وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب
جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج١٣، ص(٩٢):
قوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً﴾ القراءة المشهورة (لا تقف) بسكون القاف وضم الفاء من قفا يقفو قفواً إذا اتبعه ومنه قافية الشعر لكونها في آخر المصراع تابعة لما تقدمها، وقرئ (لا تقف) بضم القاف وسكون الفاء من قاف بمعنى قفا، ولذلك نقل عن بعض أهل اللغة أن قاف مقلوب قفا مثل جبذ مقلوب جذب، ومنه القيافة بمعنى اتباع أثر الأقدام.
والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به، وهى لاطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً، وتتحصل في مثل قولنا: لا تعتقد ما لا علم لك به ولا تقل ما لا علم لك به ولا تفعل ما لا علم لك به لأن في ذلك كله اتباعاً.
وفي ذلك امضاء لما تقضى به الفطرة الإنسانية وهو وجوب اتباع العلم والمنع عن اتباع غيره فإن الإنسان بفطرته الموهوبة لا يريد في مسير حياته باعتقاده أو عمله إلا إصابة الواقع والحصول على ما في متن الخارج والمعلوم هو الذي يصح له أن يقول: إنه هو، وأما المظنون والمشكوك والموهوم فلا يصح فيها اطلاق القول بأنه هو.
والإنسان بفطرته السليمة يتبع في اعتقاده ما يراه حقاً ويجده واقعاً في الخارج، ويتبع في عمله ما يرى نفسه مصيباً في تشخيصه، وذلك فيما تيسر له أن يحصل العلم به، وأما فيما لا يتيسر له العلم به كالفروع الاعتقادية بالنسبة إلى بعض الناس وغالب الأعمال بالنسبة إلى غالب الناس فإن الفطرة السليمة تدفعه إلى اتباع علم من له علم بذلك وخبرة باعتبار علمه وخبرته علماً لنفسه فيؤل اتباعه في ذلك بالحقيقة اتباعاً لعلمه بأن له علماً وخبرة كما يرجع السالك وهو لا يعرف الطريق إلى الدليل لكن مع علمه بخبرته ومعرفته، ويرجع المريض إلى الطبيب ومثله أرباب الحوائج إلى مختلف الصناعات المتعلقة بحوائجهم إلى أصاب تلك الصناعات.
ويتحصل من ذلك أنه لا يتخطى العلم في مسير حياته بحسب ما تهدى إليه فطرته غير أنه يعد ما يثق به نفسه ويطمئن إليه قلبه علماً وإن لم يكن ذاك اليقين الذي يسمى علماً في صناعة البرهان من المنطق.
فله في كل مسالة ترد عليه إما علم بنفس المسألة وإما دليل علمي بوجوب العمل بما يؤديه ويدل عليه، وعلى هذا ينبغي أن ينزل قوله سبحانه ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ فاتباع الظن عن دليل علمي بوجوب اتباعه اتباع للعلم كاتباع العلم في مورد العلم.
فيؤل المعنى إلى أنه يحرم الاقتحام على اعتقاد أو عمل يمكن تحصيل العلم به إلا بعد تحصيل العلم، والاقتحام على ما لا يمكن فيه ذلك إلا بعد الاعتماد على دليل علمي يجوز الاقتحام والورود وذلك كأخذ الأحكام عن النبي واتباعه واطاعته فيما يأمر به وينهى عنه عن قبل ربه وتناول المريض ما يأمر به الطبيب والرجوع إلى أصحاب الصنائع فيما يرجع إلى صناعتهم فإن الدليل العلمي على عصمة النبي دليل علمي على مطابقة ما يخبر به أو ما يأمر به وينهى عنه الواقع وإصابة من اتبعه الصواب، والحجة العلمية على خبرة الطبيب في طبه وأصحاب الصناعات في صناعاتهم حجة علمية على إصابة من يرجع إليهم فيما يعمل به.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.