logo-img
السیاسات و الشروط
... ( 35 سنة ) - العراق
منذ شهر

فهم آية رؤية يوسف لأبيه ومعانيها العميقة

اريد معنى أيه من القرآن الكريم في سوره يوسف وهي ( أذ قال يوسف لأبيه يا أبتي اني رأيت أحدا عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) اعرف معناها بس اريد افهمها بجواب مفصل وشكراً


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب جاء في تفسير الأمثل للشيخ مكارم الشيرازي، ج٧، ص(١٢٦-١٢٨): بدأ القرآن بذكر قصة يوسف من رؤياه العجيبة ذات المعنى الكبير، لأن هذه الرؤيا في الواقع تعد أول فصل من فصول حياة يوسف المتلاطمة. جاء يوسف في أحد الأيام صباحا إلى أبيه وهو في غاية الشوق ليحدثه عن رؤياه، وليكشف ستارا عن حادثة جديدة لم تكن ذات أهمية في الظاهر، ولكنها كانت إرهاصا لبداية فصل جديد من حياته إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. يقول ابن عباس: (إن يوسف رأى رؤياه ليلة الجمعة التي صادفت ليلة القدر) (ليلة تعيين الأقدار والآجال). ولكن كم كان ليوسف من العمر حين رأى رؤياه؟! هناك من يقول: كان ابن تسع سنوات، ومن يقول: ابن سبع، ومنهم من يقول: ابن اثنتي عشرة سنة، والقدر المسلم به أنه كان صبيا. ومما يستلفت الانتباه إلى جملة " رأيت " جاءت مكررة في الآية للتأكيد والقاطعية، وهي إشارة إلى أن يوسف (عليه السلام) يريد أن يقول: إذا كان كثير من الناس ينسون رؤياهم ويتحدثون عنها بالشك والتردد، فلست كذلك. بل أقطع بأني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين لي دون شك. واللطيفة الأخرى هي أن ضمير " هم " الذي يأتي لجمع المذكر السالم العاقل، قد استعمل للكواكب والشمس والقمر، ومثل هذا الاستعمال " ساجدين " أيضا إشارة إلى أن سجود الكواكب لم يكن من قبيل الصدفة بل كان أمرا مدروسا ومحسوبا كما يسجد الرجال العقلاء! وواضح - طبعا - أن السجود المقصود منه هنا هو الخضوع والتواضع، وإلا فإن السجود المعروف عند الناس لا مفهوم له بالنسبة للكواكب والشمس والقمر. إن هذه الرؤيا المثيرة ذات المغزى تركت يعقوب النبي غارقا في التفكير ... المزید فالقمر والشمس والكواكب، وأي الكواكب! إنها أحد عشر يسجدون جميعا لولدي يوسف، كم هي رؤيا ذات مغزى! لا شك أن الشمس والقمر " أنا وأمه أو خالته " والكواكب الأحد عشر إخوته، هكذا يرتفع قدر ولدي حتى تسجد له الشمس والقمر وكواكب السماء. إن ولدي " يوسف " عزيز عند الله إذا رأى هذه الرؤيا المثيرة! لذلك توجه إلى يوسف بلهجة يشوبها الاضطراب والخوف المقرون " بالفرحة " و قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا وأنا أعرف إن الشيطان للإنسان عدو مبين وهو منتظر الفرصة ليوسوس لهم ويثير نار الفتنة والحسد وليجعل الإخوة يقتتلون فيما بينهم. الطريف هنا أن يعقوب لم يقل " أخاف من إخوتك أن يقصدوا إليك بسوء " بل أكد ذلك على أنه أمر قطعي، وخصوصا بتكرار " الكيد " لأنه كان يعرف نوازع أبنائه وحساسياتهم بالنسبة لأخيهم يوسف، وربما كان إخوته يعرفون تأويل الرؤيا، ثم إن هذه الرؤيا لم تكن بشكل يعسر تعبيرها. ومن جهة أخرى لا يتصور أن تكون هذه الرؤيا شبيهة برؤيا الأطفال، إذ يمكن احتمال رؤية الأطفال للشمس والقمر والكواكب في منامهم، ولكن أن تكون الشمس والقمر والكواكب موجودات عاقلة وتنحني بالسجود لهم، فهذه ليست رؤيا أطفال... ومن هذا المنطلق خشي يعقوب على ولده يوسف نائرة الحسد من إخوته عليه. ولكن هذه الرؤيا لم تكن دليلا على عظمة يوسف في المستقبل من الوجهة الظاهرية والمادية فحسب، بل تدل على مقام النبوة التي سيصل إليها يوسف في المستقبل. ولذلك فقد أضاف يعقوب - لولده يوسف - قائلا: وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق. أجل فإن الله على كل شئ قدير و إن ربك عليم حكيم. ودمتم في رعاية الله وحفظه.