تبارك ( 30 سنة ) - العراق
منذ 6 أيام

تحليل موقف الأخ في قصة النعاج

السلام عليكم ماتفسير هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" وليش هلكد فرق بينه وبين اخوه؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب جاء في تفسير الأمثل للشيخ مكارم الشيرازي، ج١٤، ص(٤٧٨-٤٨٢): طرحت هذه الآيات بحث بسيط وواضح عن قضاء داود، ونتيجة لتحريف وسوء تعبير بعض الجهلة فقد أثيرت ضجة عظيمة في أوساط المفسرين، وكانت أمواج هذه الضجة من القوة بحيث جرفت معها بعض المفسرين، وجعلتهم يحكمون بشيء غير مقبول، ويقولون ما لا يليق بهذا النبي الكبير. وفي هذا المجال نحاول بيان مفهوم الآيات دون شرح وتفصيل كي يفهم القارئ الكريم مفهوم الآيات بذهنية صافية، وبعد الانتهاء من تفسيرها باختصار نتطرق إلى الآراء المختلفة التي قيلت بشأنها. وتتمة للآيات السابقة التي استعرضت الصفات الخاصة بداود والنعم الإلهية التي أنزلها الباري عز وجل عليه، يبين القرآن المجيد أحداث قضية عرضت على داود. ففي البداية يخاطب القرآن المجيد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب. (الخصم) جاءت هنا كمصدر، وأكثر الأحيان تطلق على الطرفين المتنازعين، وتستعمل هذه الكلمة للمفرد والجمع، وأحيانا تجمع على (خصوم). (تسوروا) مشتقة من (سور) وهو الحائط العالي الذي يبنى حول البيت أو المدينة، وتعني هذه الكلمة في الأصل القفز أو الصعود إلى الأعلى. "محراب" تعني صدر المجلس أو الغرف العليا، ولأنها أصبحت محلا للعبادة أخذ تدريجيا يطلق عليها اسم المعبد، وتصطلح اليوم على المكان الذي يقف فيه إمام الجماعة لأداء مراسم صلاة الجماعة، وفي المفردات، نقل عن البعض أن سبب إطلاق كلمة "المحراب" على محراب المسجد، هو لكونه مكانا للحرب ضد الشيطان وهوى النفس. على أية حال، فرغم أن داود (عليه السلام) كان محاطا بأعداد كبيرة من الجند والحرس، إلا أن طرفي النزاع تمكنا - من طريق غير مألوف - تسور جدران المحراب، والظهور أمام داود (عليه السلام) فجأة، ففزع عند رؤيتهما، إذ دخلا عليه بدون استئذان ومن دون إعلام مسبق، وظن داود (عليه السلام) أنهم يكنون له السوء، إذ دخلوا على داود ففزع منهم. إلا أنهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه، وقالا له: لا تخف نحن متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض. فاحكم الآن بيننا ولا تتحيز في حكمك وأرشدنا إلى الطريق الصحيح فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط. "تشطط" مشتقة من (شطط) على وزن (فقط)، وتعني البعيد جدا، ولكون الظلم والطغيان يبعدان الإنسان كثيرا عن الحق، فكلمة (شطط) تعني الابتعاد عن الحق، كما تطلق على الكلام البعيد عن الحقيقة. من المسلم به أن قلق وروع "داود" قل بعض الشيء عندما وضح الأخوان هدف مجيئهما إليه، ولكن بقي هناك سؤال واحد في ذهنه هو، إذا كنتما لا تكنان السوء، فما هو الهدف من مجيئكما إلي عن طريق غير مألوف؟ ولذلك تقدم أحدهما وطرح المشكلة على داود، وقال: هذا أخي، يمتلك (٩٩) نعجة، وأنا لا أمتلك إلا نعجة واحدة، وإنه يصر علي أن أعطيه نعجتي ليضمها إلى بقية نعاجه، وقد شدد علي في القول وأغلظ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب. "النعجة" هي الأنثى من الضأن. وقد تطلق على أنثى البقر الوحشي والخراف الجبلية. "اكفلنيها" مشتقة من الكفالة، وهي هنا كناية عن التخلي (ومعنى الجملة إجعلها لي وفي ملكيتي وكفالتي، أي امنحني إياها). "عزني" مشتقة من (العزة) وتعني التغلب، وبذا يكون معنى الجملة إنه تغلب عليَّ. وهنا التفت داود (عليه السلام) إلى المدعي قبل أن يستمع كلام الآخر (كما يوضحه ظاهر الآية) وقال: من البديهي أنه ظلمك بطلبه ضم نعجتك إلى نعاجه قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. وهذا الأمر ليس بجديد، إذ أن الكثير من الأصدقاء والمخالطين بعضهم لبعض يبغي على صاحبه، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم قلة: {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}. نعم فالأشخاص الذين يراعون بصورة كاملة في معاشرتهم وصداقتهم الطرف المقابل، ولا يعتدون عليه أدنى اعتداء ويؤدون حقوق أصدقائهم ومعارفهم بصورة كاملة قليلون جدا، وهم المتزودون بالإيمان والعمل الصالح. على أية حال، فالظاهر أن طرفي الخصام اقتنعا بكلام داود (عليه السلام) وغادرا المكان. ولكن داود غرق في التفكير بعد مغادرتهما، رغم أنه كان يعتقد أنه قضى بالعدل بين المتخاصمين، فلو كان الطرف الثاني مخالفا لإدعاءات الطرف الأول - أي المدعي - لكان قد اعترض عليه، إذن فسكوته هو خير دليل على أن القضية هي كما طرحها المدعي. ولكن آداب مجلس القضاء تفرض على داود أن يتريث في إصدار الأحكام ولا يتعجل في إصدارها، وكان عليه أن يسأل الطرف الثاني أيضا ثم يحكم بينهما، فلذا ندم كثيرا على عمله هذا، وظن أنما فتنه الباري عز وجل بهذه الحادثة وظن داود أنما فتناه. وهنا أدركته طبيعته، وهي أنه أواب، إذ طلب العفو والمغفرة من ربه وخر راكعا تائبا إلى الله العزيز الحكيم فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب.(انتهى). أما لماذا هذا الفرق الكبير (٩٩ مقابل ١)؟ الفرق الهائل بين الأخوين في عدد النعاج يُمثل صورة واضحة من جشع النفس، فالإنسان بطبعه قد يطمع حتى في القليل الذي بيد غيره. ودمتم في رعاية الله وحفظه.