السلام عليكم
ما هو شهر النسيء المذكور في القرآن؟
وعلى ماذا يستند بعض الناس لإضافة هذا الشهر لجعل الأشهر الهجرية ثابتة مع الفصول؟
وكيف نثبت ان هذه النظرية لا صحة لها؟
وعليـكم السلام ورحـمة الله وبـركاته
اهــلاً وســهلاً بكم في تطبيقـكم المجيب
ولدي العزيز، إنما ذكر القرآن ذلك في صدد الرد والنهي.
جاء في كتاب التفسير الأمثل، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج٦، ص(٤٦):
(وفي الآية الثّانية - من الآيتين محل البحث - إشارة الى إحدى السنن الخاطئة في الجاهلية، وهي سنة النسيء «تغيير الأشهر الحرم» إذ تقول الآية: {إِنَّمَا اَلنَّسِيءُ زِيٰادَةٌ فِي اَلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا} ففي أحد الأعوام يقرّرون حليّة الشهر الحرام ويحرمون أحد الأشهر الحلال للمحافظة على العدد أربعة {يُحِلُّونَهُ عٰاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عٰاماً لِيُوٰاطِؤُا عِدَّةَ مٰا حَرَّمَ اَللّٰهُ!} فهؤلاء يضيعون بتصرفهم هذا فلسفة تحريم الأشهر، ويتلاعبون بحكم اللّه بحسب ما تمليه عليهم أهواؤهم، والعجيب أنّهم يرضون عن عملهم، وفعلهم هذا كما تقول الآية: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمٰالِهِمْ}.
فهم يغيرون الأشهر الحرم ويبدلونها، ويعدّون ذلك تدبيرا لحياتهم ومعاشهم، أو يتصوّرون أنّ طول فترة إيقاف القتال يقلل من حماس المقاتلين فلابدّ من إثارة الحرب ... المزید. فاللّه سبحانه إذا علم أن في عباده من ليس أهلا للهداية والتوفيق، خلاه و نفسه: {وَاَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكٰافِرِينَ}.
ويقول في ص(٥٧):
«النسيء» على وزن «الكثير» من مادة «نسأ» ومعناها التأخير ويمكن أن تكون هذه الكلمة اسم مصدر أو مصدرا، وتطلق على ما يؤجل من إعطاء المال أو قبضه.
وكان عرب الجاهلية يؤخرون بعض الأشهر الحرم، فمثلا كانوا ينتخبون شهر «صفر» بدل شهر محرم في عام فيحرمونه، كما حدث لأحد زعماء قبيلة بني كنانة، إذ خطب في اجتماع كبير نسبيّا في موسم الحج بمنى وقال: إنّني أخرت المحرم هذا العام وانتخبت شهر صفر مكانه.
وقد روى عن ابن عباس: إنّ أوّل من سنّ هذه السنّة هو عمرو بن لحي، وقال بعضهم: بل هو قلمس «من بني كنانة».
وفلسفة هذا العمل «التأخير والنسيء» في عقيدتهم أن توالي ثلاثة أشهر حرم تباعا كذي القعدة وذي الحجة والمحرم يسبب إضعاف معنويات المحاربين، لأنّ عرب الجاهلية كانوا يتوقون الى الإغارة وسفك الدماء والحرب، وأساسا فإنّ الحرب والإغارة وما شاكلهما كان يمثل جزءا من حياتهم، وكان من الصعب عليهم أن يتحملوا ثلاثة أشهر حرم (يتوقف فيها القتال) لذا فقد كانوا يسعون لفصل شهر المحرم عن هذه الأشهر (أو يؤخروه)! كما يرد هذا الاحتمال أيضا، وهو أنّ ذا الحجة قد يقع في الصيف أحيانا، ممّا يسبب عليهم، حرجا في موضوع الحج، ونعرف أن الحج لم يكن مسألة عبادية عند العرب فحسب، بل كان موسما كبيرا منذ زمن إبراهيم الخليل (عليه السّلام) يجتمع فيه خلق كبير، وتقام فيه الأسواق التجارية والاقتصادية والمحافل الشعرية والخطابية، ويفيدون منها فوائد عامّة، لذلك كانوا يبدلون شهر ذي الحجة حسب ميولهم ويجعلون مكانه شهرا آخر طيب الأجواء لطيف الهواء.
وربّما كانت كلا الغايتين صحيحتين.
وعلى كل حال، كان هذا العمل باعثا على إشعال نار الحرب أكثر فأكثر، وأن تسحق الغاية من الأشهر الحرم، وأن يتلاعب بمواسم الحج حسب الأهواء ابتغاء المنافع المادية.
وقد عدّ القرآن هذا العمل زيادة في الكفر، لأنّهم إضافة إلى شركهم وكفرهم الاعتقادي فإنّهم بسحقهم هذا الدستور كانوا يرتكبون كفرا عمليا، ولا سيما أنّهم كانوا يرتكبون مخالفتين في آن واحد إذ كانوا يحرّمون ما أحل اللّه ويحلّون ما حرّم اللّه).
ودمتم في رعاية الله وحفظه.