عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
من خلال مراجعة اراء ابن خلدون في بعض القضايا التي لها صله عن اهل البيت نراها يجانب الصوب و لا يمارس اي مهنية علميه في تعامله مع الاحداث التي لها جنب ارتباط بأهل البيت عليهم السلام ومن هذه القضايا قضية كربلاء و الامام الحسين عليه السلام نراه يغلط الامام تاره ويجعل حركته دنيوية تاره اخرى و غيرهما من الالفاظ التي لم يستخدمها مع الفاسق يزيد بن معاوية لعنهم الله
إلى جانب تلك المواقف النقدية، نذكر لكم بعض الملاحظات حول نظرية ابن خلدون، وهذه الملاحظات هي::
أولًا: إن الرؤية التي قدَّمها ابن خلدون ونسبها لنفسه في تفسير وتحليل حركة الإمام الحسين (عليه السلام) هي رؤية ناقصة أو هكذا يمكن وصفها؛ لأنها لا تُحيط بأبعاد القضية، ولا تتفهمها من جوانبها كافة، ولا تستوفي شروط الرؤية الناضجة أو الرؤية المكتملة.
والأقرب أن ابن خلدون لم يكن بصدد تكوين رؤية متكاملة أو مكتملة حول هذه القضية، بل ولم يكن راغبًا -على ما يبدو- في أن يُقدِم مادَّةً تاريخية وافية لهذه القضية، وفضَّل بترها بالصورة المنقوصة التي ظهرت عليها في تاريخه العام.
ويكفي معرفة أن المادة التي عرض لها الطبري في تاريخه في أكثر من ثلاثين صفحة من الصفحات المضغوطة في الطبعة التي جمعت تاريخه في مجلدين فقط، والمادة التي عرض لها ابن الأثير في تاريخه الكامل في أكثر من ستين صفحة، هذه المادة عرض لها ابن خلدون في تاريخه العام بما يعادل صفحة واحدة لا غير، لسببٍ تكتَّم عليه، ولم يُفصح عنه لا في مقدمته ولا في تاريخه، فاتحًا على نفسه باب التأويلات التي ذهبت مذاهب شتى.
وما دامت المادة التاريخية غير مكتملة، فإن الرؤية المتولّدة منها يصعب بطبيعة الحال أن تمثّل رؤية مكتملة، والقضية في جوهرها وحقيقتها لا تتحدد ولا تدور ما بين الأهلية والشوكة، ولا تختزل في ظهور الفسق من يزيد، ولا في دعوة أهل الكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، وإنما القضية أوسع أفقًا من ذلك، وأبعد مدى، وهذا ما لم يتنبَّه له ابن خلدون فظلَّت رؤيته ناقصة، ولا يمكن النظر لها إلَّا بهذه الصفة الناقصة أو غير الناضجة ولا المكتملة.
ثانيًا: يظهر أن ابن خلدون لم يبذل جهدًا جادًّا في تكوين المعرفة بحركة الإمام الحسين ونهضته، وما طرحه هو أقرب إلى الانطباع العام الذي يلامس ظاهر القضية ولا يتكشَّفها على حقيقتها، أو يتفطَّن لحكمتها ويقترب من جوهرها، وأشار إلى ما هو مُتصوَّر عنده، ولم يُشر إلى ما هو متصوَّر عند الحسين (عليه السلام)، فهناك فارق كبير بين ما ذهب إليه ابن خلدون فهمًا وانطباعًا، وبين ما ذهب إليه الحسين حركة ونهضة.
والشاهد على هذا الأمر، أن ابن خلدون لم يرجع إلى أقوال الحسين ونصوصه، ولم يأتِ على ذكرها قط لا في مقدمته ولا في تاريخه العام، وكأنه لا علم له بها ولا دارية، وهي الأقوال والنصوص التي شرح فيها الإمام الحسين حقيقة حركته ونهضته، وبدونها لا يتحقَّق الفهم، ولا يكتمل العلم.
ويأتي في مقدمة هذه الأقوال قول الحسين: «وأني لم أخرج أَشِرًا ولا بَطِرُا ولا مُفْسِدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جَدِّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جَدِّي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين»
وليس هناك أبلغ من هذا القول ولا أفصح منه لمعرفة حقيقة حركة الحسين وجوهر نهضته، ولا شك أن هذا القول يقلب صورة الفهم والانطباع الذي كوَّنه ابن خلدون، يعارضه ولا يوافقه، يُخطِّئه ولا يُصوِّبه، يفارقه ولا يُؤالفه، وكل فهم أو انطباع لا يرجع لهذا القول ولا يستند إليه لا يكون إلَّا فهمًا وانطباعًا ناقصًا أو خاطئًا، ولن يكون بالتأكيد ناضجًا أو مكتملًا، وما هذا إلَّا قولٌ من قائمة أقوال ونصوص عدة وثَّقتها كتب السيرة والتاريخ والحديث.
