السلام عليكم
المهم هو أنّ المكلف إذا التفت ـ أوّلاً ـ إلى أنّ الشارع المقدس هو الخالق والقادر على الإطلاق، والعالم بمصالح الأمور، و «لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ»، و ـ ثانياً ـ إلى أنّه تبارك وتعالى لا يريد بعباده إلّا الخير و «إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيراً»، فسيعلم بوجود ضرر ومفسدة في كلّ ما نهى الشارع عنه، ومصلحة في كلّ ما أمر به، فيترك المنهيّ عنه ويأتي بالمأمور به تعبداً بأوامره ونواهيه سبحانه وتعالى، ومطمئناً بأنّ في ذلك صلاح دينه ودنياه وآخرته سواء شخّص تلك المصلحة أو لم يشخّصها.
نعم، قد ذكر في بعض الروايات ما يتصور كونه علّة لبعض الأحكام الشرعية، وقد جمعها الشيخ الصدوق قدس سرّه في كتاب أسماه علل الشرائع، وهي في الغالب ليست علّة تامة بل حكمة للحكم الشرعي.
وقد يُدّعى اكتشاف علّة بعض الأحكام ومصالحها بما توصّل إليه العلم الحديث ولكن ذلك ـ على فرض ثبوته وصحته ـ قد لا يكون إلّا جهة واحدة من مصالح ذلك الحكم، فلا يمكن أن نحكم بكونه علّةً للحكم وأنّ ثبوت الحكم وعدمه يدور مداره. هذا، إذا كان سؤالك عن علّة الحكم في الشريعة المقدسة.
وأمّا إن كنت تستفسرين عن علّة الفتوى بذلك الحكم، فـإنّ الاستدلال على الحكم الشرعي واستنباطه من الأدلّة الشرعية ـ أي: الكتاب والسنّة والإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام والعقل ـ إنّما هو من شؤون الفقيه المجتهد، وقد لا يتمكّن عموم الناس بل حتى الفضلاء أن يستوعبوا الدليل على حكم من الأحكام؛ لأنّ الاستدلال الفقهي والاجتهاد يتوقّف على معرفة العلوم المختلفة والإحاطة بالآيات والروايات وغيرها ممّا يتطلّبها ممارسة الاجتهاد وبذل الجُهد في معرفة الأحكام الشرعية.