السلام عليكم
هل كانت صلاة بزمن النبي عيسى (عليه السلام) مثل صلاة النبي المحمد (صلى الله عليه واله) ولكن الان هذه الصلاة منحرفة عند المسيح، لان النبي عيس(عليه السلام) سوف يصلي صلاة خلف الامام المهدي (عجل الله فرجه) هل هذا كلام صحيح؟
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيق المجيب:
في قراءة سريعة لتأريخنا الديني، وفي نظرة عابرة للمراحل والأطوار التي عاشتها البشرية، من عصر آدم (عليه السلام) حتى عصر خاتم الأنبياء النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، نجد أن الصلاة رسالة هادفة، دعا إليها جميع الرسل والأنبياء، ومارسها جميع المؤمنين عبر العصور.
وفي القرآن الكريم ملاحظة قيمة، تكررت في أكثر من سورة كريمة لتؤكد حقيقة أن الصلاة مبدا ثابت في كل شرائع السماء، وهذه الحقيقة تكشف عن حقيقة أخرى وهي أن الأديان السماوية كلها تستمد نظمها وتشريعاتها من منبع واحد هو الله سبحانه وتعالى، ولكن الفرق بينها كالفرق بين صف وآخر في داخل المدرسة الواحدة، وذلك لأن الدين كان يراعي نمو البشرية وتطورها من عمر الى عمر، ومن بيئة الى بيئة، فيضع لكل مرحلة من الزمن ولكل بيئة من المجتمعات، التشريع الذي ينسجم مع عمرها ومع مستوى إدراكها ونضوجها مع مراعاة أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
وحينما وصلت البشرية إلى مرحلة مهمة من التطور والارتقاء، وأصبح بإمكانها أن تستوعب رسالة الدين الكاملة التي تصلح لكل مكان وزمان، أوحى الله سبحانه وتعالى الى قلب نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)؛ بالقرآن هدىً ورحمة للعالمين، ليكون الإسلام هو الصيغة النهائية التي وضعت لتشمل حياة الإنسان في الحاضر والمستقبل كما اثبتت لنا وقائع الأحداث وحركة التأريخ منذ ما يقارب الألف واربعمائة عام.
وبذلك كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء، وهكذا كانت دعوته الى الصلاة، حلقة متممة لباقي الحلقات، فنجد ان القرآن الكريم يحدثنا عن حقيقة الصلاة التي تناقلتها الأجيال المؤمنة جيلا بعد جيل، ففي سورة مريم (عليها السلام) تشير الآية الى أن الصلاة كانت سلوكا ايمانيا التزمت به ذرية آدم ونوح وإبراهيم وإسرائيل (عليهم السلام)، ومن الملفت للنظر في هذه السورة أن هذه الأمم كانت إذا تليت عليها آيات الله خرّت ـ سجدا وبكيا ـ ومعنى ذلك أن السجود كان عملا يُعّبر عن إيمان المؤمنين وعبادتهم، وسنعرف أن السجود هذا هو جزء من أجزاء الصلاة عند المسلمين.
يقول تعالى ((أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(مريم ـ 58ـ59).
وعلى لسان النبي إبراهيم (عليه السلام) تقول الآية: ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ... المزید..) (إبراهيم ـ 40)، وتصف الآية الأخرى، النبي إسماعيل (عليه السلام) فتقول: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ ......) (مريم ـ 55)، ثم تصور لنا صورة من صور الصراع الذي كان يخوضه شعيب النبي (عليه السلام) مع بين قومه في أروع دلالة: ((قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ..... ) (هود: 87)، وعن النبي موسى وهارون (عليهما السلام): (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ )،(يونس: 87).
ولقد وعد الله بني إسرائيل بالعون والمساعدة شريطة أن يستقيموا في الأرض ويقيموا الصلاة: قال الله سبحانه وتعالى:(وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي ) (المائدة: 12).
وعن السيد المسيح (عليه السلام) حينما كلّم الناس وهو في المهد صبيا قال: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا )(مريم: 30 ـ 31).
نعم هذه هي الصلاة، عبادة روحية حياتية دعا اليها جميع الرسل والأنبياء عليهم السلام ومارسها جميع المؤمنين على اختلاف أديانهم...
وقد تعرضت هذه العبادة الى التضييع كما قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، (مريم: 59) .
وهذا التضييع اما بتركها او تغيّرها وتحريفها وقد ورد عن لسان بعض الصحابة هذا المعنى كما في (صحيح البخاري في ابواب متفرقة):
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:( مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: الصَّلاَةُ؟ قَالَ: أَلَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا) .
حدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، «فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ»، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال أبو موسى: لقد ذَكَّرَنا علِيُّ بنُ أبي طالبٍ صَلاةً كنَّا نُصلِّيها مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إمَّا نَسيناها، وإمَّا تَرَكْناها عَمدًا، يُكبِّرُ كلَّما رَكَعَ، وكلَّما رَفَعَ، وكلَّما سَجَدَ.
ودمتم موفقين.