ثالثًا: يبدو أن ابن خلدون كان مُتحرِّجًا في إبداء وجهة نظره تجاه الحسين من جهة، وتجاه يزيد من جهة أخرى، تجاه الحسين فهو لا يريد أن يصطفَّ إلى جانبه ويُصوب حركته ويُعرف عند الآخرين وفي وسطه بهذا الموقف، كما أنه لا يريد أن يذمَّ الحسين ويُضلِل حركته ويُعرف بهذا الموقف كذلك، فقد غلَّط حركته لكنه حصر غلطه في أمر دنيوي لا يضر الغلط فيه حسب قوله، وفي الوقت نفسه امتدحه قائلًا عنه: ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته، وعدَّه شهيدًا مُثابًا،
لكنه لم يسهب في الدفاع عنه كما قال الوردي.
أما بشأن يزيد فقد ذمَّه ابن خلدون من جهة فسقه فقط، لكنه لا يرى جواز الخروج عليه، متبنِّيًا ومتحصِّنًا بموقف نفر من الصحابة ومن التابعين لهم الذين كانوا بالحجاز ومع يزيد بالشام والعراق، شارحًا موقفهم بعدم جواز الخروج على يزيد وإن كان فاسقًا لما ينشأ عنه من الهرج والدماء، كما أنه لا يريد أن يصطفَّ إلى جانب يزيد ويُصوِب فعلته في قتل الحسين.
والأظهر أن ابن خلدون كان مع الحسين في أهليَّته لكنه ليس معه في شوكته، ومع يزيد في شوكته وليس معه في أهليَّته، فما كان ابن خلدون يريد أن يصطفَّ إلى جانب الحسين ويُصوِّب حركته، ولا أن يصطفَّ إلى جانب يزيد ويُصوِّب فعلته فهي عنده من فعلاته المؤكِّدة لفسقه، والحسين فيها شهيد مُثاب، وهو على حق واجتهاد.
ولم يكتفِ ابن خلدون بهذا القدر من الكلام الذي يظهر فيه قربًا من الحسين، فسرعان ما خفَّف منه مُعقِّبًا عليه بقوله: «والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضًا واجتهاد».
رابعًا: حاول ابن خلدون النظر لقضية الحسين من زاوية الغلط والاجتهاد، مُتَّخذًا من كلمة الغلط نموذجًا تفسيريًّا، وبيانًا لحكمه التقويمي، فهي الكلمة التي فضَّلها وظل يُكرِّرها ويرجع لها في سياق بيان حكمه التقويمي تجاه المواقف الحاصلة القولية والفعلية التي تباعدت بين أطراف القضية وتفارقت، وكان قاصدًا -وبعناية شديدة- اختيار هذه الكلمة، ومفضِّلًا لها لتكون كاشفة عن حقيقة موقفه في هذا الشأن.
وقد تتبَّعتُ استعمالات هذه الكلمة، فوجدت أنها جاءت بوصفها حكمًا تقويميًّا في خمس حالات، مثَلت جميع مفاصل القضية، وبحسب تتابعها في الاستعمال هي:
الحالة الأولى: عند حديثه عن خروج الحسين على يزيد، رأى ابن خلدون أن الحسين ظن في نفسه الأهلية والشوكة، وقد غلَّطه من جهة الشوكة قائلًا: «وأما الشوكة فغلط -يرحمه الله- فيها».
الحالة الثانية: عند حديثه عن التفريق بين الأمر الدنيوي والحكم الشرعي، رأى ابن خلدون أن الحسين قد غلط في أمر دنيوي ولم يغلط في الحكم الشرعي، وحسب قوله: «فقد تبيَّن لك غلط الحسين، إلَّا أنه في أمر دنيوي لا يضر الغلط فيه، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه».
الحالة الثالثة: عند حديثه عن موقف نفر من الصحابة الذين لم يتابعوا الحسين في الخروج على يزيد ولا أنكروا عليه، رأى ابن خلدون عدم جواز تأثيم هؤلاء بناء على تغليطهم للحسين وحسب قوله: «ولا يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين وقعودهم عن نصره».
الحالة الرابعة: عند حديثه عن اجتهاد الحسين في الخروج على يزيد، فكونه اجتهادًا لا يعني -في نظر ابن خلدون- تصويب قتله، وحسب قوله: «وكذلك لا يذهب بك الغلط أن تقول بتصويب قتله لما كان عن اجتهاد، وإن كان هو على اجتهاد».
الحالة الخامسة: عند حديثه عن موقف القاضي أبي بكر بن العربي من خروج الحسين، غلَّط ابن خلدون هذا الموقف قائلًا: «وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سمَّاه بالعواصم والقواصم ما معناه: إن الحسين قُتل بشرع جَدِّه، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل».
دلَّت هذه الحالات الخمس على تعدُّد صورها، أن قضية الحسين -في نظر ابن خلدون- إنما تدور في دائرة الغلط، وتتحدَّد بهذا الحكم وتتقيَّد به تفسيرًا وتقويمًا، وليس هناك ما هو أسهل من هذا الموقف ولا أبسط منه.
