السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب
جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج٢٠، ص(١١١):
قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ وصف ليوم القيامة بانقسام الوجوه فيه إلى قسمين: ناضرة وباسرة، ونضرة الوجه واللون والشجر ونحوها ونضارتها حسنها وبهجتها.
والمعنى: نظراً إلى ما يقابله من قوله: ﴿ووجوه يومئذ باسرة﴾ الخ وجوه يوم إذ تقوم القيامة حسنة متهللة ظاهرة المسرة والبشاشة قال تعالى: ﴿تعرف في وجوههم نضرة النعيم﴾ (المطففين: ٢٤).
وقال: ﴿ولقاهم نضرةً وسروراً﴾ (الدهر: ١١).
وقوله: ﴿إلى ربها ناظرة﴾ خبر بعد خبر لوجوه، و ﴿إلى ربها﴾ متعلق بناظرة قدم عليها لإفادة الحصر أو الأهمية.
والمراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسي المتعلق بالعين الجسمانية المادية التي قامت البراهين القاطعة على استحالته في حقه تعالى، بل المراد النظر القلبي ورؤية القلب بحقيقة الإيمان على ما يسوق إليه البرهان ويدل عليه الأخبار المأثورة عن أهل العصمة (عليهم السلام) وقد أوردنا شطراً منها في ذيل تفسير قوله تعالى: ﴿قال رب أرني أنظر إليك﴾ (الأعراف: ١٤٣).
وقوله تعالى: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ (النجم: ١١).
فهؤلاء قلوبهم متوجهة إلى ربهم لا يشغلهم عنه سبحانه شاغل من الأسباب لتقطع الأسباب يومئذ، ولا يقفون موقفاً من مواقف اليوم ولا يقطعون مرحلة من مراحله إلا والرحمة الإلهية شاملة لهم ﴿وهم من فزع يومئذ آمنون﴾ (النمل: ٨٩).
ولا يشهدون مشهداً من مشاهد الجنة ولا يتنعمون بشيء من نعيمها إلا وهم يشاهدون ربهم به لأنهم لا ينظرون إلى شيء ولا يرون شيئاً إلا من حيث إنه آية لله سبحانه والنظر إلى الآية من حيث إنها آية ورؤيتها نظر إلى ذي الآية ورؤية له.
ومن هنا يظهر الجواب عما أورد على القول بأن تقديم ﴿إلى ربها﴾ على ﴿ناظرة﴾ يفيد الحصر والاختصاص، أن من الضروري أنهم ينظرون إلى غيره تعالى كنعم الجنة.
وأنهم لما لم يحجبوا عن ربهم كان نظرهم إلى كل ما ينظرون إليه إنما هو بما أنه آية، والآية بما أنها آية لا تحجب ذا الآية ولا تحول بينه وبين الناظر إليه فالنظر إلى الآية نظر إلى ذي الآية فهؤلاء لا ينظرون في الحقيقة إلا إلى ربهم.
وأما ما أجيب به عنه أن تقديم ﴿إلى ربها﴾ لرعاية الفواصل ولو سلم أنه للاختصاص فالنظر إلى غيره في جنب النظر إليه لا يعد نظراً، ولو سلم فالنظر إليه تعالى في بعض الأحوال لا في جميعها.
فلا يخلو من تكلف التقييد من غير مقيد على أنه أسند النظر إلى الوجوه لا إلى العيون أو الابصار ووجوه أهل الجنة إلى ربهم دائما من غير أن يواجهوا بها غيره.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.