السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
اشهد : أي احلف والقسم ، وتأتي بمعنى أعلم ، كما تقول : اشهد ان لا إله إلّا الله وقوله تعالى : ( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ) أي بيّن واعلم ، وقد ورد في زيارة وارث : « واشهدوا الله وملائكته وأنبياء ورسله إني بكم مؤمن » أي : أجعلهم شهوداً على إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا ترد شهادتهم ، ولا تخفى عليهم السرائر ، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر ، وقد وصف الله تعالى نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه ، وكذا الملائكة والأنبياء بقوله : ( وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ) (١، وروي في قوله : ( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلّغوا فيؤتى باُمّة محمد صلىاللهعليهوآله فيشهدون لهم .
وروي عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : « إيّانا عنى فرسول الله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه » .
قوله : « بِكُمْ مُؤْمِنٌ » أي بحقيقة نورانيّتكم ، ومراتب علومكم وأسراركم الخاصّة بكم ، والإيمان التصديق والإذعان .
وفي الجامعة : « أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به » .
قوله : « وَبِاِيابِكُمْ مُوقِنٌ » يحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن بكم وبإيابكم إلى الدُّنيا في زمن الرجعة . روى عن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) قال : ليؤمنن برسول الله صلىاللهعليهوآله ولينصرن عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : نعم والله من لدن آدم وهلّم جرّا فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا رُدَّ جميعهم إلى الدُّنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلّا ويرجع إلى الدُّنيا وينصر أمير المؤمنين عليهالسلام وهو قوله : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ( وَلَتَنصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليهالسلام » .
ويؤيّده ما في زيارة العباس عليهالسلام : « إني بكم وبإيابكم من المؤمنين » .
ويحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم ، وهذا أظهر ، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهم عليهمالسلام إلى الدنيا لمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة ، كيف وقد روي : « إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهم عليهمالسلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة » .
وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية وقد دلّت عليها
والحاصل : إنّ هذا أمر ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به ، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به ، ولو من باب التسليم المأمور به بقوله تعالى : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) .
وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلى الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلى الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره ، وما هذا إلّا كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات ، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم عليهمالسلام يرجعون إلى الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها ، فلا تلتفت إلى الجهلة الذين يؤولون هذه الأخبار إلى خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع ، متابعة لهوى أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم ، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة .
نعم ، اختلف الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة ، وترتيب من يرجع من الأئمة عليهمالسلام ولا حاجة بنا مهمّة إلى الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة ، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق على ظهور القائم عليهالسلام فإنه عليهالسلام : حيّ موجود الآن لا شك في حياته يظهر بعد ذلك متى شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً .
فإذا مضى من أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسين عليهالسلام وهو صامت إلى أن تمضي إحدى عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّى ( سعيدة ) وهي شقيّة ، فيتولّى الحسين عليهالسلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده ، فالرجعة من زمن خروج الحسين عليهالسلام إلى أن يرفع مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وسائر الأئمة عليهمالسلام إلى السماء ، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله .