السلام عليكم
انـي بنيه عمري 22 سنه تعرضت للضرب من قبل اخي لان راد ماء واني كنت راجعه من الدوام العصر وتعبانه ورفضت بكل ود هوا ضربني وكانت هاي المرة الثانيه الي يضربني هوا اخ حنين وجيد ويحبني ويحاول يصلح خطائه بتقرب مني لكن انـي ماكدرت اتقبله وصار تجيني نوبات قلق شديده بمجرد وجوده بالبيت او اسمع صوته حاول اسامحه بس ماطلع من قلبي وماكدرت شنو اسوي !؟ نوبات القلق متعبه جداً وعلاقتي بأخي سيئه
وعيكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب
ابنتي الكريمة، أسأل الله أن يربط على قلبك، ويشرح صدرك، ويعينك على تجاوز ما تمرّين به من مشاعر وأذى، واعلمي يا بنيّتي أن صلة الرحم واجبة شرعًا، وقطعها محرَّم، وهي من الكبائر التي تُعجّل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة. قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ}،(محمد: 22–23)
فلا يجوز للمؤمن أن يهجر أخاه أو يقطع رحمه بسبب خصومة أو غضب، بل عليه أن يسعى للإصلاح ولو بالكلمة الطيبة أو الدعاء له، أو بإظهار عدم القطيعة، وإن لم يقدر على أكثر من ذلك.
نعم يا بنيّتي، ما فعله أخوك من الضرب محرَّم شرعًا، ولا يُبرَّر بالتعب أو الغضب أو الانفعال. فإنّ الشريعة الغرّاء حرّمت الأذى الجسدي حتى بين الأقرباء، وإذا أدّى الضرب إلى احمرار أو اسوداد أو تورّم، وجب عليه دفع الدية، ويُعدّ ظالمًا شرعًا.
ولكن بما أنه أدرك خطأه واعتذر، فقد فتح الله له باب التوبة، وهذه بداية خير، فلا تكوني يا بنيّتي سببًا في أن يُغلق هذا الباب، ولا تتركي للشيطان سبيلًا ليوسّع الخلاف، ويزرع القطيعة. قال الله تعالى:{وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، (الاعراف: ٢٠٠)
واعلمي أنّ العفو لا يعني نسيان الجرح، بل هو تحرّر من قيده، وتركه بين يدي الله تعالى، وهو أكرم الأكرمين. وإنّ الأخ، مهما أخطأ، يبقى في ميزان الشرع سندًا ورحمةً إن صلح، واعتذاره نعمة توجب النظر بعين الدين والعقل.
واليك، خطوات عملية لضبط النفس والغضب، مستنبطة من هدي أهل البيت عليهم السلام:
١. ابتعدي عن الموقف عند الغضب:
إذا شعرتِ بالغضب، ابتعدي عن الموقف لدقائق، واذكري الله لتُسكتي نار الانفعال، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ غَضِبَ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ عَنْهُ رِجْزُ اَلشَّيْطَانِ وَمَنْ غَضِبَ عَلَى ذِي رَحِمٍ مَاسَّةٍ فَلْيَمَسَّهُ يَسْكُنُ عَنْهُ اَلْغَضَبُ». (مکارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ج١، ص٣٥٠)
فإذا شعرتِ بالضيق، فاجلسي أو لمسي يد أخيك بهدوء، ولو للحظة، وستشعرين بتغير داخلي حقيقي.
٢. الوضوء، فقد رُوي عن رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله): "إنّ الغضب من الشيطان، وإنّ الشيطان خُلق من نار، وإنّما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ". (المجلسي، بحار الأنوار، ج٧٠، ص٢٧٢).
فبادرِي إلى الوضوء إذا شعرتِ بثورة في داخلك، فهو يُبرد نار القلب ويهدّئ العقل.
٣. تذكّري ثواب مَن يكظم غيظه: قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾(فصلت: آية34 – 36).
فكل لحظة تكظمين فيها غضبك، تُكتب لك عند الله عبادة، وتمحى بها ذنوب، وتُرفعين بها درجات.
٤. تذكّري الآثار السلبية:
كل مرة تغضبين فيها على والدتكِ أو عائلتكِ، فإنكِ تجرحين قلوبهم وتؤذين نفسكِ قبلهم، وقد تفقدين شيئًا من بركة دعائهم أو رضاهم عنكِ.
٥. تذكّري قانون العدل الإلهي:
روي عن امير المؤمنين (عليه السلام): «…كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ وَكَمَا تَصْنَعُ يُصْنَعُ بِكَ وَمَا قَدَّمْتَ إِلَيْهِ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً لاَ مَحَالَةَ» (تحف العقول، ج١، ص١٥٤)، فازرعي اليوم صبرًا ورحمةً وبرًّا، وسيردّها الله لكِ أضعافًا، في الدنيا والآخرة.
ختامًا:
ابنتي، لا تظنّي أن العفو ضعف، بل هو قوّة يمنحها الله لعباده الصادقين. فإن استطعتِ أن تسامحي، فافعلي ذلك لوجه الله، واحتسبي أجركِ عنده. وإن وجدتِ في قلبك ثقلًا، فاسألي الله أن يطهّره من الغلّ، ويبدّل همّك طمأنينة، ويُصلح ما بينك وبين أخيك.
واجلسي معه جلسة صفاء، تحدّثي إليه بصراحة، وأظهري له مودّتك، فإنّ الكلمة الطيبة تصنع في القلب ما لا تصنعه السنين، ولعلّ الله يجعلها مفتاحًا للصلح والرحمة بينكما
أسأل الله أن يُبدّل قلقك سكينة، وجُرحك أُنسًا، ويجعلك من الوجوه النّيرة يوم القيامة، بمن جاهدوا أنفسهم، وعفَوا، وغلبوا الشيطان بصبرهم وإيمانهم