كيف كان حال اهل اليمن من سنة 10 هـ إلى 60 هـ ؟ اي ما موقفهم من الانقلاب الذي حدث بعد استشهاد النبي الاكرم ﷺ و قيام حكومة السقيفة و حكومة بني امية ، هل كانوا من الثابتين على ولاية اهل البيت ام بايعوا غيرهم ، و ماذا فعلوا عند حدوث واقعة الطف
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب.
ولدي العزيز، نذكر لك نبذة تاريخية عن اليمن:
اليمن هي الوحيدة التي اعتنق أهلها الإسلام بلا حرب وإراقة دماء، حيث أعلنوا إسلامهم بمجرد وصول مبعوث النبي الأكرم (صلى اللّٰه عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) بعد أن فشل في مهمته كل من خالد بن الوليد ومعاذ بن جبل اللذين بعثهما النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) قبل ذلك لنفس الأمر.
ولما رأى النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) فشل الموفدين بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذة المهمة، فالتقى بقبيلة "همدان" التي تعد من أكبر القبائل اليمنية حينها، ودعاهم للاستماع لكتاب الرسول (صلى اللّٰه عليه وآله) إليهم.
وقد خلقت كلماته في نفوس رجال القبيلة تحولاً كبيراً، وتفاعل معها الجميع وشهروا إسلامهم في يوم واحد.
ثم جاء الدور بعد همدان لقبائل مذحج والنخع الذين أسلموا على يد الإمام علي (عليه السلام) أيضاً.
وكان أوّل المسلمين على يد أمير المؤمنين بعد دخوله اليمن إمرأة تكنى بـأم سعيد، وهي التي أوقفت بيتها مسجداً صلى فيه الإمام (عليه السلام) وهو المعروف اليوم "بمسجد علي" وما زال عامراً حتى الساعة.
*في عصر الخلفاء:
بلغت العلاقة الحميمة بين اليمنيين وبين الإمام علي (عليه السلام) حداً حتى بلغ عدد اليمنيين في النواة الأولى التي تشكلت باسم التشيع بعد أحداث السقيفة عشرة أشخاص من مجموع 23 صحابياً شكلوا تلك النواة الأولى للتشيع.
وقد سجلت بعض المصادر التاريخية أنّ الحارث بن معاوية التميميّ وحارثة بن سُراقة الكِندي والأشعث بن قيس الكِندي قالوا لـزياد بن لَبيد الأنصاريّ مُوفَد أبي بكر إلى حضرموت بأنّهم إنّما يدينون بالطاعة لاهل بيت البنيّ، وسألوه عن الذريعة التي أُقصي بها الإمام علي (عليه السلام) عن الخلافة.
وبعد أن استتب الأمر للخلفاء توسعت بقعة النفوذ الإسلامي، ومن هنا - ولغرض الدفاع عن الدين وحماية المسلمين هناك - قام الخليفة الثاني بتمصير كل من الكوفة والبصرة سنة 16 للهجرة كمعسكرات للجيش الإسلامي، وجلب إليها بعض القبائل اليمنية حتى غلب الطابع اليمني على المدينتين.
وكانت قبيلة "همدان" ضمن تلك القبائل التي هاجرت إلى الكوفة، ولعبت دوراً بارزاً في التحولات السياسية والاجتماعية للمدينتين في القرن الأوّل الهجري.
في عصر الإمام علي (عليه السلام):
بعد مقتل عثمان بن عفان وإجتماع الناس حول بيت الإمام علي (عليه السلام) لمبايعته بالخلافة كان للقبائل اليمنية الدور البارز في هذه البيعة -رغم عدم ميل الإمام للتصدي للخلافة وتسنم سدّة الحكم في تلك الظروف الحرجة - وكان مالك الأشتر - حسب بعض المصادر التاريخية - أوّل المبايعين له (عليه السلام)؛ فيما كان أول عمل قام به (عليه السلام) أن عيّن الولاة، وجعل عبيد الله بن العباس والياً على اليمن.
وحينما تعرضت حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) لتلك الحملة الظالمة التي شنّها ضده قادة المعارضة لحكمه في كل من الجمل وصفين ثم النهروان كان اليمنيون يمثلون الثقل البارز في جيش الإمام (عليه السلام) المدافعين عنه بكل بسالة، بل كانوا العنصر الأساسي في انتصاره في معركة الجمل.
وكان لهم الدور الأمثل في صفين أيضاً حيث شاركت في الحرب شخصيات كبيرة لها ثقلها السياسي والاجتماعي والعسكري إلى جنب أمير المؤمنين، منهم: مالك الأشتر، وعدي بن حاتم الطائي، وزحر بن قيس وهاني بن عروة.
ومن القبائل اليمنية التي سارت في ركاب أمير المؤمنين في صفين: بَنو أحمس من بجيلة بن أنمار بن نزار حتى أوصل صاحب وقعة صفين عدد المشاركين من أبناء هذه القبيلة إلى 700 مقاتل.
وقد أغاظ وفاء اليمنيين لعلي (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان، فأرسل إليهم بسر بن أرطاة الذي اقترف جرائم كبيرة، ونشر فيها الروع بالاسراف في القتل؛ حتى قتل ثلاثين ألفاً وحرق البعض منهم وسبى ذراري همدان ونساءهم وباعها بالاسواق.
وبلغه (عليه السلام) هجوم بسر بن أرطاة على اليمن وقتله الأبرياء، فدعا عليه، فقال: «اللهم إن بسراً باع دينه، وانتهك محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك، اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله، ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار ... المزید». فلم يلبث بسر بعد ذلك إلاّ يسيراً حتى وسوس، وذهب عقله، فلبث كذلك إلى أن مات.
في عصر معاوية:
زاد معاوية من عدائه وظلمه لليمنيين بعد تصديه للحكم ومن الجرائم التي اقترفتها بحق اليمنيين قتله لخيرة رجالهم كـحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي؛ لما كان يقوم به الرجلان وخاصة حجر بن عدي من مساندة للحق ودعم للخليفة الشرعي علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفضح لما يقترفه معاوية من موبقات.
وكانت حركة حجر بن عدي من أهم الحركات الشيعية في فترة ما بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين (عليهما السلام)، حيث أقلقت الأمويين كثيراً، الأمر الذي جعل معاوية يعبئ جميع طاقاتها لمواجهة هذه الحركة، بل قام - ولتبرير قتله لحجر بن عدي - باحضار بعض وجوه الشيعة ليشهدوا أمامه بأن حجر بن عدي خارجي يستحق القتل.
في عصر الإمام الحسين (عليه السلام):
عندما كتب الكوفيون إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يدعونه للقدوم إليهم، وأرسلوا له كتبهم كان من بين المكاتبين له الكثير من اليمنيين. ومما يدل على وفاء الكوفيين لأهل البيت (عليهم السلام) أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لما عزم على التوجه إلى الكوفة جاءه عبد الله بن عباس وطلب منه - ناصحاً - عدم التوجه إلى الكوفة والذهاب إلى اليمن، قائلاً له: يا ابن عم، إنّ الناس قد أرجفوا بأنّك سائر إلى العراق؟ فقال (عليه السلام): «نعم.» قال ابن عباس: إنّي أتخوّف عليك الهلاك، إن أهل العراق غدر فأقم بهذا البلد، فإنك سيد أهل الحجاز... إلاّ فإن في اليمن جبالاً وشعاباً وحصوناً ليس لشيء من العراق مثلها، واليمن أرض طويلة عريضة، ولأبيك بها شيعة فَأتِها، ثم ابثث دعاتك وكتبك يأتك الناس.
وكانت ملحمة عاشوراء ساحة أخرى تجلى فيها الوفاء اليمني لأهل البيت (عليهم السلام) حتى سجلت لنا المصادر التاريخية وكتب المقاتل أسماء (34) يمنياً سقطوا شهداء تحت لواء الحسين (عليه السلام) وما أن أنتهت الواقعة ووضعت الحرب أوزارها حتى ندم الكثير ممن تخلفوا عن نصرة سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) فقرروا الحركة لجبران ما بدر من خلل والتصدي للحكم الأموي ومن أبرز تلك الحركات حركة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخُزاعي الذي قاد الحركة الاعتراضية التي جلّ رجالها الأصليين كانوا من الشيعة اليمنيين والذين سقطوا شهداء في معركة الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام).
في عصر الظهور:
ورد في أحاديث متعددة عن أهل البيت (عليهم السلام) ما لليمن من دور مهم، منها بضعة أحاديث صحيحة السند، وهي تؤكد حتمية حدوث هذه الثورة وتصفها بأنها راية هدى تمهد لظهور المهدي (عليه السلام) وتنصره.
بل تصفها عدة روايات بأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وتؤكد على وجوب نصرتها كراية المشرق الإيرانية وأكثر، وتحدد الأحاديث وقتها بأنه مقارن لخروج السفياني في رجب، أي قبل ظهور المهدي (عليه السلام) ببضعة شهور، ويذكر بعضها أن عاصمتها صنعاء.
أما قائدها المعروف في الروايات باسم "اليماني" فتذكر رواية أن اسمه (حسن أو حسين) من ذرية زيد بن علي (عليه السلام).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء» (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٥٢، ص٢٠٤).
وعنه (عليه السلام): «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم. وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية حق لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم» (بشارة الإسلام، ص٩٣ عن غيبة النعماني).
وجاء في بعض الروايات عن الإمام المهدي (عليه السلام) أنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة. (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٥٢، ص٣٨٠).
[بحوث في الملل والنحل، للشيخ جعفر السبحاني، ج٦، وج٧ بتصرف].
ودمتم موفقين.