قرات بعض الروايات ان النبي تفل في انائين ماء و قرا ايات و شرب منه علي و فاطمة عليهما السلام و سمعت ان النبي مضغ طعاما ثم اخرجه ف اكله علي
و قرات ان النبي مص لعاب الحسن و الحسين
و غيرها من الروايات المشابهة
فانا متحيرة من ذلك ما صحة هذه الاحداث؟ احس بشعور غريب و سيء عند قرائتي لهذه الروايات
اتمنى ان تبينوا لنا تفسير هذه الافعال ان كانت حقا صدرت منهم عليهم السلام
توجد فتاة سالت كسؤالي لكن جوابكم لم يفسر الحادثة و يوضحها
لذا ارجوا ان تجيبوا بجواب شافي و مفهوم و مفصل
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
ابنتي الكريمة، حياكم الله وتقبل أعمالكم.
قبل الخوض في الجواب ينبغي الانتباه لمُقدمةٍ وهيّ:
نحن الآن نعيشُ في فترة زمانية بعيدة جداً عن زمان المعصومين (عليهم السلام)، واللغةُ التي نَتحدث بها والطبائع التي تَرَكَّزَتْ في أنفُسِنَا تَختلف جداً عن الطبائع واللغة التي كانت سائِدة في تلك الفترة، بحيث أننا لو اطلعنا على بعض الألفاظ والتعبيرات التي كانت تُستَعمل في تلك الفترة نتعجب من كونها عربية أصلاً.
فمثلاً في الحديث المنسوب للنبي (صلّى الله عليه وآله): «ليس امبرٍ امصيام امسفر» أي (ليس من البر الصيام في السفر)، وهذه لغةٌ عربية لقومٍ كانوا يقلبون اللامَ ميماً.
وأيضاً كانوا يقولون: "فلانٌ جبانُ الكلب" وقصدهم من هذا اللفظ التعبير عن كرمِ هذا الشخص، فإنّ الكلب (أجلكم الله) إذا كان ينبح على جميع مَن يدخل إلى الدار فهذا يدل على أنه لم يَعتد على الضيوف، فنعلم أنّ ضيوف هذا البيت قليلون.
بينما إذا كانَ الشخصُ كثيرَ الضيوف، فإنَّ كلبه ستأتيه فترةٌ لا ينبح على غريبٍ يدخلُ إلى الدار، لاعتياده على كثرة الضيوف والغرباء.
فإذا رأينا شخصاً لديه كلبٌ جبان، فإنّ هذا يدل على أنّه كثيرُ الضيوف، وهذا يعني أنّه كريمٌ ووجيه في قومه.
لاحظ أنّ التعبير (فلانٌ جبانُ الكلب) بالنسبة لنا مستهجن وغيرُ مألوف، بل لعله نشعر منه أنّ فيه إهانةً لذلك الشخص، لكن بعد أن عرفنا مقصودَ العرب من استعمالهم له عرفنا أنّه وصفُ مدحٍ.
وأيضاً من الطبائع التي كانت مشهورة ومعروفة في ذلك الزمان - وهي غريبة بالنسبة لنا في زماننا الحالي - التكحل بالنسبة للرَجُل، فالرجل في ذلك الزمان كان يكتحل، أما في زماننا الحالي فلو اكتحل رجلٌ لصارَ محلَ الاستهزاء والنقل.
إذن لغةُ ذلك الزمان وتعبيراتُ أهلهِ تختلفُ عن لُغَتِنا وتَعبِيرَاتِنا، وكثيرٌ من طبائعهم وتصرفاتهم تختلف عن طبائعنا وتصرفاتنا.
إذا اتضحت لديكم هذه المقدمة نقول:
إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) من أهل ذلك الزمان، ويتعامل مع الناس وأهل بيته (عليهم السلام) بحسبِ التعاملات واللغة التي كانت سائدة في زمانهم، فيعبر عن مشاعره بحسب الوسائل والطرق السائدة في ذلك الزمان.
وعليه:
أولاً: إنّ مضمون هذه الروايات ـ لو سلمنا صحة سندها ـ لا إشكالَ فيه، فهو وإن كانَ بحسبِ طبائعنا وأذواقنا الحالية أمرٌّ غريب إلا أنّه في ذلك الزمان امرٌ مألوفٌ وتعبيرٌ عن الحب للمقابل وكنايةٌ عن قُربه ومكانته العالية.
ولا يخفى أنّ علي وفاطمة (عليهما السلام) كانا أقربَ الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ثانياً: هل الفِعل الذي فعله النبي (صلّى لله عليه وآله) في الرواية فيه إشكالٌ شرعي؟
الجواب بكل تأكيد لا، فالنبي (صلّى الله عليه وآله) معصومٌ بعصمةٍ مطلقة، فلا يفعل الحرام.
وإذا كانَ مضمون هذه الرواية ليسَ فيه نسبةٌ للحرام أو لشيءٍ ينافي العصمة للمعصوم، فلا يبقى وجهٌ للتوقفِ في مضمونها والنفور منها إلا الذوق الشخصي والطبع المُكتَسَب، وهذا ليسَ بمقياسٍ للأخذ بروايةٍ أو رَدِهَا.
وباختصار: إنكم تجدون هذه الروايات غريبة لأنّ طريقةَ تعامُلِكم مع أحبائكم وأعزائكم تختلف عن طريقة تعامل أهل ذاك الزمان، ولهذا فلا ينبغي أن نجعلَ طبعنا وذوقنا ضابطةً في التعامل مع الروايات الناقلة لتفاصيل حياة الناس في ذلك الزمان.
وكل ذلك على فرض صحة هذه الروايات.
ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه.