أبا أنس - السعودية
منذ 4 سنوات

 معنى قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم...)

قلتم في جوابكم: فلا يظهر المراد منها على وجه تختص بالقبل كما هو ظاهر للمتأمل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حليّة مطلق الإتيان ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض . نقول و الله المستعان: الآية لا تحتمل غير معنى القبل لأن الله لو قصد المكانين لكان قال :فإذا تطهرن فائتوهن.أمّا وقد قال من حيث أمركم الله فهذا يعني أن الله قد أحل لنا مكان و حرم الآخر. أما استشهادكم بمصادرنا فهو كذب و افتراء و الآية: (( فأتوا حرثكم أنىّ شئتم )), معناها : كيفما شئتم، أي بأي وضعية تحبون. والدليل: قوله: (حرثكم ) أي من مكان الحرث و من المعروف لدى العقلاء أن القبل مكان الحرث و ليس الدبر، أما سبب هذه الآية معروف ومذكور في كتبنا ولا يخفى على أحد و لله الحمد ، وبه يتبين ما ذكرته في معنى الآية. عذراً لقد نسيت أن أذكر لكم أدلتكم التي تقول بالحلية و ليس بالتحريم و أتمنى أن تذكروا مرجعاً واحداً من مراجعكم قال بالتحريم المطلق. فقد روى الطوسي عن عبدالله بن أبي اليعفور قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة من دبرها قال : لا بأس إذا رضيت ، قلت : فأين قول الله تعالى: (( فأتوهن من حيث أمركم الله )) فقال: هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول : (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أَنى شئْتم )) الاستبصار 3/243 . وروى الطوسي أيضاً عن موسى بن عبد الملك عن رجل قال : ( سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها فقال :أحَلَّتها آية من كتاب الله قول لوط (عليه السلام): (( هؤلاء بناتي هنَّ أَطهر لكم )) فقد علم أنهم لا يريدون الفرج ) الاستبصار 3/243 . وروى الطوسي عن علي بن الحكم قال : سمعت صفوان يقول : قلت للرضا عليه السلام ( إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسالك عن مسألة فهابَكَ ) واستحيى منك أن يسألك ، قال : ما هي ؟ قال : للرجل أن يأتي امرأته في دبرها ؟ قال : نعم ذلك له ) المصدر السابق.


