ظاهرة السبي وملك اليمين
السلام عليكم اريد شرح مفصل لظاهرة السبي و ملك اليمين و الاماء و هذه الامور من نظرة التشيع و المذهب الجعفري لها و كذلك هل فعلاً احل الله زواج السبيات او العبدات و ما تفسير قوله تعالى ﴿وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حافِظونَ إلّا عَلى أَزواجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلومينَ﴾ [المؤمنون: [٥-٦] و ما موقف المراجع من هذا الامر و ارجوا الرد بشكل مفصل و بادلة معتبرة ..... مع الود
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب ولدي العزيز: ظاهرة العبيد والإماء مّا قبل الإسلام، بل هي ظاهرة ضاربة في التأريخ ملازمة للمجتمع البشري وظاهرة بارزة من ظواهره، فليست هي ظاهرة نشأت معاصرةً للإسلام إنّما هي كما بينت لك موجودة منذ القدم كحالة متجذرة في المجتمع، فالإسلام عند بروزه بإعلانه على يد النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وجد هذه الظاهرة ووجدها بعمق مجتمعي لا يمكن إصلاحه مّا لم تُتخذ طريقة محكمة للقضاء عليه، وهذا ممّا لا يشك فيه أحد، بل أنّ هذه الظاهرة منذ التأريخ هي قضية قطعية، فليس من الصحيح تحميل الإسلام المسؤلية عن هذه الظاهرة، إنّما هي ظاهرة موجودة منذ فجر التأريخ وقد عاصرها الأنبياء السابقون. ظاهرة العبيد والإماء هي أن يكون بعض الناس لاعتبارات معينة أن يكون عبداً عند أحد يتملكه بالشراء من غيره أو بطرق أخرى كانت معمولة في كيفية الاسترقاق وحقيقتها أن الرجل أو المرأة يمتلك العبد أو الأمة بحيث يكون جزء من أملاكه يباع ويشترى ويُستفاد من منافعه حاله حال حيواناته أو غيرها من ممتلكاته. عندما جاء الإسلام الحنيف وجدها ظاهرة متجذرة بأعماق النفوس يصعب اقتلاعها، أو على الأقل سياسة الإسلام في نشر معارفه وتصديق نبيه تقتضي المعالجة بسياسة خاصة، فركّز الإسلام على القضاء على هذه الظاهرة ولكنه بطريقة هو أختارها فكان تحرك الشارع المقدس في القضاء على هذه الظاهرة له خطوات نذكر لك منها: الخطوة الأولى: تجفيف الأسباب التي من خلالها يمكن جعل الحر عبداً فإنّ الطرق التي تجعل الحر عبداً قبل الإسلام فلنفرضها عشرة طرق فجاء الإسلام وحصرها في طريق واحد وهو: أن يكون من خلال المعركة والحرب والكافر محارب للمسلم فهجم المسلمون عليهم وتحت راية الإمام المعصوم عليه السلام أو وكيله الخاص فإن انتصر المسلمون أخذوا النساء والأطفال وغيرهم عبيداً، وفي هذه الحالة فقد ضيق الإسلام منابع الاسترقاق وحصره في منبع واحد، وحينئذ ففي هذه الحالة قد قلّ الاستعباد. الخطوة الثانية: أنّ الإسلام بعد أن جفف منابع الاسترقاق تعامل مع من هم عبيد فعلاً فجعل منافذاً كثيرة للخروج من العبودية، بخطوات: ١- جعل الكفّارات التي يجب على المكلفين دفعها هو أن تعتق رقبة بمعنى أن تجعل العبد حرّاً سواءً كان العبد ملكاً لك أو تشتريه من غيرك فترقّه فبرقّه تتحقق الكفَارة ويسقط عنك الذنب، فكفّارة الإفطار العمدي، وكفّارة الإفطار في قضاء رمضان بعد الزوال، وكفّارة مخالفة العهد واليمين والنذر والظهار والقتل الخطأ والقتل العمد وغيرها، كل هذه منافذ للخروج من العبودية مع ملاحظة أن منابع الاسترقاق المتجدد قد ضيقها الشارع بالطريق الذي بينته لك في الخطوة الأولى ٢- جعل الحكم الاستحبابي للتبرع بالعتق للعبيد، وقد كان في الصدارة في هذا الأمر أهل البيت عليهم السلام: فقد روي أنّ الإمام السجاد عليه السلام يشتري العبيد لسنة كاملة وفي مناسبة من السنة يعتقهم جميعاً، وكذا بقية الأيمة عليهم السلام، فقد ورد في إقبال الأعمال: بإسنادنا إلى هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه، بإسناده إلى محمد بن عجلان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب ثم قال: يا فلان فعلت كذا وكذا، ولم أؤدبك أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يا ابن رسول الله، حتى يأتي على آخرهم، ويقررهم جميعا، ثم يقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت إلا أحصاها، وتجد كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضرا، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحب أن يعفو المليك عنك فاعف عنا تجده عفوا، وبك رحيما، ولك غفورا ولا يظلم ربك أحدا، كما