السلام عليكم منذ سنوات وانا ابذل جهدي في امر اراه مصيريا، وقد وصلت الآن الى آخر مراحله، لكنني فقدت رغبتي تماما، احاول لكنني لا اقدر، كأن شيئا داخلي قد انطفأ، وبدأت اشعر ان كل تعبي السابق ذهب بلا فائدة، لان هذا الجزء الاخير هو الذي يحدد النتيجة، وافكر احيانا هل يعقل ان يضيع الله كل ما سعيت له وهل يضيع عمر انقضى بالسعي اذا لم اكمل آخر خطوة ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابنتي العزيزة، اعلمي بأنّ ما تشعرين به الآن من فقدان الرغبة والإرهاق بعد طول سعيٍ وجهدٍ أمرٌ مفهومٌ جداً، بل هو طبيعي في مسيرة الإنسان حين يقترب من نهاية طريقٍ طال العمل فيه، واستُنفِدت فيه الطاقات. فالمرحلة الأخيرة، رغم قربها من النهاية، قد تكون الأصعب على النفس، لأنها تتطلب صبراً فوق الصبر، وثباتاً بعد تعب السنين.
لكن تذكّري أن الله تعالى لا يُضيع أجراً، ولا يهمل جهداً. حيث قال سبحانه: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً" (الكهف: 30). وكل لحظة قضيتها في السعي، وكل قطرة تعبٍ تحملتها، هي محفوظة عند الله تعالى، لا تضيع، بل تُكتب لكِ وتثقل ميزانك.
الفتور في هذه المرحلة لا يعني ضعف الإيمان، ولا يُنقص من قيمة ما بذلتِ، بل هو دعوة للراحة، للمراجعة، ولطلب العون من الله تعالى، لا للانسحاب. فيكفي أن تكملي هذه الخطوة الأخيرة بنيّة خالصة، ولو بخطى ثقيلة، فليس المطلوب أن يكون الحماس كما كان في البداية، بل أن يكون الإخلاص حاضراً، وأن يكون السعي مستمراً، ولو بالقليل.
قسّمي ما تبقى من المهمة إلى أجزاء صغيرة، وابدئي باليسير منها، دون ضغط. خذي فترات للراحة والتجديد، واعملي على تجديد نيتك بالتوجّه إلى الله تعالى، لا إلى النتيجة وحدها. تذكّري أن التوفيق من الله تعالى، وأن ما علينا هو السعي، أما النتائج فهي بيده سبحانه. فقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: "لا تستحي من إعطاء القليل، فإنّ الحرمان أقل منه، ولا تستح من طلب ما لك، فإنّ الطالب هو السائل، والله تعالى هو الحكم". (نهج البلاغة، الحكمة 67).
وهذا المعنى يذكّرنا بأن السعي لا يكون هباءً، مهما قلّ أو بدا ضعيفاً، ما دام فيه طلب للخير وقصدٌ إلى الله.
ولا تنظري إلى ما مضى وكأنه هدر، بل هو رصيدٌ عظيم عند الله تعالى، وتجربة نضجٍ ونقاء، ستثمر بإذن الله تعالى إذا ختمتِها بالصبر والثبات.
كوني واثقة أن الله تعالى لا يترك عباده بعد طول سعي، بل يُثيب على النية، ويجبر الكسر، ويكتب البركة في القليل، فكيف إذا اجتمع القليل مع الإخلاص؟
واعلمي أيضاً، من أنّ هناك احتمال آخر ومهم، وهو أن ما تسعين إليه، رغم أهميته عندك، قد لا يكون فيه الخير لك، والله تعالى برحمته وفضله قد يصرفكِ عنه حبّاً بكِ، وتخليصاً لكِ مما لا تعلمين عواقبه. فكم من أمرٍ ظننّاه غاية الرجاء، ثم شكرنا الله تعالى على أنه لم يتحقق! قال تعالى:
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (البقرة: 216). فثقي بحكمة الله، وسلّمي له قلبك، فإنه أرحم بكِ من نفسك.
نسأل الله تعالى أن يمنحك القوة، ويشرح صدرك، ويُتمّ لك هذا الطريق بخير، ويجعل ما بعد العسر يسراً وفرجاً، ويُرِيَكِ ثمرة جهدك عاجلاً غير آجل. ودمتم في رعاية الله وحفظه.