الاخ أبا أنس المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نقول : لو تأملت جيداً في ما نقلناه عن بعض الفقهاء لما قلت، ما قلت. فإننا لم نقل إلا أن الآية الكريمة في مقام بيان حكم شرعي، وهو جواز إتيان الزوجة بعد أن تطهر من الحيض بعدما كان الإتيان في الفرج محظوراً أثنائه، فالآية في مقام بيان رفع الحظر والنهي عن إتيان الفرج ولا تكتفى بالاباحة لان في الآية الكريمة ترغيب في إتيانهن من حيث أمرنا الله ، وهذا يعني أنه يذكرنا بأمر آخر مأمورون به سابقاً، وهو محل الحرث والنسل وتكثير الابناء المسلمين، وهذا كله لا علاقة له بتحريم شيء آخر أو مكان آخر ، وإنما تنحصر دلالة الآية الشريفة هنا على مقام معين على سبيل الترغيب. أما أن غيره جائز أو غير جائز فالآية الكريمة ليست في مقام بيانه، وهذا ما توهمته أنت حيث قلت: (فهذا يعني أن الله قد أحل لنا مكان وحرم الآخر)، وهذا إشتباه منك قد أشرنا لدفعه في تعليقنا ، لان الكلام عن تحليل الفرج ورفع الحظر بعد تحريمه والحظر عليه عند الحيض لا علاقة له بموضوع حلية أو حرمة الإتيان في مكان آخر ، لأن مقام الكلام في الآية هو الفرج، إما سائر الأماكن الأخرى فهي مسكوت عنها فقد تحلل وقد تحرم ولكن بأدلة أخرى، والآية لا علاقة لها بها وليست في مقام بيانها فتأمل وافهم. أما إتهامك لنا بالكذب والافتراء في هذه المسألة ، فهذا الفعل معيب أو جهل منك فإننا نقلنا من المصادر مع التوثيق، فاما أن تكون جاهلاً أو متعصباً مفترياً، وسنذكر بعض تلك النصوص على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: 1- قال النووي في (مجموعة 16/419) نقلاً عن الشافعي: (لم يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحريمه ولا تحليلة شيء والقياس أنه حلال). 2- ذكر ابن حجر في (فتح الباري 8/143) بعض من قال بعدم حرمة وطئ الدبر فقال: وذهبت جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيشابوري إلى إنه لا يثبت فيه شيء (يعني التحريم)، فراجع. 3- قال النووي في مجموعة أيضاً (16/420): وقد روي الجواز أيضاً عن مالك بعد أن رواه عن الشافعي وقد نقل ابن قدامة رواية عن مالك يقول (ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال..), ثم قال: قال المزني قال الشافعي: ذهب بعض أصحابنا إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه... وحكي أن مالكاً سئل عن ذلك فقال: (الآن اغتسلت منه)! 4- قال ابن قدامة الحنبلي في (المغني 8/131): فصل: لا يحل وطئ الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم (وليس إجماعاً فانتبه) منهم... ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك. 5- قال ابن حزم في (المحلى عن وطئ الدبر 10/69): وأما في النساء ففيه اختلاف اختلف فيه عن ابن عمر وعن نافع... (وبسنده عن ابن قاسم) قال: قال لي مالك: فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: لا بأس به ورواه أيضاً النسائي في (سننه الكبرى 5/315). 6- قال الجصاص في (أحكام القرآن 1/426) بعد أن نقل ثبوت القول بالإباحة عن مالك: ويروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأساً ويتأول فيه قوله تعالى: (( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون )) أي: من أرواحكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون، ونقله أيضاً الطحاوي في (شرح معاني الآثار بنصه 2/45). فتأمل واحكم بعد ذلك!! 7- بل رواه البخاري عن ابن عمر بشئ من التلاعب والتدليس الذي كشفه غيره كما بين ذلك ابن حجر في فتحه (8/141) حينما رواها البخاري عن ابن عمر وجعل أمامها بياضاً وفراغاً ولم يكتب (الدبر) فقال ابن حجر وقد قال أبو بكر ابن العربي في سراج المريدين: أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال (يأيتها) وترك بياضاً، والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءاً وصنف فيها محمد بن شعبان كتاباً وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها. وقال ابن حجر عن فعلة البخاري هذه وحذفه للدبر وإيهام الناس وتحريف أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) دون رعاية الامانة العلمية: (وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن بسببها إستعماله (!) فكيف تدعى بعد هذا كله بأننا نكذب؟ أما بخصوص الآية الكريمة التي ذكرتها وهي قوله تعالى: (( فأتو حرثكم أنى اشئتم ))، وادعيت أن معناها كيفما شئتم أي بأي وضعية تحبون! فهناك الكثير من أقوال علمائك ما ينقض قولك وادعاءك في معنى هذه الآية الكريمة ونذكر على سبيل المثال: 1- رواية البخاري وغيره عن ابن عمر أنها نزلت في إتيان النساء في الدبر، كما اوضحنا ذلك آنفاً. 2- قول ابن قدامة (8/131) وابن حزم (10/69) في الدليل على القول بالاباحة: واحتج (واحتجوا) من أجله بقوله الله تعالى: (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )). 3- قول ابن حجر في فتحه (8/140) تعليقاً على قول البخاري: باب (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) فقال: اختلف في معنى أنى فقيل كيف وقيل حيث وقيل متى، وبحسب هذا الاختلاف جاء الإختلاف في تأويل الآية. فأين قولك وأين جزمك وأين إجماع علمائك على ماذكرته من معنى تريد إلزامنا به؟ 4- ومع كل ذلك سأذكر لك المناظرة التي جرت بين الشافعي ومحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة في هذا الموضوع لتعلم عدم إجماع علمائك على المنع والتحريم وكذلك عدم دلالة الآية على ما تدعي: قال النووي في مجموعة (16/419) والشوكاني في (نيل الاوطار 6/354): وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: لم يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال، وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الاصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال على المناصفة، قلت: فبأي شيء حرمته؟ قال: يقول الله عز وجل (( فأتوهن من حيث أمركم الله )) وقال:(( فأتو حرثكم أنى اشئتم )) والحرث لا يكون إلا في الفرج، قلت: أفيكون ذلك محرماً سواه؟ قال: نعم قلت: فما تكون لو وطأها بين ساقيها أوفي أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك الحرث؟ قال: لا، قلت: فيحرم ذلك؟ قال: لا، قلت: (فلم تحتج بما لا حجة فيه)؟ قال: فإن الله قال: (( والذين هم لفروجهم حافظون )), قال: فقلت له: هذا مما يحتجون به للجواز، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وما ملكت يمينه، فقلت له: أنت تتحتفظ من زوجتك وما ملكت يمينك، أنتهى. ودمتم في رعاية الله

5