وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب
ولدي العزيز، نذكر لكم شيئأ من سيرة حرملة بن كاهل الاسدي (لعنه الله) من خلال النقاط التالية:
الأولى: حكى هشام بن محمد عن القاسم (بن الأصبغ) المجاشعي قال: لما أتي بالرؤوس إلى الكوفة إذ فارس من أحسن الناس وجها قد علق في لبب فرسه رأس ... المزید كأنه القمر ليلة تمامه، والفرس طوح فإذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالأرض.
فقلت له: رأس من هذا؟
قال: رأس العباس بن علي (رضي الله عنهما).
قلت: وأنت؟
قال: حرملة بن الكاهل الأسدي.
قال: فلبث أياماً وإذا بحرملة فصار وجهه أشد سواداً من القار.
فقلت له: لقد رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب أنضر وجهاً منك وما أدري اليوم إلا أقبح وإلا أسود وجهاً منك!
فبكى وقال: والله منذ حملت الرأس وإلى اليوم ما تمر علي ليلة إلا واثنان يأخذان بضبعي ثم ينتهيان بي إلى النار فيدفعاني فيها (وأنا أنكص فتسفعني) ثم مات على أقبح حال(١).
الثانية: هو الذي ارتكب جريمة قتل الطفل الرضيع في يوم عاشوراء حيث ذبحه في حجر ابيه الحسين (عليه السلام) وفي ذلك يقول الإمام المهدي (عليه السلام): «السلام على عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع والمرمي الصريع المتشحط دماً المصعد دمه في السماء ... لعن الله راميه حرملة بن كاهل الاسدي وذويه»(٢)
الثالثة: إنّ الله تعالى استجاب دعاء الامام زين العابدين (عليه السلام) في حرملة، كما استجاب دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في ابن حوزة في يوم عاشوراء عندما دعا عليه.
قال (لعنه الله) على الإمام الحسين (عليه السلام) يا حسين! أبشر بالنار!
قال (عليه السلام): كذبت، بل أقدم على رب غفور وشفيع مطاع، فمن أنت؟
قال: ابن حوزة، فرفع الحسين (عليه السلام) يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب، ثم قال: أللهم حزه إلى النار!
فغضب ابن حوزة، فذهب ليقحم إليه الفرس، وبينه وبينه نهر، فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها فانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب(٣).
فلا يبعد أن يكون ما حل بحرملة (لعنه الله) بسبب دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) عليه حينما علم أن حرملة لازال على قيد الحياة.
فإن هذه الحادثة ذكرة في الكثير من المصادر، لتكون شاهدا على تحقق دعاء الإمام (عليه السلام) بحق القاتل والمجرم حرملة.
حيث روى المنهال بن عمرو، قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) بعد منصرفي من مكة، فقال لي: «يا منهال! ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟» فقلت: تركته حياً بالكوفة.
قال: فرفع يديه جميعاً، ثم قال (عليه السلام): «اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار» فقال المنهال: فقدمت الكوفة، وقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان لي صديقاً، فكنت في منزلي أياماً حتى انقطع الناس عني، وركبت إليه، فلقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه، ولم تهنئنا بها، ولم تشركنا فيها؟ فأعلمته أني كنت بمكة، وأني قد جئتك الآن، وسايرته ونحن نتحدث حتى أتى الكناس، فوقف وقوفاً كأنه ينظر شيئاً، وقد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل، فوجه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، وقوم يشتدون، حتى قالوا: أيها الأمير البشارة، قد أخذ حرملة بن كاهل.
واضاف فما لبثنا أن جيئ به، فلما نظر إليه المختار، قال لحرملة: الحمد لله الذي مكنني منك، ثم قال: الجزار الجزار.
فأتي بجزار، فقال له: اقطع يديه. فقطعتا، ثم قال له: اقطع رجليه. فقطعتا، ثم قال: النار النار. فأتي بنار وقصب، فألقي عليه فاشتعل فيه النار.
فقلت: سبحان الله! فقال لي: يا منهال إن التسبيح لحسن ففيم سبحت؟ فقلت: أيها الأمير، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي، فقلت: تركته حياً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً، فقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.
فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول هذا؟ فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا. قال: فنزل عن دابته، وصلى ركعتين، فأطال السجود، ثم قال فركب وقد احترق حرملة(٤).
الرابعة: وذكر بعض الخطباء ان حرملة أيضاً قام برمي السهم الذي وقع في عين العباس (عليه السلام) والسهم الذي وقع في قلب الحسين (عليه السلام) كما انه قتل غلاماً اسمه عبد الله بن الحسن في الطف(٥).
وربما يظهر من دعاء الإمام (عليه السلام) أن حرملة كان قد اشترك في إحراق الخيام أيضاً مما سبب نشوب النار إلى بعض النساء أو الأطفال.
ثم إن سائر ما نسب إلى المختار من الإحراق ونحوه فلا يعلم وجهه، لكن ولا شك أن المختار (رحمه الله) من الأخيار، وقد ترحم عليه عدد من أئمة الهدى (عليه السلام)، كما يجده الإنسان في قواميس الرجال.
لكن ربما لم يكن المختار هو الذي يأمر بحرقهم، بل أمر بقتلهم والناس أحرقوا جثثهم لشدة غضبهم على قاتلي سيد الشهداء (عليه السلام) فلم يمنعهم المختار من ذلك، حيث كان لا يرى حرمة لأجساد هؤلاء اللعناء(٦).
ودمتم موفقين.
____________________________________
(١) ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي، ج٣، ص٤٤.
(٢) مركز الأبحاث العقائدية (بتصرف).
(٣) موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع)، ص٥٢٧.
(٤) منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل (ع)، الشيخ عباس القمي، ج١، ص٧٩٦.
رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (ع)، السيد نعمة الله الجزائري، ج١، ص٢٨٤.
والكثير من المصادر الأخرى، التي تنقل الحادثة بنفس المضمون.
(٥) مركز الأبحاث العقائدية (بتصرف).
(٦) قتلة الإمام الحسين (ع) والجزاء الدنيوي، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ص١٥ (بتصرف).