لديك كتاب ينطق بالحق علينا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيناها إلا أحصاها، فاذكر يا علي بن الحسين ذل مقامك بين يدي ربك الحكم العدل، الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة وكفى بالله حسيبا وشهيدا، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح، فإنه يقول: " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " وهو ينادي بذلك على نفسك ويلقنهم، وهم ينادون معه وهو واقف بينهم يبكي وينوح ويقول: رب إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا، وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا، فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين وأمرتنا أن لا نرد سائلا عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤالا ومساكين وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا ولا تخيبنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك وجدت بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم، ثم يقبل عليهم فيقول: قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ومما كان مني إليكم من سوء ملكة؟ فاني مليك سوء لئيم ظالم مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل؟ فيقولون: قد عفونا عنك يا سيدنا، وما أسأت، فيقول لهم قولوا: اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، فأعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق، فيقولون ذلك، فيقول: اللهم آمين رب العالمين اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا إلى أقل أو أكثر، وكان يقول: إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلا قد استوجب النار فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، وإني لأحب أن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار. وما استخدم خادما فوق حول، كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة إذا كان ليلة الفطر أعتق، واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج والخلال، فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال (1). ٣- كان الإسلام يكرم العبيد ويساويهم مع أسيادهم من الأحرار ممّا يؤدي ذلك إلى غضب أسيادهم لأنّ الإسلام ساواهم وهذا مّا ركزت عليه الآيات القرآنية الكريمة مثل قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. الجرات: ١٣. وقد ورد في الكافي الشريف عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون عمن يروي عن أبي عبد الله عليه السلام إن علي بن الحسين صلوات الله عليهما تزوج سرية كانت للحسن بن علي عليهما السلام، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فكتب إليه في ذلك كتابا إنك صرت بعل الإماء، فكتب إليه علي بن الحسين عليهما السلام: إن الله رفع بالاسلام الخسيسة، وأتم به الناقصة، وأكرم به من اللؤم، فلا لؤم على مسلم إنما اللؤم لؤم الجاهلية، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أنكح عبده ونكح أمته، فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال لمن عنده: أخبروني عن رجل إذا أتى ما يضع الناس لم يزده إلا شرفا؟ قالوا: ذاك أمير المؤمنين قال: لا والله ما هو ذاك؟ قالوا: ما نعرف إلا أمير المؤمنين قال: فلا والله ما هو بأمير المؤمنين ولكنه علي بن الحسين (2). الكافي ج ٥ ص ٣٤٥. النتيجة: هو أن الإسلام عالج هذا الأمر بمسؤلية وبذكاء وتعامل مع هذا الواقع المتحذر الذي يصعب اقتلاعه بهذه الطريقة إلى أن لم يبق عبيد في كل هذه الأرض. المستوى الفقهي لهذه الشريحة: إنّ مّا يخص هذه الشريحة التي انعدمت في هذا الزمان بل وبزمان سابق بفضل الخطوات المدروسة التي انتهجها الإسلام للقضاء عليها، فإن علمائنا الأعلام خصوصاً المتأخرين منهم والمعاصرين حذفوا مّا يخص العبيد من أحكام شرعية تخص هذه الفئة لأنّه وبفضل الله تعالى والنبي وآله صلوات الله تعالى عليهم أجمعين قد إنقرضت فلا تعد حاجة لبيان مّا يخص أحكامهم. ودمتم في رعاية الله وحفظه. —————————————- (١) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - الصفحة ١٠٥. (٢) الكافي؛ لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، ج ٥ ص ٣٤٥.