، هو فيه لا يشهد إلا ربه، لأنه عين الكمال لا يشهد إلا ربه، ثم نزل إلى هذا الوجود التفصيلي الكثير، وهذا ما يعبّر عنه علمائنا بقولهم: هناك فرق بين كون الوحدة في عين الكثرة، والكثرة في عين الوحدة. الوحدة في عين الكثرة هي المرتبطة بذلك العالم، بذلك الوجود الإجمالي، والكثرة في عين الوحدة هي المرتبطة بهذا الوجود التفصيلي.…

2