وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب
عمر بن عليِّ بن أبي طالب هو الملقَّب بعمر الأطرف، تمييزاً عن عمر الأشرف ابن الإمام السجاد (عليه السلام)، قيل إنَّه كان آخر مَن ولد لأمير المؤمنين (عليه السلام) والظاهر أنَّ مقصودهم هو أنَّه آخر مَن بقي من أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلّا فهو على الأرجح أكبر من أولاد أمِّ البنين الأربعة الذين استُشهدوا مع الحسين (عليه السلام).
ولعلَّه أكبر من غيرهم أيضًا، فعمر الأطرف - كما في تاريخ مدينة دمشق(١) وغيره - قد وُلد في أيّام عمر بن الخطاب.
وكيف كان فالظاهر أنَّه لم يقع خلافٌ في أنَّه ممَن تخلَّف عن الإمام الحسين (عليه السلام)
فلم يحظَ بالشهادة بين يديه، ويشهد لذلك العديد من الأخبار التي يظهر منها بقاؤه إلى ما بعد أحداث كربلاء بزمنٍ ليس باليسير.
فقد قيل إنَّ عمره بلغ خمسًا وسبعين أو سبعًا وسبعين سنة(٢)، وبناءً عليه تكون وفاتُه قد وقعت في أيَّام إمامة الإمام السجاد (عليه السلام)، وقيل إنَّه بقي إلى أيّام الوليد بن عبد الملك(٣) وبناءً عليه تكون وفاتُه قد وقعت بعد السنة السادسة والثمانين التي تسلَّم فيها الوليد زمام الخلافة الأمويَّة، بل قيل إنَّ عمره امتدَّ إلى أنْ بلغ خمسًا وثمانين سنة(٤) فإذا كان مولده في بداية خلافة عمر، فوفاته بناءً على ذلك تكون في نهاية العقد التاسع من الهجرة.
وهنا ننقلُ عددًا من القضايا التي قد تُسهم في الإضاءة على شخصيَّة عمر الأطرف.
القضية الأولى: الإشارة على أخيه الحسين (عليه السلام) بالبيعة:
روى السيِّد ابن طاووس في اللهوف قال: وحدَّثني جماعةٌ منهم مَن أشرتُ إليه بإسنادهم
إلى عمر النسَّابة (رضوان الله عليه) فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جدِّه محمد بن عمر قال: سمعتُ أبي عمر بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) يُحدِّث أخوالي آل عقيل قال: لمَّا امتنع أخي الحسين (عليه السلام) عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلتُ عليه فوجدتُه خاليًا فقلتُ له: جعلتُ فداك يا أبا عبد الله، حدَّثني أخوك أبو محمد الحسنُ عن أبيه (عليهما السلام) ثم سبقتني الدمعةُ وعلا شهيقي فضمَّني إليه.
وقال: «حدَّثكَ أنِّي مقتول» فقلتُ: حُوشيتَ يابن رسول الله، فقال (عليه السلام): «سألتُك بحقِّ أبيك بقتلي خبَّرك؟»
فقلتُ: نعم، فلولا ناولتَ وبايعتَ.
فقال (عليه السلام): «حدَّثني أبي أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أخبره بقتله وقتلي وأنَّ تُربتي تكون بقرب تربته، فتظنُّ إنَّك علمتَ ما لم أعلمه وإنَّه لا أعطي الدنيَّةَ عن نفسي أبدًا ولتَلقينَّ فاطمةُ أباها شاكيةً ما لقيت ذريتُها من أمَّتِه، ولا يدخل الجنَّة أحدٌ آذاها في ذريتِها»(٥)
فهذه الرواية تصلحُ شاهدًا على أنَّه لم يكن من شهداء كربلاء، فهو بحسب الرواية ينقل لآل عقيل بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ما وقع بينه وبين أخيه قبل مسيره إلى كربلاء.
كما أنَّها تكشف عن طبيعة العلاقة العاطفيَّة بين عمر الأطرف وبين أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وعن إكباره وإجلاله لأبيه وأخيه الحسن (عليه السلام) وتعظيمه للسيدة فاطمة (عليه السلام).
القضية الثانية: سعيه لتحصيل الولاية على صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام):
أورد الشيخ المفيد في الإرشاد قال: روى هارون بن موسى قال: حدَّثنا عبد الملك بن عبد العزيز قال: لمَّا وليَ عبد الملك بن مروان الخلافة ردَّ إلى عليِّ بن الحسين (صلوات الله عليهما) صدقات رسول الله وعليِّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهما) ، وكانتا مضمومتين، فخرجَ عمر بن عليٍّ إلى عبد الملك يتظلَّم إليه من نفسه.
فقال عبد الملك: أقول كما قال ابن أبي الحقيق(٦).
وتمثَّل بأبياتٍ له، وامتنع من إعطائه أو إشراكه في الولاية على صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي أنساب الأشراف أنَّ عبد الملك قال بعد تمثله بأبيات ابن أبي الحقيق: "لا لعمري لا أُخرجها من ولد الحسين إليك، ووصله عبد الملك ورجع من عنده".
وأورد هذه القضية - مرسلة - ابنُ شهراشوب في المناقب مع اختلافٍ في شيء من تفاصيلها.
