( 24 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين

اذا كان الله تعالى قد أعطى للانسان حرية اختيار طريقه كما جاء في الآية "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" فلماذا نجد في ايات اخرى انه غير مخير وانما الله هو من يختار له كما في الآية "وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله" والآية "افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء..." فمن هو الذي يحدد هداية الانسان هل هو نفسه ام الله تعالى؟


بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلا بكم في تطبيقكم المجيب لا يوجد اي تنافي بين هذه الايات ولي فقط هذه الايات بل هناك طائفتان من الايات الطائفة الاولى: تثبت ان الاختيار وتحديد المصير بيد الانسان واختياره ((قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها))(الأنعام: ١٠٤) ((يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) (يونس: ١٠٨). ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))(الرعد: ١١). وغير هذه الايات التي يظهر منها ان مصير الانسان رهن اختياره وقراره وليس لله تعالى في ذلك سلطة. الطائفة الثانية: تثبت ان الانسان لا استقلال له في اختياره وان كل شيء يكون باذن الله: ((وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) (الانسان: ٣٠). ((وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين))التكوير ٨١: ٢٩). وغير هذه الايات الكثير. وهنا ياتي التساؤل اننا لا نفهم كيف يمكن هذا فمن جهة الايمان والاختيار بيد الانسان ومن جهة ان كل شيء بيد الله تعالى ولا يكون الا باذنه فكيف يمكن الجمع بين هذه الامور؟ الجواب: ان هذه المسألة من المسائل التي حيرت المذاهب وتفرقت فيها الاراء فمنهم من انكر ان يكون لله شيء ودخل في اختيار الانسان وانه كله من الانسان وان الله تعالى فوض كل الامور بيد الانسان وانه خلقه وتركه لنفسه يفعل مايريد كيفما يريد وهؤلاء هم المفوضة. ومنهم من خالف خذا الراي تماما وقال ان كل فعل يصدر هو لله وليس للانسان الاختيار في اي فعل من افعاله وهؤلاء هم المجبرة. وهناك راي ثالث وهو راي اهل البيت (عليهم السلام) وهو الموافق للقران الكريم وهو مسك الامور من الوسط فليس الانسان مختارا تماما ولا ان الله هو الفاعل تماما بحيث لا حصة للانسان في الفعل وانما امر بين امرين وهنا جاءت كلمة اهل البيت (عليهم السلام) :(لاجبر ولا تفويض بل امر بين امرين) فالانسان له اختيار في ان يؤمن او لا ((… فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ …))(سورة الكهف، آية 29) ولكن خذا لا يعني ان الانسان خارج عن سلطان الله تعالى وانما هذه المشيئة من عند الله تعالى فهو من اقدره على ان يشاء وهو الذي اقدره واعطاه الاختيار ان لا يشاء وعندها يصدق قوله تعالى ((وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ))(سورة التكوير، آية 29) ويمكن تقريب الفكرة بمثال : لو اعطيت لولدي جهاز التلفاز واوصلته بالكهرباء ومصدر الكهرباء بيدي انا الاب واعطيت التحكم (الرمونت) لولدي وقلت له انا ساعطيك الكهرباء ويشتغل التلفاز وانت من سيختار القناة فان اخترت القناة النافعة اعطيتك مكافأة وان اخترت القناة المضرة فانا اعاقبك واختار الولد القناة النافعة فهنا نقول هل اختيار القناة هو بيد الولد بحيث الاب ليس له ادنى علاقة ام له سيطرة وسلطنة على الولد الجواب ان الولد له الاختيار ولكن ليس مستقلا عن ارادة الاب فان الاب هو من اعطى الكهرباء للجهاز وهو من اذن للولد ان يختار فالقناة النافعة من اختيار الولد ولكن باذن الاب وهو من اعطاه القدرة على الوصول للقناة بان هيأ له الجهاز والكهرباء والتحكم. اذا اتضح هذا يتضح معنى الامر بين امرين اجمالا فالله تعالى هو من اعطى القوة للانسان واذن له ان يختار وحذره من الاختيار الفاسد وبشره بالنعيم والجائزة ان اختار النافع والايمان هو احد هذه الامور التي يسعى الانسان للحصول اليها فان آمن فهو من اختياره ولكن باذن الله فالله هو من اعطاه العقل حتى يفكر ويحلل ويؤمن واعطاه قدرة الاختيار والتمييز بين الفاسد والنافع من القضايا الايمانية فان اختار الايمان الفاسد او الايمان الحق فهو اختياره ولكن ليس خارجا عن سلطان الله. وهذه المسالة من المسائل العقائدية المهمة والخطيرة والتي زلت بها اقدام الكثيرين الا اهل البيت (عليهم السلام) ومن تبعهم وسار على منهجهم. وفقنا الله واياكم وجميع المؤمنين للسير علو منهاجهم ومن الثابتين عليه إلى يوم موتنا وحشرنا ونشرنا. تحياتي لكم ودمتم بحفظ الله ورعايته

1