أهلاً وسهلاً بكم في تطبيق المجيب
هناك بعض الموارد يهرّج بها أعداء الإمام علي عليه السلام للحطّ من قدره، ومساواته بالقوم الذين آذوا فاطمة الزهراء عليها السلام، وجميع هذه الموارد لا تصحّ عندنا، لضعف أسانيد الروايات من جهة، وللزوم كون النبي صلى الله عليه وآله يحرم ما أحلّ الله، وغيرها من اللوازم الفاسدة الآتية:
المورد الأول: ( عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد الله قالا : أتى رجل أبا عبد الله فقال له : يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال فتغير لون أبى عبد الله من ذلك واستوى جالسا، ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله ، فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل، فقالت: حقا ما تقول؟ فقال: حقا ما أقول ثلاث مرات، فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها، وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة، وكتب على الرجال جهاداً، وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك، وبقيت متفكرة هي، حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن، والحسين على عاتقها الأيسر، وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها، فجاء علي فدخل حجرته، فلم ير فاطمة، فاشتد لذلك غمه، وعظم عليه، ولم يعلم القصة ما هي، فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها، فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكى عليه، فلما رأى النبي ما بفاطمة من الحزن، أفاض عليها من الماء، ثم لبس ثوبه ودخل المسجد، فلم يزل يصلي بين راكع وساجد، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء، فلما رآها النبي أنها لا يهنيها النوم، وليس لها قرار، قال لها: قومي يا بنية. فقامت، فحمل النبي الحسن، وحملت فاطمة الحسين، وأخذت بيد أم كلثوم، فانتهى إلى علي وهو نايم فوضع النبي رجله على رجل علي فغمزه وقال: قم يا أبا تراب، فكم ساكن أزعجته، ادع لي أبا بكر من داره، وعمر من مجلسه، وطلحة، فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما، واجتمعوا عند رسول الله ، فقال رسول الله : يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني، وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، من آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي، قال: فقال علي: بلى يا رسول الله، قال: فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي: والذي بعثك بالحق نبيا، ما كان مني مما بلغها شيء، ولا حدثت بها نفسي، فقال النبي: صدقت، وصدقت، ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك، وتبسمت حتى رئي ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه: إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة! قال : ثم أخذ النبي بيد علي فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي الحسن، وحمل الحسين علي، وحملت فاطمة أم كلثوم، وأدخلهم النبي بيتهم، ووضع عليهم قطيفة، واستودعهم الله، ثم خرج، وصلى بقية الليل ) ( علل الشرائع ، الصدوق ، ج١، ٢١٩ ) وهذا الحديث ضعيف سندا لأن أحد لم تثبت وثاقته والثاني مهمل أي لم يذكر أصلا في كتب الرجال.
ثم في دلالتها أكثر من إشكال، فأولا لايدل على الإمام علي فعل شيئا يُغضب فاطمة، بل أثيرت إشاعة أوجبت غضب فاطمة عليها السلام، ثم كيف يمنع النبي صلى الله عليه السلام الإمام علي من فعل شيء حلال، أو تغضب فاطمة من حلال الله تعالى، والله تعالى يغضب لغضبها، أي يغضب الله تعالى من فعل ما جوّزه هو تعالى، فهذا تناقض.
وقد رويت هذه الرواية بألفاظ أخرى مقاربة عند أبناء العامة، وهي تعاني من مشاكل سندية ودلالية أيضا، ولو قبلناها فإنها تدل على قصد إظهار فضل الزهراء عليها السلام أمام الشيخين حتى تتم الحجة عليهما في إيذائهما لها عليها السلام.
المورد الثاني: ( عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي تخدمه، فجعلها علي في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليها السلام يوما، فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن فعلتها؟ فقال: لا والله يا بنت محمد، ما فعلت شيئا، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول الله ، فقال لها: قد أذنت لك. فتجلببت بجلبابها، وتبرقعت ببرقعها، وأرادت النبي ، فهبط جبرئيل ، فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: إن هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو عليا، فلا تقبل منها في علي شيئا، فدخلت فاطمة، فقال لها رسول الله : جئت تشكين عليا؟ قالت: إي ورب الكعبة، فقال لها: ارجعي إليه فقولي له: رغم أنفي لرضاك، فرجعت إلى علي فقالت له: يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك، تقولها ثلاثا، فقال لها علي : شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول الله ؟ واسوأتاه من رسول الله ، أشهد الله يا فاطمة إن الجارية حرة لوجه الله، وإن الأربعمائة درهم التي فضلت من عطائي صدقة على فقراء أهل المدينة، ثم تلبس وانتعل، وأراد النبي ، فهبط جبرئيل، فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: قل لعلي: قد أعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة، والنار بالأربعمائة درهم التي تصدقت بها، فأدخل الجنة من شئت برحمتي، وأخرج من النار من شئت بعفوي، فعندها قال علي : أنا قسيم الله بين الجنة والنار ) ( علل الشرائع ، الصدوق ، ج١، ١٩٥ ).
وهذه الرواية ضعيفة السند؛ لوجود ثلاث رواة غير موثقين فيها، وقد ذكر فيها هجرة أبي ذر للحبشة، وأبو ذر لم يهاجر إلى الحبشة أصلاً.