وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
في المتواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «الأمل رحمة لأمتي ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجراً».
وعنه (صلى الله عليه وآله): «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتّى يغرسها فليغرسها».
ولكن هذا الأمل نفسه الذي وصفته الروايات الشريفة والذي يعد رمزاً في حركة الإنسان وسعيه في الحياة الدنيا، وشبه الحكماء بالماء الذي يسقي الأرض، وينعش أحساسات الإنسان وعواطفه، هذا الآمل نفسه لو تجاوز حده أصبح عنصراً يهدد حياة الإنسان، ويغرقه في بحر الدنيا وملذاتها.
روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».
لو تتبعنا حديث الإمام (عليه السلام)، فالأمل هنا يشير إلى الأمل الإيجابي لإعمار الدنيا، للإنسان الفطن الذي يجعلها مزرعة للآخرة، كما ورد في الحديث الشريف: «الدنيا مزرعة الأخرة ومن أبصر إليها»، أي: جعلها مقصودة مطلوبة، اعمته، يعنى منعته عن النظر إلى ما وراءها من الباقيات الصالحات.
نعم، طول الامل مذموم ، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَتجدَنَّهُمْ أحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ أحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: ٩٦).
فليس الوصول إلى الله بطول العمر وأنما بحسن العمل، وبتعبير أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَام، بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الاَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ، فَكُونُوا مِنْهَا عَلى أَوْفَاز وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّيَالِ». لإنها من وجهة نظره (عليه السلام) "دَارُ فَنَاء، وَعَنَاء"، يستحيل استمراريتها على نمط معين، فلا تعني الثبات والديمومة، لذلك يجب على من يعيش على أديمها أن يضع في اعتباره أن الركون إلى مغرياتها، والجري وراء ملذاتها، والتكالب على مقتنياتها في ظل فكرة طول الأمل والخلود التي تراوده، ما هي إلا حلم بعيد المنال؛ لأنَّها كما يقول (عليه السلام): «أَلاَ وإنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لاَ يُسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ فِيهَا».
وهناك جانب آخر عالجه أمير المؤمنين (عليه السلام) عن طريق التأكيد بين الملازمة والعمل، كما يقول (عليه السلام): «وَأَمَّا طُولُ الاْمَلِ فَيُنْسِي الاْخِرَةَ»، ويمكننا استنتاج ذلك لأنَّ طول الأمل يوجب اشغال الفكر الذي يورث سهو القلب عن ذكر الله وذكر الموت وأحوال الآخرة وذلك معنى النسيان لها الموجب للشقاء الأبدي فيها.
ثم ينبغي الالتفات إلى نكتة مهمة وهي: إن أصل( الأمل) ليس فقط غير مذموم بل له دور مهم في إدامة حركة الحياة البشرية في أبعادها المادية والمعنوية، كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام).
إن عدم نسيان الموت، يجعل الإنسان ينصرف عن التفكير في الامل الطويل الذي لا ينفع ولايجدي من شيء، منه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحديد: ١٦).
ويترتب على ذلك عدم الإتيان بالأعمال الصالحة، كما يصوره قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «من طال أمله ساء عمله»، التفكير بالآمال الطويلة وعوالق الدنيا، وخداع ظواهرها، يجعل الإنسان أن يسلك سبيل الشك والترديد بالله سبحانه وتعالى، فلا سبيل له إلا بتجديد اليقين محل الشك، والزهد في قبال قصر الأمل، فيكون ذكر الموت مدعاة لعدم نسيان الآخرة.
ودمتم موفقين.