وأورد مصعب بن عبد الله الزبيري المتوفي سنة (٢٣٦ه) في نسب قريش هذه الواقعة ولكنَّه ذكر أنَّ شكاية عمر كانت على الحسن بن الحسن المجتبى وأنَّ الذى رفع شكايته عنده هو الوليد بن عبد الملك.
قال: ثم دفع الوليد الرقعة إلى أبان، وقال: ادفعها إليه، وأعلمه أنِّي لا أُدخل على ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيرهم، فانصرف عمر غضبان، ولم يقبل منه صلة(٧).
والظاهر أنَّ ما أورده الشيخ المفيد والبلاذري هو الأقرب للصحَّة؛ وذلك لأنَّ الظاهر أو الأرجح أنَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) قد نقل الخبر من أصول هارون بن موسى وهو من ثقاتنا، وهو قد تلقَّى الخبر كما صرَّح عن عبد الملك بن عبد العزيز وهو ابن جريح المكي المعروف بالوثاقة والصدق، وكان له ميل ومحبَّة شديدة لأهل البيت (عليه السلام) وإن كان الأرجح أنَّه من أبناء العامة، وكان عمره سبعين سنة كما أفاد ابن حجر، وقيل إنّ عمره قد بلغ المائة، وعلى أيِّ تقدير فهو شديد القرب من زمن الواقعة التي يرويها إنْ لم يكن معاصرًا لها.
وإذا صحَّت هذه الواقعة فهي خطيئة، نسألُ الله تعالى أنْ يتجاوز عنه، ولعلَّ ممَّا يؤكد وقوعها ما نقله ابن شهراشوب في المناقب(٨) قال: دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين (عليه السلام) فسلَّم عليه وأكبَّ عليه يُقبِّله.
فقال عليٌّ (عليه السلام): «يابن عم لا تمنعني قطيعةُ أبيك أنْ أصل رحمك، فقد زوجتُك ابنتي خديجة ابنة علي».
القضية الثالثة: بيعته لابن الزبير وبعده الحجاج:
قال أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلويَّة: إنَّ أول من بايع ابن الزبير عمر بن علي (عليه السلام) ثم بايع الحجاج بعده(٩).
الخبر مشعِرٌ بأنَّ البيعة من عمر لابن الزبير كانت عن اختيار وممالأة وهو ما لا يُمكن التثبُّت من صحته، إذ لم نجد في الأخبار ما يعضدُه، ولو صحَّ أنَّه بايع ابنَ الزبير وبايع بعده الحجَّاج - وهو غير مستبعَد - فإنَّه لا يكشفُ عن أنَّ البيعة نشأت عن قناعته باستحقاق ابن الزبير للبيعة أو استحقاق عبد الملك الذي كان الحجَّاج عاملًا له، فقد يكون منشأ ذلك هو إيثاره للسلامة وخشيته من إيذاء ابن الزبير الذي تمكَّن من الهيمنة على الحجاز قبل أن يتمكَّن الحجَّاج من تقويض سلطانه وقتله.
ويُؤكِّد ذلك ما عُرف من أحوال عمر بن عليٍّ من إيثاره للسلامة والدَّعة، وقد كان ابن الزبير يقسرُ الناس في الحجاز على مبايعته حتى أنَّه حاصر الهاشميين الذين رفضوا مبايعته وتوعَّدهم بالقتل والحرق، ولولا تدخل المختار لكان ربَّما أحرقهم.
والمظنون أنَّ الذي بايع ابن الزبير هو عبيد الله بن عمر، فهو الذي نقل المدائني عن أشياخه (كما في أنساب الأشراف ج٥، ص٣٥٢، و ج٦، ص٣٤١).
أنَّه بايع ابن الزبير حين دعا لنفسه، وكثيراً ما يقعُ الخلط لدى بعض المؤرِّخين بين عمر
بن علي وبين عبيد الله بن علي.
القضيَّة الرابعة: كان محدِّثاً موصوفاً بالصدق:
كان عمر بن عليٍّ الأطرف محدِّثًا ونقل عنه المحدِّثون من الفريقين جملة وافرة من الروايات يرويها عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام).
ويظهر من جملةٍ منها - والمحرَز صدورها في الجملة - أنَّه يعتقد لأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والوصيَّة وقد نقل العديد من مناقبه ومناقب السيدة فاطمة (عليها السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام).
هذا وقد روى عنه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم من محدِّثي العامَّة ووصفه العديد من رجال الجرح والتعديل من أبناء العامة وبالوثاقة والصدق، ووصفه بعض المؤرخين والنسَّابة بالفصاحة والعقل والسماحة والجود والعفَّة(١٠).
(مقالة للشيخ محمد صنقور، بتصرف)
ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه.
___________________________________
(١) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج٤٥، ص٣٠٤.
(٢) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ابن عنبة، ص٣٦٢.
(٣) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج٤٥، ص٣٠٦.
(٤) سر السلسلة العلوية، أبو نصر البخاري، ص٩٦.
(٥) اللهوف، السيد ابن طاووس، ص(١٩-٢٠).
(٦) الإرشاد، الشيخ المفيد، ج٢، ص١٥٠.
(٧) نسب قريش، مصعب بن عبد الله الزبيري، ج١، ص٤٣.
(٨) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج٣، ص٣٠٨.
(٩) سر السلسلة العلوية، أبو نصر البخاري، ص٩٧.
(١٠) لاحظ عمدة الطالب، ص٣٠٥.