السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب:
ولدي الكريم،
بالنّسبةِ للحروبِ التي سُمّيَت بالفتوحاتِ، والتي يذكرُها التّاريخ فلا يمكنُ إعطاءُ حُكمٍ واحدٍ لكلِّ الحروبِ، لكونِ هذا العنوان يجمعُ وقائعَ مُختلفةً تماماً، فبعضُ هذهِ الحروبِ كانَت في حقيقةِ أمرِها دفاعيّةً، كما في حروبِ المُسلمينَ معَ الرّومِ ومع الفُرسِ، إذ كانَ هؤلاءِ يسعونَ للانقضاض على بلادِ المُسلمينَ والفتكِ بها، فكانَ التّصدّي لهُم دفاعاً عَن ثغورِ المُسلمين.
وبعضُ هذهِ الحروبِ كانَ الغرضُ مِنها التّوسّعُ.
فنحنُ أمامَ نوعينِ منَ الحروبِ عُنونَت بنفسِ العنوانِ، والحكمُ عليها يتبعُ الُمعنونَ لا العنوانَ.
وأمَّا بالنّسبةِ لموقفِ أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) من هذه الحروب، فلكَي تكونَ المُساهمةُ في الفتوحاتِ شرعيّةً فهُم (عليهم السّلام) قَد اِشترطُوا فيها شروطاً، فقَد وردَ عَن أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام): «لا يخرجُ المُسلمُ في الجهادِ معَ مَن لا يُؤمَنُ على الحُكمِ، ولا ينفِّذُ في الفيءِ أمرَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فإنّهُ إن ماتَ في ذلكَ المكانِ كانَ مُعيناً لعدوِّنا في حبسِ حقِّنا والإشاطةِ بدمِنا وميتَتُه ميتةٌ جاهليّة». (١)
ووردَ عَن الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) أنّهُ قالَ لبعضِ أصحابِه: «يا عبدَ الملكِ، ما لي لا أراكَ تخرجُ إلى هذهِ المواضعِ التي يخرجُ إليها أهلُ بلادِك؟ قلت: وإلى أين؟ قالَ: «جدّةَ وعبّادان والمصيصةَ وقزوين»، فقلتُ: انتظاراً لأمرِكُم والاقتداء بكُم، فقالَ (عليه السّلام): «إي واللهِ لَو كانَ خيراً ما سبقونا إليه». (٢)
فلابد مِن مُلاحظة أمر مهم، وهو أنّ حُكمُنَا بشرعيّةِ أصلِ الحربِ لا يعني تسليمَنا بشرعيّةِ تفاصيلِها ومُجرياتِ أحداثِها، فقَد تكونُ الحربُ شرعيّةً بالأصِل كما لو كانت دفاعية، ولا نزاعَ في ذلكَ، ولكِنّ جنودَها وقادتَها قد يرتكبونَ أخطاءً فادحةً، بَل يرتكبونَ ما يُصطلحُ عليهِ اليومَ بجرائمِ حربٍ أو جرائمَ ضدَّ الإنسانيّةِ!
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الفتوحات الإسلامية؛ لأنّها عندنا من واجبات المعصوم (عليه السلام) فقط سواء أكان نبياً أم إماماً.
وأمّا من سواه من الخلفاء والملوك فإنّ كانت فتوحاتهم بمبرر شرعي، مثل الدفاع أو كانت بإذن الإمام أو مشاركته (عليه السلام) فهي شرعية ـ ولا نبرر ما يقع فيها من أخطاء ـ وإن كانت بدوافع أخرى مثل توسيع الممالك لأجل توسيع سلطانه أو فيئه أو إرضاءاً؛ لغروره وتهوره وأطماعه أو لأجل تلهية المسلمين عن المشاكل الداخلية، لاستتباب الأمن على ملكه، فكل ذلك قد يكون سبباً لتلك الفتوحات، فلا نبررها حينئذ أبداً، ولا نرضى على ما يجري فيها من ظلم أو تجاوز قطعاً.
ونحب أنّ نذكر معلومة بأنّ كل حروب النبي (صلى الله عليه وآله) وغزواته وسراياه لم تسبب أكثر من ألف قتيل على أعلى التقادير، مع دخول مئات الآلاف من الناس إلى الإسلام في زمنه (صلى الله عليه وآله)، وكذلك فيما بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، علماً أنها دفاعية.
فقد دخل أكثر المسلمين وأكثر الدول إلى الإسلام واعتنقوه دون قتال ومواجهة، بل أكثرهم قد دخل دون تلك الفتوحات والجيوش، وإنّما دخلوا إعجاباً بدين الإسلام لما رأوا المسلمين مثل التجار ومعاملتهم وصدقهم وعدم غشهم وأخلاقهم، فدخلوا الإسلام بسبب ذلك طوعاً.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.
————————————
(١) تهذيبُ الأحكامِ، الشيخ الطوسي، ج٦، بابُ مَن يجبُ معهُ الجهادُ، الحديث ٤.
(٢) الكافي، الشيخ الكليني، ج٥، ص١٩.