سعيد ( 19 سنة ) - العراق
منذ سنتين

طوفان نوح

هل كان الطوفان في كل الارض و اين بنى نوح "ع" سفينته ممكن معلومات عن سفينة نوح


إنّ عموم دعوته عليه السلام يقضي بعموم العذاب ، وهو نعم القرينة على أن المراد بسائر الآيات الدالة بظاهرها على العموم ذلك كقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) نوح ـ ٢٦ ، وقوله حكاية عنه : ( لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) هود : ـ ٤٣ ، وقوله : ( وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ) الصافات : ـ ٧٧. ومن الشواهد من كلامه تعالى على عموم الطوفان ما ذكر في موضعين من كلامه تعالى أنه أمر نوحاً أن يحمل من كل زوجين اثنين فمن الواضح أنه لو كان الطوفان خاصا بصقع من أصقاع الأرض وناحية من نواحيها كالعراق ـ كما قيل ـ لم يكن أي حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين. وهو ظاهر. واختار بعضهم كون الطوفان خاصاً بأرض قوم نوح عليه السلام قال صاحب المنار في تفسيره ، : أما قوله في نوح عليه السلام بعد ذكر تنجيته وأهله : ( وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ) فالحصر فيهم يجوز أن يكون إضافياً أي الباقين دون غيرهم من قومه ، وأما قوله : ( وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) فليس نصا في أن المراد بالأرض هذه الكرة كلها فإن المعروف من كلام الأنبياء والأقوام وفي أخبارهم أن تذكر الأرض ويراد بها أرضهم ووطنهم كقوله تعالى حكاية عن خطاب فرعون لموسى وهارون : ( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ) يعني أرض مصر ، وقوله : ( وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها ) فالمراد بها مكة ، وقوله : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) والمراد بها الأرض التي كانت وطنهم ، والشواهد عليه كثيرة. ولكن ظواهر الآيات تدل بمعونة القرائن والتقاليد الموروثة عن أهل الكتاب على أنه لم يكن في الأرض كلها في زمن نوح إلا قومه وأنهم هلكوا كلهم بالطوفان ولم يبق بعده فيها غير ذريته ، وهذا يقتضي أن يكون الطوفان في البقعة التي كانوا فيها من الأرض سهلها وجبلها لا في الأرض كلها إلا إذا كانت اليابسة منها في ذلك الزمن صغيرة لقرب العهد بالتكوين وبوجود البشر عليها فإن علماء التكوين وطبقات الأرض ـ الجيولوجية ـ يقولون إن الأرض كانت عند انفصالها من الشمس كرة نارية ملتهبة ثم صارت كرة مائية ثم ظهرت فيها اليابسة بالتدريج. ثم أشار إلى ما استدل به بعض أهل النظر على عموم الطوفان لجميع الأرض من أنا نجد بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال وهذه الأشياء مما لا تتكون إلا في البحر فظهورها في رؤوس الجبال دليل على أن الماء قد صعد إليها مرة من المرات ، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض هذا. ورد عليه بأن وجود الأصداف والحيوانات البحرية في قلل الجبال لا يدل على أنه من أثر ذلك الطوفان بل الأقرب أنه من أثر تكون الجبال وغيرها من اليابسة في الماء كما قلنا آنفاً فإن صعود الماء إلى الجبال أياماً معدودة لا يكفي لحدوث ما ذكر فيها. ثم قال ما ملخصه : أن هذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن ولذلك لم يبينها بنصّ قطعي فنحن نقول بما تقدّم أنّه ظاهر النصوص ولا نتخذه عقيدة دينيّة قطعيّة فإن أثبت علم الجيولوجية خلافه لا يضرنا لأنه لا ينقض نصّاً قطعيّاً عندنا. انتهى. وأما ما ذكره من تأويل الآيات فهو من تقييد الكلام من غير دليل ، وأمّا قوله في ردّ قولهم بوجود الأصداف والأسماك في قلل الجبال : إنّ صعود الماء إليها في أيّام معدودة لا يكفي في حدوثها ! ففيه أن من الجائز أن تحملها أمواج الطوفان العظيمة إليها ثم تبقى عليها بعد النشف فإن ذلك من طوفان يغمر الجبال الشامخة في أيّام معدودة غير عزيز. وبعد ذلك كلّه قد فاته ما ينصّ عليه الآيات أنّه عليه السلام أمر أن يحمل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين فإنّ ذلك كالنصّ في أنّ الطوفان عم البقاع اليابسة من الأرض جميعاً أو معظمها الذي هو بمنزلة الجميع. فالحقّ أنّ ظاهر القرآن الكريم ـ ظهوراً لا ينكر ـ أنّ الطوفان كان عاماً للأرض ، وأن من كان عليها من البشر أغرقوا جميعاً ولم يقم لهذا الحين حجّة قطعيّة تصرفها عن هذا الظهور. واما الكلام عن السفينة: بُعث نوح وهو ابن أربعمائة سنة وكان يدعو قومه لعبادة الله تعالى ليلاً ونهاراً فلم يزدهم ذلك إلا عناداً وكفراً، فقد كانوا يضربوه حتى يُغشى عليه، فإذا أفاقَ قال: اللهم إهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، ولما استمروا على ذلك أوحى الله له أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فعندها أقبل (ع) على الدعاء فقال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ﴾، فأعقم الله أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأصابهم الجهد والبلاء، ثم قال لهم نوح: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً﴾ فلم يؤمنوا ﴿وقالوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾‏، ثم قال نوحٌ عليه السلام: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾،فأوحى الله إليه ﴿أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ‏﴾،واستمر في صنع السفينة مائتي سنة،وفي رواية أخرى ثلاثين سنة، فجعل قومه يضحكون ويسخرون منه ويقولون: قعد ملاحاً في أرض فلاة،ولقد ذكرت الروايات وكتب التاريخ عدة أوصاف لسفينة نوحعليه السلام، ومنها: إنَّ طولها في الأرض ألفاً ومائتي ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء ثمانون ذراعاً،وجاء وصفها في التوراة كالآتي: طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ذراعاً، وسمكها ثلاثين ذراعاً، وكانت من خشب الششاد مقيّرة بالقار.

1