logo-img
السیاسات و الشروط
محمد ( 28 سنة ) - العراق
منذ شهرين

تفسير الآية 75 من سورة المؤمنون

سلام عليكم ما معنى تفسير الاية 75 من سورة المؤمنون


وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته ولدي العزيز، إنّ فهم هذه الآية المباركة يرتبط بمجموعة آيات بعدها بحسب وحدة سياق الكلام القرآني فقد جاء في تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج١٠، الصفحة (٤٨٨): ﴿ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون (٧٥) ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون (٧٦) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون (٧٧)﴾ عرضت الآيات السابقة الحجج التي يتذرع بها منكرو الحق في رفض الرسالات وإيذاء الأنبياء (عليهم السلام). وتناولت هذه الآيات إتمام الحجة عليهم من قبل الله تعالى وتوعيتهم. فتقول أولاً: إننا تارة نشملهم برعايتنا ونرزقهم من وفير النعمة لينتبهوا، ولكن: ﴿ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون﴾. والله تعالى يبتليهم لعلهم يعون حين لا تجدي بهم رحمته سبحانه، لكن طائفة غالبة منهم لم يستيقظوا حتى بالبلاء المذل ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون(١). "التضرع" مشتقة من الضرع بمعنى الثدي، فالتضرع يعني الحلب، ثم استعملت بمعنى التسليم المخالط بالتواضع والخضوع. وتعني هذه الآية أن المشركين لم يتخلوا عن غرورهم وعنادهم وتكبرهم، ولم يستسلموا للحق حتى وهم يواجهون أشد النكبات عصفاً بهم. وإذا ما فسر التضرع في الروايات بأنه رفع اليدين نحو السماء للدعاء، فهو أحد مصاديق هذا المعنى الواسع. فاللّه تعالى يواصل هذه الرحمة والنعمة والعقوبات، والمشركون يواصلون طغيانهم وعنادهم حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذابٍ شديد إذا هم فيه مبلسون(٢). الواقع، أنّ نوعين من العقاب الإلهي: أولهما "عقاب الابتلاء"، وثانيهما "عقاب الإستيصال" والاقتلاع من الجذور، والهدف من العقاب الأول وضع الناس في صعوبات وآلام ليدركوا مدى ضعفهم وليتركوا مركب الغرور. أما هدف العقاب الثاني الذي ينزل بالمعاندين المستكبرين فهو إزالتهم عن مجرى الحياة، وتطهيرها من عراقيلهم، لأنه لم يبقَ لهم حق الحياة في نظام الحق، ولهذا يستوجب اقتلاع هذه الأشواك من طريق تكامل البشر. وبين المفسرين اختلاف في قصد الآية من عبارة باباً ذا عذابٍ شديد. فالكثيرون يرون أنه الموت، ثم العذاب وعقاب يوم القيامة. وآخرون يرونه القحط الشديد الذي واجه المشركين سنين عديدة بدعاء من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأصبحوا لا يجدون ما يأكلون، حتى تناولوا ما تشمئز منه الأنفس. وغيرهم يرونه العقاب الأليم الذي نزل على المشركين بضربات سيوف جند الإسلام في معركة بدر. وهناك احتمال أن الآية لا تختص بفئة معينة، بل هي استعراض لقانون شامل عام للعقوبات الإلهية، يبدأ من الرحمة، فالتنبيه والعقاب التربوي، وينتهي بعذاب الاقتلاع من الجذور والدمار(٣). ودمتم موفقين. _________________________________ (١) "استكانوا" مشتقة من السكون، بمعنى الصمت في حالة الخضوع والخشوع، وبهذه الصورة ستكون من باب "افتعال" التي كانت في الأصل استكنوا. أشبعت فتحة الكاف وبدلت إلى ألف. فأصبحت استكانوا. وقال البعض: إنها مشتقة من كون، ومن باب "إستفعال" أي طلب الإقامة في مكان بخضوع وخشوع. وعلى كل حال فإنها تبين حالة العبد الخاضع لربه، وقد اعتبرها البعض بمعنى الدعاء بسبب كونه أحد مصاديق الخضوع والتواضع. أما الاحتمال الثالث، فهي مشتقة عن " الكين " على وزن " عين " ومن باب الاستفعال، لأنها تعني الخضوع أيضا. وجميع هذه المعاني متقاربة. (٢) "المبلس" كلمة مشتقة من "الإبلاس". بمعنى الألم الشديد الناتج عن شدة أثر الحادثة. وتدفع بالإنسان إلى الصمت والحيرة واليأس. (٣) الآية إن الذين لا يؤمنون بالآخرة التي ذكرت قبل هذه الآيات تؤيد هذا التفسير.