طوفان نوح
هل كان الطوفان في كل الارض و اين بنى نوح "ع" سفينته ممكن معلومات عن سفينة نوح؟
إنّ عموم دعوته (عليه السلام) يقضي بعموم العذاب، وهو نعم القرينة على أن المراد بسائر الآيات الدالة بظاهرها على العموم ذلك، كقوله تعالى حكاية عن نوح (عليه السلام): ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ (نوح: 26)، وقوله حكاية عنه: ﴿لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ (هود: 43)، وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ (الصافات: 77). ومن الشواهد من كلامه تعالى على عموم الطوفان ما ذكر في موضعين من كلامه تعالى أنه أمر نوحًا (عليه السلام) أن يحمل من كل زوجين اثنين. فمن الواضح أنه لو كان الطوفان خاصاً بصقع من أصقاع الأرض أو ناحية من نواحيها، كالعراق ـ كما قيل ـ لم تكن هناك حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين. وهذا ظاهر. أقوال بعض المفسرين: اختار بعضهم كون الطوفان خاصاً بأرض قوم نوح (عليه السلام). قال صاحب المنار في تفسيره: أما قوله عن نوح (عليه السلام) بعد ذكر تنجيته وأهله: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ (الصافات: 77)، فالحصر فيهم يجوز أن يكون إضافياً، أي الباقين دون غيرهم من قومه. وأما قوله: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ (نوح: 26)، فليس نصاً في أن المراد بـ”الأرض” الكرة الأرضية كلها. فإن المعروف من كلام الأنبياء والأقوام أنهم يذكرون الأرض ويريدون بها أرضهم ووطنهم، كما في قوله تعالى عن فرعون مخاطباً موسى وهارون (عليهما السلام): ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ (يونس: 78)، أي أرض مصر. وقوله: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ (الإسراء: 76)، أي مكة. وقوله: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ (الإسراء: 4)، أي الأرض التي كانت وطنهم. والشواهد على هذا كثيرة. الرد على أقوال الخصوصية: ظواهر الآيات تدل بمعونة القرائن والتقاليد الموروثة عن أهل الكتاب على أنه لم يكن في الأرض كلها في زمن نوح (عليه السلام) إلا قومه. وبالتالي، هلكوا جميعاً بالطوفان ولم يبقَ غير ذريته. وهذا يقتضي أن يكون الطوفان قد غمر البقعة التي كانوا فيها من الأرض، سهلها وجبلها. وإذا كانت اليابسة آنذاك صغيرة لقرب العهد بالتكوين ووجود البشر، فقد يعمّها الطوفان. الشواهد العلمية: استدل بعض العلماء على عموم الطوفان بوجود أصداف وأسماك متحجرة في أعالي الجبال. وفسروا ذلك بأن الماء قد صعد إليها في فترة من الفترات. ولكن رد عليهم آخرون بأن وجود تلك الأصداف والحيوانات البحرية في رؤوس الجبال ربما يعود إلى تكوين الجبال نفسها في الماء، وليس بسبب الطوفان. فصعود الماء أياماً معدودة لا يكفي لتفسير هذه الظاهرة. المسائل التاريخية: أكد بعض العلماء أن هذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن. ولذلك، لم يُبيّنها الله بنص قطعي. فما نراه من ظاهر النصوص القرآنية هو المرجح، ولكن إن أثبت علم الجيولوجيا خلاف ذلك، فلا يضر العقيدة، لأنه لا يناقض نصاً قرآنياً قطعياً. السفينة: بُعث نوح (عليه السلام) وهو ابن أربعمائة سنة. واستمر يدعو قومه لعبادة الله تعالى ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم ذلك إلا عناداً وكفراً. كانوا يضربونه حتى يُغشى عليه، فإذا أفاق قال: “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”. ولما استمروا على كفرهم أوحى الله له: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ (هود: 36). عندها دعا نوح (عليه السلام): ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ (نوح: 26). ثم أمره الله: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ (هود: 37). واستمر في صنعها مدة طويلة (قيل مائتي سنة، وفي رواية أخرى ثلاثين سنة). كانت السفينة كبيرة، وقد ذكرت الروايات أن طولها ألف ومائتا ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وارتفاعها ثمانون ذراعاً. بينما وصفتها التوراة بأن طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون، وسمكها ثلاثون. وكانت مصنوعة من خشب “الششاد” ومطليّة بالقار. الخلاصة: تدل ظواهر النصوص القرآنية على عموم الطوفان، ولا توجد حجة قطعية لصرف هذه الظواهر. أما تفاصيل السفينة فتظل ضمن نطاق الروايات ولا تؤثر على أصل الإيمان بقصة نوح (عليه السلام) والطوفان.