السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب
ابنتي الكريمة، يُعدّ التاريخ مرآة الأمم وذاكرة الشعوب، ومنه تستلهم الأجيال دروسها في العزة والكرامة. فالتاريخ لا يقتصر على سرد الحوادث والوقائع، بل هو مدرسة كبرى تربي النفوس وتغرس فيها معاني الصبر والحكمة والاعتزاز بالهوية، وعبرة لم يعتبر.
لذا نجد أن أهمية هذا العلم لم تخفَ عن بيت العصمة، بل كان لهم اهتمام به لما فيه من عبر ودروس حتى روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من وصية له لابنه الحسن (عليه السلام) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين -: «أي بني، إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي؛ فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني - بما انتهى إليّ من أمورهم - قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم؛ فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله».(موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، ج ١٠، ص ٢٣٩).
فإن التاريخ هو مدونة كبرى للسلوك البشري وللأحداث التي يكون الإنسان سبباً في حدوثها، وليس التاريخ هوية قائمة في الخارج لها كيان واعياً وتذوت حقيقي كما ربما يفهم من بعض النصوص التي كتبها بعض المفكرين والفلاسفة، فما يؤرخ من أحداث ويحفظ في مدونة تتوارثها الاجيال عن سلوك آبائهم وأجدادهم في الماضي فهو المعنى الواقعي للتاريخ، نعم من خلال التأمل في تلك الأحداث المدونة يكتشف المؤرخ أو المفكر الذي يجعل التاريخ موضوعا لدراسته بعض الخصائص التي تكون أقرب ما يكون إلى الناموس أو السنة، فيجد مثل أنّ للحضارات ظهور ثم نضج ثم أفول، فيشبهها بالكائن الحي، فيتكلم عن شباب الحضارة وكهولتها وشيخوختها ثم موتها، ويقارن الحضارات البشرية ببعضها فيرى ثمة ترقياً وتطوراً يصاحبها، وأن هناك غاية وهدف يسعى البشر إلى بلوغها عن وعي أو من دون وعي، فيتخيل أن هناك حتمية تاريخية تهيمن على سير الناس كلما تقدم بهم الزمان، ويبالغ المؤرخ في وصف تلك الحتمية حتى ليزعم أنها لا تختلف في في شيءٍ عن الحتمية الطبيعية، وربما يعثر في مختلف الحضارات على عناصر من السلوك تتكرر في كل جيل، وذلك أنّ للانسان طبيعة ثابتة وإن اختلفت تصرفاته وافعاله، فلا ريب من وجود مشتركات بين جميع الأمم وفي كافة العصور، فيرصدها المفكر والمؤرخ ويطرح بإزائها رأياً او فرضية او نظرية كما فعل اشبنغلر - وتوينبي - وهيجل - وماركس وأضرابهم، ولكل من هؤلاء المفكرين أطروحة خاصة يفسر بها التاريخ، ولا يمكن الحكم اي الاطروحات افضل من الاخرى وأكثر واقعية، ولكنا نعتقد ان بعض هؤلاء المفكرين يقرأ التاريخ من وجهة نظره الخاصة التي تكونت لديه من خلال عدة عوامل سايكولوجية أو آيديولوجية او فلسفية، ومهما ادعى لنفسه الموضوعية في الطرح فإنه لا يستطيع انكار تلك العوامل المؤثرة في تبنيه للمواقف والآراء، ولهذا نقول ان ما يطرحه المفكر الملحد عن التاريخ مثلاً يصب في اتجاه تأليه التاريخ تعويضاً عن الإيمان الذي يقعمه في نفسه اتكالاً على عقله وفهمه، وان ما يطرحه المفكر الوضعي يصب في اتجاه تأليه العلم على حساب الإيمان المقطوع معه اتكالاً على نظرته المحدودة وغياب الموقف الشمولي.
ومن الواضح أن المفكر المؤمن بالله تعالى والذي يأخذ بعين الاعتبار الإنسان وخالقه، فيعزي كثيراً مما يجري في التاريخ إلى سنن إلهية وتخطيط إلهي وهو ما تشير إليه بعض الآيات المباركة، كقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ} (القصص:٥)، وكقوله: {وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:١٠٥)، ولا شك أن للمؤرخ المؤمن تبعاً لهذا الفهم نظرة مغايرة لأولئك المفكرين الملحدين، فما يستقيه من الشرع.
فإنّ الاطلاع على سير العظماء وقصص المصلحين يلهم الفرد قيم البطولة والشجاعة، ويعينه على تجاوز الصعاب بثبات وثقة. ومن خلال فهم مسيرة الأمم، يدرك الإنسان سنن النهوض والانهيار، فيُصبح أكثر وعيًا في بناء مستقبله وحسن تصرفه في حاضره.
فالتاريخ أيضًا يعمّق الإحساس بالانتماء، فالشخص الذي يعرف ماضيه، يعرف موقعه في أمته ويشعر بمسؤولية الحفاظ على مكتسباتها. ولا شك أن من لا تاريخ له، لا حاضر له ولا مستقبل، إذ يبقى ضعيف الجذور، سريع التأثر بالتيارات الغريبة.
فالصراع بين الخير والشر، وبين الظالم والمظلوم، وبين المستبد والمستضعف إن تُرك الى منطق الأحداث وسنن التاريخ المجرد عن الإيمان، فمن غير المنطقي أن نشهد انتصار الشر على الخير وغلبة المظلوم على الظالم وانتصاف المستضعف من الطاغية المستبد، إنما يمكن ذلك مع الإيمان بأن الله تعالى؛ لأنه هو المولى وهو النصير،
والاعتقاد بتدخله الحاسم فيما للبشر من أقدار ومصير. بذلك فقط انتصر الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء وخسر يزيد.
ومن هنا، كانت دراسة التاريخ ضرورة لبناء شخصية متزنة، قوية، مستنيرة، قادرة على المشاركة الفاعلة في نهضة الأمة وصناعة مستقبلها المشرق، والأمة تصنع برجالها الشجعان المؤمنين والنساء الصالحات العفيفات.
فمطالعة سير النساء الصالحات وكذلك الرجال الأتقياء يصنع أثراً في الشخصية مما يجعل النفس تحب أعمالهم تسير على خطاهم.
(مركز الأبحاث العقائدية، بتصرف).
ولزيادة معرفة السير الصحيح وإرضاء الله تعالى، هو معرفة احكام الشريعة، التي ثبتت بدم الشهداء والعلماء إلى أن وصلت لنا، فعليكم العمل بالواجبات وترك المحرمات ومعرفة أحكام الشريعة.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.