ومن ناحية الموازين العلمية والأخلاقية يُعَدُّ هذا الموقف موقفًا خفيفًا ومخفَّفًا، باعتبار أن الغلط أمر عادي، يحصل من الإنسان عادة، ويجري مجرى العادات اليومية، ويألفه الناس في حياتهم العامة، ولسان حالهم أن الغلط فعل يصدر من جميع البشر في جميع الأمكنة وجميع الأزمنة وبين الملل والنحل كافة.
وحقيقة الحال أن قضية الحسين ليست كذلك على الإطلاق، فهي لا تدور مدار الغلط والاجتهاد، وإنما تدور فعلًا وحقيقة مدار الحق والباطل، العدل والظلم، العزة والذلة، الحرية والعبودية، وهذا ما كشفه الحسين في أقواله ونصوصه العظيمة والخالدة.
فمن جهة مدار الحق والباطل، رُوي عن الحسين قوله: «ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه، لِيَرْغَبِ المؤمن في لقاء الله مُحِقًّا»
ومن جهة مدار العدل والظلم، رُوي عنه قوله: «أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحِلًّا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيِّر ما عليه بفعل ولا قول كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلُّوا حرام الله، وحرَّموا حلاله»
ومن جهة مدار العزة والذلة، رُوي عنه قوله: «ألا وإن الدَّعي ابن الدَّعي قد رَكَزَ بين اثنتين بين السِّلة والذِّلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميَّة، ونفوس أبيَّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»
ومن جهة مدار الحرية والعبودية، رُوي عنه قوله: «لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد»
ورُوي عنه قوله: «إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارًا في دنياكم»
لا شك أن هذه الأقوال والنصوص تقلب صورة الموقف، وتُقدِّم منظورًا لحركة الحسين ونهضته يتفارق كثيرًا ويتباعد عن منظور ابن خلدون، ويكشف كيف أن ابن خلدون قدَّم فهمًا وانطباعًا منقوصًا ومعكوسًا لا يُجاري الحق ولا يطابق الحقيقة.
خامسًا: تقصَّد ابن خلدون الإشارة إلى الصحابة لكي يمُايز بين موقفهم وموقف الحسين، في محاولة منه لإظهار أن الصحابة ما كانوا مع الحسين في موقفه من الخروج على يزيد، وظلَّ يُصوِر أن أكثر الصحابة كانوا مع يزيد، فحين أشار لموقف هؤلاء مدافعًا عنهم، رافضًا التقوُّل بتأثيمهم لمخالفة الحسين وقعودهم عن نصره، عقَّب قائلًا: «فإنهم أكثر الصحابة وكانوا مع يزيد ولم يروا الخروج عليه»
هذا الإيهام من ابن خلدون أقل ما يُقال عنه أنه ليس دقيقًا ولا علميًّا ولا موضوعيًّا، ولا يخلو من التضليل المتعمَّد أو غير المتعمَّد، ويُخفي ميلًا إن لم يكن تجاه يزيد فتجاه الحكم الأموي.
وحقيقة الحال أن الصحابة بهذا العنوان، لا يمكن القول عنهم: إنهم كانوا مع يزيد حتى لو كان بعضهم معه؛ لأن بعضًا آخر كان مع الحسين قاتل واستشهد معه مثل: حبيب بن مظاهر الأسدي، وأنس بن الحارث الكاهلي، ومسلم بن عوسجة الأسدي وغيرهم، وبعضًا آخر كان مع الحسين قبل المعركة وبعدها مثل: جابر بن عبدالله الأنصاري، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعبدالله بن عفيف الأزدي وغيرهم، إلى جانب آخرين ما كانوا مع يزيد قطعًا، بعضهم في المدينة، وبعضهم في مكة، وبعضهم في أصقاع أخرى، الأمر الذي يعني أن تعويم موقف الصحابة بالطريقة التي أشار إليها ابن خلدون لم يكن سليمًا لا من الناحية العلمية، ولا من الناحية الموضوعية، ولا حتى من الناحية الأخلاقية.
هذه محاولة لدراسة وتحليل رؤية ابن خلدون تجاه حركة الحسين ونهضته، ولعلَّها الأولى حتى هذه اللحظة بهذا القدر من الاتساع الكمي، فعند البحث لم أجد مادة مستقلة على صورة مقالة أو دراسة تناولت هذه القضية، وما وجدته كان مجرَّد فقرات صغيرة على طريقة الفقرة التي خصَّصها الدكتور علي الوردي في كتابه (منطق ابن خلدون)، وجاءت بعنوان (ابن خلدون والحسين).
وخلاصة القول أن ابن خلدون لم يكن علميًّا ولا موضوعيًّا ولا عادلًا في موقفه تجاه حركة الحسين ونهضته. وايضا يوجد مواقف اخرى له مع قضية أمير المؤمنين عليه السلام و البيعة و غيرها من المواقف التي تدل انه لم يتعامل مع قضايا أهل البيت عليهم السلام بموضوعية و علميه كما هي عادته!